(( كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه ))
|
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه أجمعين. |
الأساتذة الأكارم.. الأخوة الأفاضل: |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. |
أحييكم أطيب تحية، وباسمكم جميعاً أحيي ضيف أمسيتنا، الشاعر الكبير قاسم حداد، الذي أبت أريحيته إلا أن يزيد شواغله بتكريمنا بهذا اللقاء الذي أعتبره امتداداً لموجات تتدافع من سواحل البحرين، ذات اللؤلؤ والقلوب المفعمة بحب الحياة، نحو شواطئ الخبر، والدمام، والقطيف، ودارين، وتاروت. إنها علاقة أزلية متأصلة الجذور، عميقة الأغوار، يتعانق نخيلها عبر المدى، وتشق أغاني الغوص والبحر أرجاء السماء، لتنسج لنا لغة مميزة تشف عنها كل تفاصيل الحياة الصغيرة، فتنصهر الحدود في بوتقة الحب والود والإخاء، فأهلاً وسهلاً ومرحباً به وبالأستاذ الدكتور إبراهيم عبد الله غلوم، عميد كلية الآداب بجامعة البحرين، والناقد الأدبي المعروف، بعد أن احتجبت الاثنينية الأسبوع الماضي احتفاءً بعودة صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز إلى أرض الوطن بعد رحلة علاجية طويلة، فأحمده سبحانه وتعالى أن أعاده إلينا مكللاً بالصحة، مجللاً بالعافية، وأسأله عزّ وجلّ، أن يمنّ على الجميع بنعمه وكريم آلائه. |
وقبل أن أتوغل مع ضيفنا الكبير، أترحّم على فقيد العلم والفضل، فضيلة معالي الشيخ محمد بن إبراهيم بن جبير، رئيس مجلس الشورى، الذي رحل إلى رحاب الله تاركاً لنا غصة وفراغاً، كما نترحم على الأخ الدكتور زاهد زهدي، الذي كان من أعمدة اثنينيتكم، فرحل مأسوفاً عليه، سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته، ويجعلهما مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. |
الأحبة الأفاضل.. عرفت ضيفنا الكبير من خلال قصاصة صغيرة في صحفنا المحلية قبل عدة سنوات، عندما أعلنت وزارة الإعلام بدولة البحرين –آنذاك– والتي أصبحت الآن مملكة البحرين، تفريغ بعض الأساتذة الشعراء والأدباء للعمل الإبداعي، عندها وقفت تقديراً وإعزازاً لهذا القرار الحضاري الذي يعكس اهتمام المجتمع برموزه الثقافية والأدبية والفكرية، ومنذ ذلك الحين بدأت أتتبع بعض أعمال شاعرنا الكبير، وشدّتني تحركاته ونشاطاته الثقافية ولقاءاته الشعرية التي شملت هولندا وبلجيكا، وأخيراً تواصل وشائج المحبة في دولة قطر ثم تعطيره أجواء اثنينيتكم، في رحلات شبه متصلة، لا شك أنها أخذت من وقته وجهده الشيء الكثير، ولكن ذلك ليس بغريب عن شخصية ضيفنا الكبير إذا نظرنا إليه بشيء من الواقعية. |
ضيفنا الكريم يتعانق في طواياه الإنسان بالفنان، إذا حاولت أن تتعرف عليه من خلال أعماله الشعرية، فأنت قد اخترت المركب الصعب، لأنه يعيش حالة متصلة من القلق، وسمِّها إن شئت (اللا أمن) وأحسب أنه يعتقد قادراً على كتابة الشعر لكمون هذه الصفة في شخصيته، وصدى كلماته يردد: (المطمئن لا يكتب شعراً، إنه لا يخاف من شيء، ولا تصيبه الرجفة الداخلية العصية على التفسير، إنني أكتب الشعر لأنني خائف وفي خطر دائم، الشعر فقط يحميني من العالم)، فإذا رأيت هذا الفنان الخائف من العالم يجوب آفاق الأرض للتواصل مع محبيه، فلا تظنن أن ذلك ديدنه، إنه في ذلك مثل أديبنا وشاعرنا الكبير الراحل حمزة شحاته –رحمه الله– وكما علق أديبنا العملاق وشيخ النقاد، أستاذنا الكبير عبد الله عبد الجبار على حمزة شحاته بأنه يمثل الطبع العاطفي، الذي يتأرجح بفطرته بين الانطوائية والانبساطية، وتبدو هذه السمة واضحة في إنجاز المبدع أو في حياته العامة، فقد يهرب من المجتمع ويتقوقع داخل داره أو غرفته متأملاً أو منغمساً في قراءات طويلة عميقة، ومتنوعة يقرأ كل شيء، ولا يكاد يظهر للناس، حتى إذا ظننا أنه آثر الوحدة والانعزال، ألفيناه فجأة يغشى المجالس والمجتمعات، ويلقى أصدقاءه ومعارفه، وينغمس في دنيا الحياة والأحياء، والبيع والشراء، ويمثل الروح الانبساطية بأجلى معانيها، ولكنه لا يلبث أن ينصرف تدريجياً إلى حياة الانطواء والانفراد، وأحسب أن ضيفنا الكريم يحمل الكثير من هذه السمات، خاصة في علاقته بفنه ومجتمعه. |
وفي هذا الإطار، آثر ضيفنا الكبير التواصل مع المتلقي في كل الأحوال، من خلال نافذته التي يطل منها على العالم، وأعني موقعه الأنيق على شبكة الإنترنت، فهو فضاء أثيري يجمعنا به في كل الأوقات والظروف، نبحر من خلال ذلك الموقع في تجربته الشعرية، وتماهي إبداعه مع الفن التشكيلي، والنص النثري، وأفكار الآخرين حول ما يكتب، وقد أحسن عملاً حين قفز على سلطة الرقيب، واختصر الورق والمسافات، ليمتعنا بإبداعه المميز في عالم الشعر والنثر. |
إن الشعر عند ضيفنا الكبير، نوع من البوح الداخلي، يهمه كثيراً أن يختلف في الشكل لا المضمون، فهو يتعذب مرتين: عذاب المضمون في الحياة، وعذاب الشكل في النص، وأحسب أن تجربته دائماً ثرية لهذه الثنائية في العذاب، والأكثر من ذلك تعمقه الفلسفي في وجوب وضوح الرؤيا شأن النص الذي يكتبه قبل أن يفاجئ به القارئ، فهو لا ينام ملء جفونه عن شواردها كما اعتز المتنبي بذلك قديماً، بل قد يسهر ليلاً كاملاً متلمساً ملامح شكل ما، لنصٍ ما، ثم يكتشف في الصباح أن ما توخاه لم يكن إلا وهماً، فتنهال عليه مطارق الأسئلة لتطارده في صحوه ومنامه، غير أنه يرتاح إلى فكرة أن يكتب دائماً بشكل مختلف، بغض النظر عن المضمون، مؤكداً أن القناعة كنز لا ينفع في الفن، وعليه اكتشاف مزيد من الرؤى التي تمكنه من ارتياد النص مرات متعددة، لعلَّه يكتشف في كل مرة طريقة جديدة في الكتابة. |
إن قراءة شاعرنا الكبير منذ ديوانه الأول "البشارة" الذي صدر عام 1970م وحتى ديوانه الأخير "علاج المسافة" عام 2000م، يجد أنه ظل مخلصاً لنهجه في الإبداع الشعري على مدى ثلاثين عاماً.. بمعنى أنه اتخذ قصيدة التفعيلة متكأ يبذر من خلاله أفكاره ورؤاه للعالم من حوله، ثم يفكر بصوت مجلجل ليبحث مع المتلقي عن أجوبة تشفي الغليل حول سر الكلمة والإبداع، فهو يؤمن دائماً "أن الذهاب نحو تجربة النص لا يشكل نفياً لأي نوع أدبي آخر، على العكس، ففي حضور كافة |
أشكال التعبير، قديمها وجديدها، حوار إنساني يمنح المشهد الفني تنوعاً وثراءً". |
ولعلّ ضيفنا الكبير يحدثنا أيضاً عن تجربته الرائدة في مزج النص الشعري مع غيره من وسائل الإبداع التشكيلي والموسيقي، فقد علمت عن مشروعه الجريء في تقاطع النص مع آفاق التعبير الفني الأخرى، مثل الرسم والموسيقى والمسرح والأداء الكورالي، ومدى تقييمه لما تم حتى الآن في هذا المشروع الرائد، وهل ينوي استمراره على ضوء النجاحات أو الإخفاقات التي صاحبت التجربة؟ وهل ينوي تكوين فريق عمل يستطيع من خلاله فرد قاموسه الشعري الرائع لتأسيس أنموذج يمكن أن يعيش بيننا عبر وسائط الإعلام المختلفة؟ فيقفز فوق الورق إلى شاشات العرض التلفازي مثلاً، وينبض بالحياة على خشبات المسرح، ويمد يديه ليعانق المتلقي عبر كل فضاءات المعرفة المتاحة. |
أتمنى لكم ساعات ممتعة مع ضيفنا الكبير، وللأسف فإن أخي الأستاذ الدكتور عبد الله الغذامي لم يتمكن من حضور هذه الأمسية لارتباطه المعروف بطلابه، بالإضافة إلى مشاركته قبل فترة وجيزة في فعاليات قراءة النص التي قدمها النادي الأدبي الثقافي بجدة.. آملاً أن نلتقي الأسبوع القادم بمشيئة الله لتكريم معالي الأستاذ الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلي، مدير عام مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية باستنبول، ومعاليه جدير بكل تكريم واحتفاء، فهو من القلائل الذين نذروا أنفسهم لخدمة التراث الإسلامي من خلال دراسة المخطوطات، وله إصدارات قيمة وثمينة حققها من خلال المركز الذي يديره بكفاءة عالية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: "روائع الخط العربي" "مفاتيح الكعبة المشرفة" "سيوف رسول الله صلى الله عليه وسلم" "الدولة العثمانية: تاريخ وحضارة" وغيرها من الروائع التي أثرت المكتبة العربية.. ولمعاليه نشاطات تُذكر فتُشكر وتُقدر في ساحات العمل الإسلامي.. فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم لتكريمه، والتعرف على تجربته الفريدة في استلهام التراث في مجال التوثيق والمخطوطات، والفنون، والتاريخ الإسلامي، والاستزادة من فضله وعلمه. |
|
اعتذر معالي الأخ الكريم الدكتور محمد عبده يماني وزير الإعلام الأسبق والمفكر الإسلامي، عن الحضور في آخر لحظة لارتباطه بندوة مسبقة، قال لي الكلمة أقولها على استحياء أنها لن تتكرر بتزامن الاثنينية مع أي كلمة يلقيها بعد الآن لأنه يسعده دائماً أن يلتقيكم كما عوّدكم كل اثنينية، فإن شاء الله نلتقي به في الاثنينية القادمة وأنتم ومعاليه بخير وأرحب مرة أخرى بضيفينا الكريمين وبكم. |
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
|
عريف الحفل: أيها السادة، كما تعلمون فنحن سنفتح باب الحوار مع فارس اثنينية هذا الأسبوع عقب الانتهاء من كلمات المتحدثين وكلمة سعادته، فنرجو ممّن له أسئلة أو استفسارات أن يبعث بها إلينا، وليكن سؤالاً واحداً حتى نتيح الفرصة لأكبر عدد من حضراتكم، بين يدي بيان يوضح بأنه لدينا في هذه الليلة خمسة متحدثين الحقيقة، والسادس طبعاً ستكون قصيدة شعرية، فنرجو ونتكرم كما دائماً يناشد الشيخ عبد المقصود بالاختصار في الكلمات وخاصة هذه الليلة، ليلة البوح كما قال الشيخ عبد المقصود في كلمته، نأمل الاختصار حتى نترك الفرصة لنستمع إلى ضيفنا الكريم. |
|