شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين ))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علماً، وزيّننا بالعقل وزادنا فهماً، وجعلنا في البدء شعوباً وقبائل، وجعل شعث أمتنا من بعدُ بالقرآن أمةً واحدة، والصلاة والسلام على
النبي الأُمي المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد..
 
فإنه لما بلغتني الدعوة الكريمة والسيرة الذاتية معها جواهر الكتب الثمينة، من أخي الأستاذ عبد المقصود خوجه دعوة المشاركة في تكريم قلمٍ فصيحٍ مغربي، ينطق حبره بريح عطر مشرقي هو العالِم الشيخ الدكتور عباس الجراري، وجدتني أتحمس للقاء وأجتهد للمشاركة لدافعين أساسيين، أولهما: ذاتي، وثانيهما: موضوعي، أما ما هو ذاتي محض ما أحسب أنه يجمعني بالشيخ عباس فهو عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، إذ نهلنا معاً من منبعه دون أن تجمعنا ولا تجمعه بنا حلقات الدرس وقاعات المحاضرات، فالشيخ أخذ عن طلبته حين أخذوا عن عميدنا مشعل العلم في جامعة القاهرة، وقد أعدَّ بحث الدكتوراه عن موضوع الأدب المغربي الشعبي (قصيدة الملحون) لسنة 1969، تحت إشراف الدكتور عبد العزيز الأهواني، أما درسي فكان عبر متابعتي لما يصل الجزيرة من كتب العميد، وما تنشره المجلات والصحف فحبانا الله بحضور كلمته أو زيارته للمملكة العربية السعودية، كلماته الشائقة في حفل افتتاح أعمال اللجنة الثقافية لجامعة الدول العربية التي كان يرأسها في يناير عام 1955م.
 
أما الجانب الموضوعي فلأننا نحن أهل الجزيرة أضحينا حِرَاصاً اليوم أكثر من أي وقت مضى على معرفة ما تخطه الأقلام المغربية، لما لمسنا فيها من جِدَةٍ وأصالة، ولأن مجلتنا السعودية (علامات) التي نشرف على تحريرها، قد آلت على نفسها أن تؤسس الجسر الثقافي الواصل بين الجزيرة ومغربنا العربي، مع دعمها للجسر التقليدي بيننا وبين مشرقنا إيماناً بأن أمة الإسلام واحدة والعرب يجمعهم الدين واللسان، ولو قلَّبْنَا صفحات مجلتنا لوجدنا أثراً من آثار الشيخ الفاضل وأسماء لأساتذة أجِلاّء هم أصدقاء نادينا اليوم، كانوا في بداية مشوارهم العلمي يجلسون لحلقات درسه ويأخذون عنه طرقه، ويتحسسون بإرشاده سبله، ومما لاحظنا في كتاباتهم النقدية التي يبعثون بها إلينا تباعاً هو الظفر بموردين هامين في رأينا، الأول قديم والثاني حديث، أما القديم: فهو الفطنة في نبش تراثنا العربي، والوقوع على ما فيه من جواهر المعادن وما به يضمن الاتصال درس الخلف بأرقى ما خطه السلف، أما الحديث: فهو ما كان عبر ظروف الاحتكاك المبكر بالإفرنجة وما ظفرت به اليد من مغانم تخص الأدوات والآليات التي بها ارتقى النقد الأدبي في الضفة الشمالية، يدعمه تحكم إخواننا المغاربة في اللغة التي كانت في زمن غير يسير غازية لتلك الديار وأهلها.
لقد نهجت المدرسة المغربية في الفكر والتاريخ والنقد والثقافة إذاً هي حركة ثابتة باتجاهين هما: التأصيل والتحديث، وبرز أعلام هم رواد مرجع ومَوْئل الباحث العربي في اختصاصاتهم وإن ذكرنا على سبيل المثال لا الحصر، نقول هادي العلوي، عبد الله العروي، محمد عابد الجابري، وعباس الجراري.. إلى آخره، ولكن ما هي رؤى أصحاب هذه المدرسة في الأدب وما مظاهر تميزها؟ لو بحثنا عن الإجابة لدى مفكرنا الدكتور عباس الجراري فإننا نجدها مكتوبة في صفحاته التي لا ندعي الإحاطة بها، إذ حال بيننا وبين ذلك ضخامة المنجز وقصر المدة التي أعدتُ فيها هذه الورقة، حسبنا أن نأخذ بعضاً من علامات ونطرح بعضاً آخر ونثير بعض المشكلات، علَّها تضيء لنا بهذه المناسبة مسارب البحث والدرس، على أننا سنقف حصراً على كتابة الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه.
 
في معرض تناول الدكتور عباس الأدب في المغرب يلحُّ على ربط قضية المنهج بما حرص على تسميته برسالة (الجامعة) فالجامعة تحتلُ أهميتها في نظره من جهة تلبية حاجات الأمة من الأطر كما تقتضي استثمار الطاقات الفكرية لنمو المجتمع، والسير به عن طريق التقدم حتى تصبح جزءاً من تاريخنا الوطني على حد تعبيره، ومحركاً في نفس الآن لهذا التاريخ إن لم تكن صانعة له، وهذا الهاجس نلمسه تقريباً في أغلب الكتابات المغاربية ونُحِسُ أن مَرَده الإيمان بالعمل المؤسسي الذي إن بحثنا عن بواعثه نجدها ضاربة في عمق التاريخ القديم بما حبا الله به البلاد من منارات للعلم والمعرفة في التاريخ الإسلامي، أهمها جامع القرويين، وعقبة بن نافع، تشكِّلُ الوعي المبكر في التاريخ المعاصر بتأسيس جامعات حديثة على النمط الفرنسي.
 
وكانت الجامعة المغاربية لما حظيت به من اهتمام من جهة روادها الأوائل، ونحن نُكَرِّم اليوم علماً من تلكم الصفوة حاضرة في أهم محطات تاريخ المغرب قاطبة، فهي أهم معلم ساهم في بناء المغرب الحديث، يقول الدكتور عباس مساهماً في وضع أهدافها إن من أولوياتها "صياغة فكر جديد ينقل الفكر القديم إلى الأجيال الناشئة بعد تغيير النظر إليه، وإخضاعه لمقاييس النقد العلمي"، وهو إلى ذلك قول يحدد ما سبقت الإشارة إليه، والتنبيه عليه من الجمع بين مساري التأصيل والتحديث.
 
وفي رأيِنَا أن هذا الربط هو امتداد لما ترسخ في الوعي وتجذر عند المغاربة من أهمية هذه المؤسسة في القريب من التاريخ، إنما كان الجامع يعمل على تحفيز -الجامع الذي يتعلم فيه- يعمل على تحفيز الأمة وشحذ عزيمتها بطرد المستعمر الغاصب، أو ما يلحظه المثقف المطلع على ما سعت إليه الجامعة بالنمط الأوروبي في توجيه الرأي عند الفرنسيين في راهن عصرهم وداخل حدودهم، وقد برز فيها ومنهم من ناصر حق شعوب المغرب في التحرير وتقرير مصيرهم.
 
وليسمح لنا الشيخ الدكتور بالخروج قليلاً عن المعهود في مثل هذه المناسبات من وجوب الوقوف حصراً عند الإطراء، إلى إثارة بعض المشكلات التي نحسب أنه سوف يعمُّ نفعها على الباحثين في بلادنا، وهو أن ما يصدمنا في كتابة الشيخ - نحنُ الحجازيين لمثلي يمثلُ جزءاً مهماً من المشرق ليس بموقعنا الجغرافي وهو ما يتعلق بالمركز الثقافي العربي والذي حظيتم بالاطلاع على منجزه، والنهل من معينه، والوقوف على خبايا تراثه من المقارن الفاحص، وعادة الرحالة من طلبة العلم على ما عهدنا في تاريخنا الوقوع على ما تعجز عنه عين المقيم على لحظه واكتشافه، لسريان العادة وتعود الناس على الاطمئنان إلى ما ألِفَتْ، أحصر هذه المسألة في أمرين: الوقفة الأولى: اعتبار الدكتور عباس أن حركة الإحياء والبعث في الشعر العربي سابقة في ربوع المغرب، مع شعراء الصحراء جنوب المغرب وموريتانيا، أما تعودنا نحن نسبة السبق فيه لأهل مصر، وليس هذا فحسب بل إنه اعتبر هذه الأخيرة -أي المغرب- يعتبر مصر أو المشرق عاجزة عن تذوق الشعر القديم ونقده، ووقوفها عند محاكاة الضعيف منه، وهو الشعر العباسي في حين تخلفت عن جيده ومتينه وهو (الشعر الجاهلي والأموي) -(صفحة 182)-، وسوف يجد الباحث ممن انتسب إلى ما يسمى بهوامش الثقافة العربية في كتاب الدكتور عباس من النماذج ما يذهب به إلى مزيد النبش في الموروث المحلي إن لم يكن قد سلَّم بهذه الأسبقية وراح يؤسس عليها تاريخنا الأدبي.
الوقفة الأخرى وهي امتداد للأولى وتعميقاً لها حين يؤسس لتاريخ الشعر التجديد، بِرَدِّ بوادره إلى ما أنجزه شعراء تونس في الثلاثينيات، ولئن سلمنا بثراء تربة المغرب العربي لمثل هذا التجديد، إذ ذهبت من قبل مذهباً بعيداً في شعر الموشحات بحكم قربها من مرابع الأندلس، اتفقنا مع الدكتور عباس في أن يلاحظ ظهور بوادر الشعر الميال إلى التحرر من القيود إلى عروضه في سنوات الثلاثين فإنه يصعب علينا التسليم بأن في هذا ما يشجع على طرح السبق شعراء تونس إلى إبداع الشعر الحر -صفحة 183- لأننا نلاحظ في ديوان (أغاني الحياة) وهو الديوان الفريد لأبي القاسم الشابي رمز التجديد الأول في الشعر المغاربي بلا منازع، نلاحظ ذهابه بعيداً في التنويع في قافية القصيدة الواحدة، لكن لا نرى نموذجاً واحداً يدلل على تخليه عن الوزن والقافية.
يبدو أن النظر من جهة علم النفس لو تعجل قليلاً في الحكم لردَّ مثل هذه الفكرة إلى محاولة المغاربة عبر العصور فيما يسمى (بقتل الأب)، بيد أننا لا نحسب أن الدكتور عباس يذهب هذا المذهب، لأنه لا يوافق على قتل العميد إذ بإثارته لمثل هذه القضايا يُحيي منهج الدكتور طه حسين في ممارسة الشك والفحص، حين يزيح كل مظاهر التسليم بالقناعات الموروثة والقوالب الثائرة على العادة في النقد العربي، ويزيد على ذلك من يختار لنفسه منهجاً يمتاز به عن أستاذه، وهو حصر الدرس في إطار الإقليمية التي تعتمد البنية المحلية ومقوماتها ومؤثراتها في غير غلو، يذهب بالشخصية الذاتية والموهبة الفردية ويذهب بعيداً في ذلك بالدعوة إلى تضييق نطاق الإقليم في الدراسة إلى بيئات صغيرة، وهي دعوة تحدوها الدقة في غير إهمال للإحساس والذوق، وتعمل في النصوص على البسط في الجوانب جميعاً، إن مثل هذا التنوع من الصدمات التي عرضنا ومثل هذه المنهجية التي ألمحنا، ونرجو أن يعذرنا الشيخ إن نحن اختزلناها وهضمنا حقها، إذ يتعذر علينا التوسع فيها لما أشرنا من ضيق زمن الفحص وعجالة الدرس، وطبيعة المناسبة الكريمة لهي كثيرة متعددة في إنتاجات رواد الحقل الثقافي المغربي، وهي في رأينا الباعث على تأسيس مدرسة أضحت كما تعلمون مميزة تجمع التحديث إلى التأصيل في غير نفور ولا غلو.
 
ولا يفوتني أن أشيد بتلك اللفتة الحانية من الضيف الكريم نحو شعبٍ مضطهد مطحون ذلك هو الشعب الفلسطيني، الذي تداعى عليه اليهود وأنصارهم الظالمون ليخرجوه من دياره ظلماً وعدواناً، ولكنه شعبٌ حيّ والأمم الحية لا تموت، وقد خصص له الدكتور جانباً من قراءة الشعر المغربي الذي ساند القضية داعماً له جهاده الباسل ضد العدو الغادر، وهذا الصنيع يؤيده قول الحق وإن هذه أمتكم أمة واحدة ذلك هو شأن الأمة المسلمة في توادها وتراحمها كمثل الجسد الواحد، كما يعلن ذلك من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، ولعلَّ لسان حالنا يردد ما خاطب به الشاعر أمل دنقل الإنسان الفلسطيني: لا تُصالح.. لا تُصالح.. والسلام عليكم ورحمة الله.
عريف الحفل: الحقيقة أن هناك الكثير من القصائد والكلمات الترحيبية بمعالي الضيف، لكن الوقت يمضي بنا سريعاً، لا سيما أن هناك الكثير من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة، لذلك نعتذر بشدة ونختم هذه الكلمات والقصائد بقصيدة للشاعر الأستاذ أحمد سالم باعطب.
 
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :409  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 52 من 85
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء التاسع - رسائل تحية وإشادة بالإصدارات: 2007]

أحاسيس اللظى

[الجزء الثاني: تداعيات الغزو العراقي الغادر: 1990]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج