شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الأستاذ العلاّمة الشيخ حمد الجاسر
يقرؤها نيابة عنه عريف الحفل ))
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أيها الأخوة الأحبة حفزتني هذه المناسبة الكريمة وقد عجزت عن المشاركة بالحضور فيها جسماً، ألا أكون غائباً فكراً وقلباً، إنها مناسبة أثيرة في نفسي، عزيزة عليَّ، فالمحتفِيّ الشهم الوطني المفضال الشيخ عبد المقصود والمحتفَى به الأستاذ السميُّ الصحفي الإذاعي البارز في مجال الثقافة الرحب، وما منهما إلا وله في قلبي منزلة مفعمة بالمحبة والإجلال والتقدير فلا أقلّ من التعبير عن ذلك بكلمة موجزة، لقد كان من توفيق الله للأستاذ عبد المقصود أن منحه من العلم والمعرفة والبسطة في الرزق ما أدرك به أن غاية المرء في هذه الحياة ما يُذكر به من الأعمال الصالحة، وأن أفضلها ما يرفع قدره عند ربه ويعم بها نفعه بين إخوته، ويبقى ذكره الحسن الذي هو عمر المرء الباقي بعده.
ذكرُ الفتى عمرُه الثاني وحاجـتُه
ما قاته وفضولُ العيشِ إشـغـالُ
وإنمـا المـرءُ حـديـثٌ بعـده
فكن حديثـاً حسنـاً لمن وعـى
 
ولقد أدرك الشيخ عبد المقصود أنَّ الخلق كلهم عيال الله فأحب الخلق إلى الله من أحسن إلى عياله، وأن أوجه النفع كثيرة ومتنوعة وأفضلها أعمها نفعاً، وأبقاها أثراً، وأخلدها ذكراً، وأدرك وفقه الله أن العمل في سبيل العلم يجمع تلك الخلال، من هنا اتجه لبذل الوسع للعمل الجاد فيما يتعلق به ليكون صلة وصل بين مثقفي هذه البلاد وبين إخوانهم في مختلف الأقطار الإسلامية الوافدين عليها، وذلك بما يقيمه من ندوات التعارف وبما ينشر من المؤلفات النافعة بحيث أصبح بأفعاله مثالاً ناصعاً، يبرز واجهة مشرقة للثقافة في بلادنا وللتعبير عما يتصف به أهلها من كريم الخلال وحميد الصفات، فقلَّ أن يزور البلاد علمٌ من أعلام الفكر أو الأدب أو غيرهما إلا ويفتح له قلبه مرحباً به داعياً إياه للحضور ندوة تضم الصفوة من المثقفين، ولا يبرز أحد من أبناء بلاده في جانب من جوانب المعرفة إلا سعى للاتصال به ليضفي عليه من برّهِ وتقديرهِ في اثنينيته ما هو جدير به، ولا يعلم بمؤلَّف نافع بحاجة إلى النشر مما يطلع عليه إلا بذل ما يستطيع لذلك بحيث لا يتسع الحديث إلا للتمثيل لا للتحديد عما قام بنشره، لقد كان من بين ما نشر أو في دائرة معارف في موضوعه وهو كتاب (الحضارة الإسلامية في الأندلس) أشمل مؤلَََّف عن تلك البلاد، شارك في تأليفه أربعة وعشرون عالماً غربياً وعربياً فوقع في أكثر من ألف وخمسمائة صفحة، قامت الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي بجمع مواده باللغة الإنجليزية وتولى الأستاذ عبد المقصود جميع تكاليف تعريبه وطبعه ونشره، وكم له من أيادٍ بيضاء في هذه السبل التي قام بها ابتغاء وجه الله مما لا يرضى بالحديث عنها، إلا أن الله سبحانه وتعالى أثنى على المحسنين من عباده مذكراً بأفعالهم ليُقتدى بهم.
وما أحوج الأمة إلى الرجال العاملين الذين يمثلون ما يتصف به أهل هذه البلاد من سمو الأخلاق ليكونوا قدوة حسنة، ثم إنه أدام الله له الفضل والتوفيق شملني بعطفه بدعوتي مراراً لأحظى بتقديره ورعايته في ندوته، ولما لم تمكنني ظروفي من تحقيق الاستجابة اضطراراً لا اختياراً، صار يوالي بُره ببعث ما يقوم بنشره من مطبوعات، أفلا يجب علي أن أعبر ما استطعت عن شكره والاعتراف بفضله، ولا أنسى في مقام الاعتراف بالفضل ما لأبي هذا الوطني المفضال الأستاذ الشيخ محمد سعيد عبد المقصود خوجه (1324 هـ ـ 1360 هـ) من أثر بالأخذ بيدي حين كنت طالباً في المعهد لتسديد اتجاهي في مسيرتي الأدبية، وكان إذ ذاك أنبه الأدباء، وأسماهم خلقاً، وأرفعهم مكانة، وإن أصبح مجهول القدر في عهدنا، لقد كان يتولى الإشراف على تحرير جريدة (أم القرى) وكنت إذ ذاك أحاول البروز كلدَّاتي من الشباب بما أقدمه لتلك الجريدة و(لصوت الحجاز) من كتابات فجة من حقها أن توأد، إلا أن سعيداً -رفع الله في مقام الخلد ذكره- كان يحاول ما أمكن تسديد مسيرتي، فيستقبلني استقبال الموجه المسرور الحريص على أن أستمر في السير في ذلك الطريق، وأذكر من أول ما نُشِر لي في تلك الجريدة نظماً ركيكاً في تهنئة فيصل -رحمه الله- بعيد رمضان مطلعه:
ذات الجمال وفتنة العُبَّاد
من لي بمثلِ قوامكِ الميادِ
 
قد كان سعيدٌ رحمه الله ممن يُسر بتوجيه الشباب لممارسة فن الكتابة حتى برز كثير منهم كالأستاذ عبد الله عمر بالخير.
أما الحديث عن ابني حمد القاضي فقد عرفتُ أبرز صفة فيه تلك التي أحاذرها وأخشى أن تحول بيني وبين التعبير عما أراه مكملاً لما رغبت المشاركة به في هذه المناسبة الكريمة، إنها الصفة التي ليس من المبالغة وصفها بأن بها يتميز الإنسان على غيره بما تضفيه عليه من الخلال الحميدة ويكفيها شرفاً وفضلاً أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم حثّ عليها وعدّها من الإيمان، لقد عرفت بما وصف به الشاعر مُتمِّم بن نويرة أخاه مالكاً الذي خلد ذكره بمراثيه إذ يقول: فتىً كان أحيا من فتاةٍ حَيِيَّة.
وإذن فسأوجز الحديث عنه فلن أتحدث عنه كيف نشأ وتلقى المرحلة الأولى من تعليمه في مدينة عنيزة التي تعد من أول المدن النجدية انفتاحاً على العالم الخارجي وأقواها صلة به ولا عن نيله الشهادة الجامعية من (كلية اللغة العربية) في الرياض، ولا عن اختياره لنيل شهادة التخصص في الأدب والنقد (الماجستير) لشاعر حجازي من أهل القرن الأول الهجري يعد من أطرف الشعراء وهو نصيب بن رباح، وهو من الموالي ولم يعمد لدراسة شاعر من شعراء قبيلته تميم وما أكثرهم، ولن أتحدث عما تولى من الأعمال العامة التي في مجال اختصاصه ولا عما له من مؤلفات كتاب الشيخ (حسن آل الشيخ الإنسان الذي لم يرحل) و(أشرعة للوطن والثقافة) و(مرافئ على ضفاف الكلمة) و(الشاعر نصيب بن رباح حياته وشعره)، وكلها تبرز كثيراً من ملامح مؤلفها الخلقية وتعبِّرُ عن مقدرة لمن تصدى له، ولن أتحدث عن إسهامه في إعداد برامج للتلفاز ومشاركته فيه ببرنامجه المتميز (رحلة الكلمة) ذلك البرنامج الذي يعد بحق من أنجح البرامج، ولكنني سأحصر الحديث في جانب واحد عرفته عنه حق المعرفة خلال مدة تتجاوز عشرين عاماً وما هي بالقصيرة، لقد كنت أقرأ قبلها بعض كتاباته في الصحف مما يعالج به بعض القضايا الاجتماعية معالجة الطيب الحاذق في فنه المتمكن من عمله بحيث يضفي السرور إن لم يستأصل الداء، وأقف له في بعض ما ينشر على ومضاتٍ فكرية في الأدب يستشف منها عمق التفكير وصدق الإحساس.
أما في مجال عمله الصحفي فمن المدرك بداهةً أن الصحافة في بلادنا في أول نشأتها تسير كسير السفن الشراعية في سيرها تنخر بحراً مضطرباً بالأمواج العاتية قبل اكتشاف البواخر ولهذا فهي معرضة لكثير من الأخطار، فالصحفي إذ ذاك إن لم يكن كالربان الماهر الخبير بمسالك ما يجتازه من البحر متّقياً الشعب والمسالك المعرضة للارتطام ومحاذراً شدة العواصف، ومتحرياً الأوقات الملائمة للسير، ومحققاً مع كل ذلك رغبات ركاب السفينة أوشك على الغرق وما أكثر أولئك "ولا ينبئك مثل خبير" وهكذا الصحفي في تلك الأيام إنه كالسائر في مفازة من الأرض لا دليل يرشده ولا صوىً (علامات) يهتدي بها فهي كصحراء أبي الطيب:
يتلوّن الخريت من خوف التوِّى
فيها كما تتلونُ الـــحرباء
 
فإذا كانت هذه حالة "الخرِّيت" الدليل العارف بالطريق فما بالك بالحديث العهد في سلوك تلك المفازة؟ لقد كان موقف "أبي بدر" وقد أمسك بدفة مجلة لها من المكانة لدى الدولة والمنزلة في نفوس مثقفي البلاد وغيرهم ما قلَّ أن تساميها صحيفة أخرى في ذلك، فتمكن من العثار كأقدِر الربابنة الذي يصرف السفينة بمهارة وحذق وحكمة، دون تعثر أو توقف في مدة تزيد على عشرين عاماً وما هي بالقصيرة بالنسبة للعمل الصحفي لحداثة عهد هذه البلاد بالصحافة، التي مارس العمل فيها ممارسة مستفادة وتجارب ناجحة خلال ما كان يُنشرُ له من أبحاث منوعة.
إن أبرز صفة للصحفي المخلص في مهنته الحريص على تحقيق الغاية المتوخاة منها تكمن في أمور أهمها: تقوية الصلة بينه وبين من يمد صحيفته بالمادة الملائمة للغاية التي تسعى الصحيفة لتحقيقها، ثم كسب رغبة أكثر القراء بتقديم ما يتطلعون إليه من قراءة هذه الصحيفة مما يتلاءم مع نهجها محاذراً ما استطاع الانحراف عما أنشئت لأجله ومراعاة ما تجب مراعاته مما يخشى منه من تعثر أو خروج عن النهج المرسوم لسير تلك الصحيفة، لقد كان الأستاذ القاضي طيلة تلك المدة، ولا يزال مثال الصحفي المدرك لكل ذلك ولغيره من متطلبات أعماله الأخرى، ومن هنا فليس من المبالغة القول بأنه حقق من النجاح في عمله حيث أقدم للقيام به بإخلاص وصدق عزيمة، وتجرد من كل غاية لا تخدم المصلحة العامة، فحقق خلال تلك المدة ما لم يحققه غيره منذ صدورها في شهر شعبان 1395هـ، حيث وفُرِ لها من الإمكانات في أول إنشائها ما هو معروف إذ كانت تصدر في بيروت ويتولى الإشراف عليها ورئاسة تحريرها طيلة ستة أعوام الدكتور منير العجلاني من مشاهير مثقفي دمشق.
أيها الأخوة الأحبة: تلك لمحات من جهود ابني في المجال الصحفي ولن أسترسل في الحديث عما أحرزه من نجاح في هذا المجال وغيره من المجالات الثقافية الأخرى فبينكم من هو أعمق مني إدراكاً وأوسع إطلاعاً وأقوى صلة به ومنهم الشهم الوطني المفضال صاحب هذا المنتدى الذي رآه جديراً بالاحتفاء والتكريم الذي أستبيح إفشاء سر من أسراره إذ وصفه في كتاب الدعوة التي وجهها إليه لتكريمه (لقد أطل علينا اسمكم علماً بارزاً وشلال عطاء ينثر الرواء والألق الوردي على فضاءات المعرفة الإنسانية فتنساب الكلمة الصادقة المؤمنة برسالتها وترسو على شواطئ المتلقي نعيماً، ودفئاً وعبقاً، تشكل في مجملها نسمة خلعت رداء الحرور لترطب وجدان أمة أوغلت في طلب العلم وجعلته يرقى لمستوى الفريضة والعبادة)، إنه أمتعه الله بخير ما يسعد به إنسان في هذه الحياة بكلمته هذه التي ينطق عليها المثل المشهور (قطعت جهيزة قول كل خطيب) فاسمحوا لي أيها الأخوة بكلمة موجزة ذات صلة أعمق وأخص بجانب آخر حيث عايشت "أبا بدر" وعرفته عن علم وتجربة في صلاته الخاصة بإخوانه.
لقد كان من صفاته الوفاء ولئن أوضح مؤلَّفه (الشيخ حسن آل الشيخ الإنسان الذي لم يرحل) جانباً من هذا حيث تصدى فيه لإبراز الجانب الإنساني من حياته، وأمامه نواحي أخرى من حياة الشيخ كانت أقوى صلةً به وبمجتمعه، ولكن القاضي نظر فيما اتجه للحديث عنه نظرةَ من أدرك أن الوفاء أقوى أساس ترتكز عليه تصرفات الإنسان الأخرى، وبه تُقاسُ أعماله وبدونه تتضح غاياته، ومن هنا ولأن صفة الوفاء بهذه النظرة الصائبة من الأستاذ القاضي مع ما سبقت الإشارة إليه من أن الحياء أبرز صفاته يتضح أن مفتاح شخصيته هاتان الصفتان الكريمتان، فالوفاء هو التخلق بأنواع الفضائل، وبالحياء يتم الترفع عن جميع الرذائل وبما يستكمل المرء صفة الإنسانية الكاملة، ويحل أسمى منزلة في نفوس إخوانه لصدقه، وعفة لسانه، ووفاءه ومواساته، ونصحه، وتحببه إليهم حتى يصبح كما قال الشاعر:
كأنك من كلٍّ النفوس مركبٌ
فأنتَ إلى كلٍّ الأنامِ حـبيـبُ
أيها الأحبة الأعزاء: ما أوسع مجال القول في هذا المقام إلا أن المناسبة تستلزم الإيجاز فمعذرة وعفواً أيها السادة إن ثمة تطويل ممل أو إيجاز مخل، ختم الله لنا جميعاً بخاتمة السعادة، وتولانا بخير ما يتولى به عباده الصالحين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :632  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 142 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ديوان زكي قنصل

[الاعمال الشعرية الكاملة: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج