شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الأستاذ الدكتور منصور الحازمي
من جامعة الملك سعود ))
الأستاذ الدكتور منصور الحازمي: شكراً جزيلاً، أيها السادة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبتُ رسالة إلى مرزوق بن تنباك أقول: "رسالة" ابتداءً برسائل الصديق العزيز الدكتور مرزوق إلى الوطن كتبها منذ سنوات وفي أوقات ومناسبات متفرقة، أقدمها بعنوان (الظروف الاجتماعية المتغيرة) التي نشرها بمجلة (اليمامة) سنة ألف وثلاثمائة وسبع وتسعين هجرية ألف وتسعمائة وسبع وسبعين ميلادية، ربما كان في ذلك الوقت طالباً أو معيداً في كلية الآداب جامعة الملك سعود لا أدري، ضعفت ذاكرتي ولكنه كان يحس كما أحسسنا نحن الشبان الأكبر سناً منه في ذلك الوقت بخطورة تلك المرحلة التاريخية الزهية التي كنا نمر بها مرحلة الطفرة الاقتصادية والانفتاح على العالم والتكالب على الثروة وسرعة التغير واهتزاز القيم مما تسبب في جعل بعض النفوس الحساسة تشعر بالخوف والقلق ولكن رسائل مرزوق بن تنباك إلى الوطن قد بدأت فيما يبدو منذ أن كان طفلاً في المدينة المنورة، ولم تتوقف حتى الآن وهو على أبواب الشيخوخه في مدينة الرياض، وإذا كان التغير الاجتماعي السريع قد فاجأه في تسعينيات القرن الماضي الهجري سبعينيات القرن الميلادي الحالي فإن قضايا أخرى قد أزعجته فكتب عنها أيضاً وأعلن بشجاعته المعهودة عن "لائاته الستة" سنة ألف وأربعمائة وأربعة عشر هجرية – ألف وتسعمائة وثلاث وتسعين ميلادية لا للخلل الاجتماعي، لا للإقليم الواحد، لا للمدينة الواحدة، لا للقرية، لا لجماعة المصلحة، لا لبؤر التميز والانحياز، هذه اللاءات الستة، كنا نعهدها ثلاث لاءات أظن، وهناك ولا شك لاءات أخرى لم يذكرها الدكتور مرزوق بن تنباك على غلاف كتابه (رسائل إلى الوطن) ومـن أهمها (لاءتان) واضحتان في كتاباته الأولى، لاءٌ للفكر العامي والثانية لاء للحداثة لدول الخليج حين أنجز كتابه الشهير (الفصحى ونظرية الفكر العامي) ولكن اللاء الثانية ظلت حبيسة الإضبارات والأدراج فلم تر النور حتى الآن ولا أظنها ستراه مستقبلاً، كنت أراه يجمع القصاصات والنتف ويخزنها في مكتبه ثم لاحظت نشاطه يخفّ تدريجياً حين انتقل إلينا الدكتور عبد الله الغذامي وأصبح زميلاً لا تجوز مخاصمته، إضافة إلى أن كتاب الغذامي (الخطيئة والتكفير) قد حاز أيضاً على جائزة مكتب التربية للدول الخليج فهذان كتابان يحوزان إذن على نفس الجائزة أحدهما يقول:"لا" وهو محافظ جداً، والثاني يقول:"نعم" وهو متحرر ويدعو إلى الانفتاح والمثاقفة فسبحان من يقدِّر الأمور ويقسِّم الأرزاق! ولكن "نعم" الغذامي هي "لاءٌ" في الحقيقة من نوع آخر، وصديقنا بن تنباك ليس مغلقاً متحجراً كما يروّج أعداؤه وحاسدوه بل وهو رجل يؤمن بالحوار ويقدر الرأي الآخر، وترى ذلك واضحاً في جميع بحوثه ومقالاته وكتبه، لقد وقف معجباً بسعيد السريحي رغم اختلافه معه ودعا إلى الحوار معه بدلاً من التشنج والإدانة والرفض، ورغم اختلافه مع مشجعي الفلكلور والشعر النبطي إلا أنه يعلن دوماً عن حبّه لهم ويحاول إقناعهم بأنه لم يفكر أبداً في الوقوف أمام الإبداع العامي، ولكنه ضد تشجيعه ونشره في وسائل الإعلام المختلفة لأن ذلك يؤدي إلى إهمال الفصحى لغة القرآن، ولغة التراث، ولغة الشعوب العربية في كل مكان، لقد احتفلنا في جامعة الملك سعود بفوز الدكتور مرزوق بن تنباك بجائزة مكتب التربية وكانت مئة ألفٍ، مئة ألف ريال بالوفاء والتمام، وذلك مساء يوم الأحد الموافق العاشر من ربيع الأول سنة ألف وأربعمائة وسبع وثمانية هجرية، الموافق الأول من نوفمبر عام ألف وتسعمائة وسبع وثمانين، قلت له في تلك الليلة وقد لاحظت أنه رغم قضائه فترة طويلة في اسكتلندا إلا أنه لا يزال محتفظاً بطباعه الأصيلة وشخصيته المميزة، كيف استطعت يا مرزوق أن تفلت من براثن الحضارة؟ كيف استطاع لسانك الاحتفاظ بنبرته البدوية الصارمة؟ وقلبك يا مرزوق لم يتحرك؟ لم ينبض؟ لم تصب بصدمة الحضارة بعد أن حصنت رأسك وقلبك ولسانك؟ ألم يكن من الأفضل لو حررت منها واحداً على الأقل؟ لا، لقد ولّى زمان الانبهار وأتى زمان الصحوة، ومرزوق يقرأ الإنجليزية ويكتبها ويتحدثها، ولكنني لم أسمع منه قط كلمة إنجليزية واحدة، إنه يعتز بعروبته وانتمائه، يعرف كثرة الأعداء الذين يتربصون بالعروبة والإسلام فيزمع على الدفاع والتصدي، وفي الخندق كثيرون يذودون ويصدون وجيوش التتار والصليبيين واليهود موجات متدافعة تأخذهم من كل جانب، ومرزوق في خندقه مع الآخرين يدافع ويدافعون عن جبهة مهمة قديمة اسمها الفصحى، قلت له: إن فوز الفصحى يا مرزوق فوز ولا شك لقسم اللغة العربية، لقسمِنا، فنحن المدافعون عن هذه اللغة العظيمة، أبلينا فيها بلاءً حسناً، ندرسها نحواً وصرفاً، وأدباً، ونقداً وتعبيراً، وبلاغة، لم نترك جانباً منها إلا وقتلناه بحثاً وتمحيصاً، لم نترك شاردةً ولا واردةً إلا أحصيناها، أحيينا قديمها وصبرنا على رثها ومهملها وحوشيها، والأهم من ذلك كله أننا صبرنا ولا نزال على الكثيرين من طلابها الذين لم يطلبوها، وزهقت الأرواح من امتلاء الفصول بالأنفاس المحشرجة والعيون الذابلة والأفواه المتثائبة وامتداد الأعناق المتطلعة دوماً إلى ساعة الخلاص، ألا ترى يا مرزوق أنه من العدل أن توزِّع قيمة الجائزة على إخوانك المناضلين؟ وابتسم بخبث وقال: أما المئة فلم يبق منها شيء ولكنني سأناضل معكم، سأرتحل هذه المرة إلى المحيط، وماذا ستفعل في المحيط؟ قال: ألسنا أمة تقع بين الخليج والمحيط وكلاهما خطر، اللهجات في الخليج واللسانات في المحيط، وأدركت نواياه فأشفقت عليه من التهور والغرق في بحر الظلمات؛ وقلت بحزم مستخدماً لهجة الرئيس أما هذه المرة فلن ندعك تذهب وحيداً، لا بد من تكوين لجنة نطلق عليها لجنة البحث في الحداثة واللسانيات، وأنت تعلم أن قسم اللغة العربية لا يعمل إلا من خلال اللجان، واللجان كما تعلم أكثر ديمقراطيةً وأقرب إلى روح العصر، فإذا لم تحبذ فكرة اللجان فلماذا لا نسميها فريق عمل (تيم ويرك). وأدرك أنني إنما أفكر في توزيع قيمة الجائزة المقبلة فسكت ولم يجب، والغريب أن بدايات قرننا الهجري الحالي الثمانينيات الميلادية قد شهدت في بلادنا معركتين رئيسيتين روجت لهما صحافتنا المحلية إلى حد الاشتغال إحداهما معركة الحداثة، والثانية معركة الشعر العامي، ويبدو أن تيار الأدب الإسلامي الذي ظهر أيضاً في ذلك الوقت كان يؤدي مهمة الدفاع عن الحِمَى والمحرمات ولكن الحداثة كانت هي العدو الأول، أما الفلكلور أو الشعر العامي فلم يكن على تلك الدرجة من الخطورة بل إن الكثير من أنصار الأدب الإسلامي هم من المتحمسين للشعر النبطي والمدافعين عنه فمن أي الفئات نسلك مرزوقنا هذا الذي نحتفل به هذه الليلة؟ قلت إنني شاهدته بأم عينيّ في أواخر الثمانينات وهو يشمِّر ساعديه ويكشِّر عن أنيابه ويتحفز للوثوب على الحداثة؛ ولكن الحداثة هي التي انتقلت في الحقيقة إلى قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود، وأخذت تخطط بأساليبها البرَّاقة واستراتيجياتها المرسومة للانقضاض على قلاع الرجعية في القسم العتيق، وشهدنا نحن عواجيز القسم مجموعة من المتغيرات التي تدل على انتصار هذا الوافد الجديد خلال العقد الحالي، ومن ضمن تلك المتغيرات استقطاب الكثيرين من أساتذة الحداثة في العالم العربي، وتغيّر بعض المحافظين من أساتذتنا ودخولهم ولو شكلياً في التيار الجديد وذلك خوفاً فيما يبدو من التلاشي والاندثار، وقرأنا في كتاباتهم أمشاجاً من معجم الحداثيين مثل النص والجسد والتلقي والمماهاة والمحايفة والتموضع والتمترس إلى آخره. فماذا يقول صديقنا مرزوق بن تنباك؟ نسيت أن أقول لكم أن هذا الرجل المحتفى به والذي "يتموضع" أمامكم هذه الليلة شيخاً وقوراً قد كان في بداية التسعينيات الهجرية السبعينيات الميلادية "يتموضع" أمامي في بعض حجرات كلية الآداب العتيقة بالملز بالرياض طالباً مجداً ومشاغباً في قسم اللغة العربية، ثلاثة عقود مرت علينا وعلى بلادنا الحبيبة ملأى بالإنجازات والأحداث والمتغيرات وإنني لفخور أن أشهد معكم هذه الليلة تكريم هذا النبت الطيب الذي خرج من بلادي "مسروح" الطيّبة العريقة ليلتحم بكل مساريح وأفنان وطننا الكبير الحبيب الطيب فتهاني له من الأعماق والشكر أيضاً لصاحب المبادرات وصديق العلماء والأدباء الشيخ عبد المقصود خوجه على كل ما قدمه لنا من كرامة وحفاوة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1071  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 17 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج