شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه ))
بسم الله الرحمن الرحيم، أحمدك اللَّهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلي على خير خلقك وحبيبك وصفيك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأساتذة الأكارم، الأحبة الأفاضل، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بالخير والمسرات، مرة أخرى نجتمع لنحتفي بأستاذ كبير من كوكبة علمائنا الأفاضل الذين ساهموا في نهضة جامعة الملك سعود خاصة، والتعليم بصفة عامة، إذ نسعد اليوم بتكريم الأستاذ الجامعي والناقد الأدبي المعروف الأستاذ الدكتور مرزوق بن صنيتان بن تنباك، فمرحباً به وبصحبه الكرام الأساتذة، الدكاترة، منصور الحازمي، وعوض بن حمد القوزي، وحمزة المزيني، وعايض الردادي، وأحمد الزيلعي، ومحمد عيد الخطراوي، الذين تجشموا عناء السفر، تكريماً للكلمة، وتشريفاً لهذه الأمسية، سائلين الله سبحانه وتعالى أن يثيبَهم قَدْرَ سعيهم جزاء مشكوراً.
أحسب أن هذه الأمسية من الأمسيات القلائل التي نحتفي من خلالها بالنقد ممثلاً في شخص فارسها، ذلك أن كثيراً من الناس ينظرون إلى النقد بشيء من التخوف باعتبار أنه سلاح ذو حدين قد يصيب وقد يخطئ، كما أنه مدعاة لإثارة الضغائن بين الناقد والمبدع إذا صح التعبير، وفي تصوّري أنّ هذه النظرة تجنح إلى شيء من التطرف ويعوزها السند العلمي، لأن النقد لغة تعني تمييز الجيد من الرديء يقال نقد الدراهم وغيرها أي ميّزها ليعرف جيدها من رديئها، ثم انسحب اللفظ ليشكل مصطلحاً علمياً ذا خطر كبير، وتفرّع منه النقد الأدبي، والنقد الفني والنقد الرياضي الخ... وأصبح لكل تخصص أصوله ومدارسه المتعاقبة، ولعلَّ أقدمها والذي يعنينا في هذه الأمسية - النقد الأدبي، الذي عرفه الأدباء منذ العهد اليوناني كما امتازت المكتبة العربية بثرائها الكبير في هذا الجانب منذ أواخر العهد الجاهلي وصدر الإسلام، وكان معظم الصحابة وكلهم تلاميذ المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، من أتم الناس معرفةً باللغة وأبعدهم عن اللحن، ثم توسعت فيه كثيراً في العهدين الأموي والعباسي، ونبغ في ذلك أعلام كبار من رواد النقد الأدبي. وإمامهم الجاحظ وعبد الحميد الكاتب والأسماء كُثْر، ولا شك أن عطاء هؤلاء الرواد وغيرهم في مختلف أنحاء الوطن العربي ومن تلاهم ما كان ليقف على أرض راسخة لولا وجود النقد الأدبي الذي يضع المعايير الدقيقة لتشريح النص وتبيان معالم الجمال والكمـال فيـه، أو توضيح مثالب التراكيب اعتماداً على الموروث اللغوي الكبير في هذا الشأن، والذي بدأ من موسيقى اللغة التي يعرفها العربي بالسليقة في باديته، ثم حافظ عليها النقاد حتى اليوم بقدر المستطاع لتفادي مزالق العامية والوقوع في براثن الانحراف عن جادة اللغة وما يترتب على ذلك من ضياعها تدريجياً، وبالتالي اندثار التعاليم الإسلامية السمحة التي تعتمد على اللغة كآلة يجب إتقان التعامل بها قبل كل شيء، ونحمد لضيفنا الكبير غيرته المتناهية على جزالة اللغة العربية وأصالتها كيف لا؟ وهو ابن البادية الذي رضع حلاوة اللغة وموسيقاها من بادية المدينة المنورة الطاهرة، ومِنْ ثَمَّ شب على هواها وشحذ همته للذود عنها، ومازال منافحاً ومجاهداً بل ومقاتلاً في سبيل نصرتها وما كتابه القيم "الفصحى ونظرية الفكر العامي" الذي نال به جائزة مكتب التربية العربي لدول الخليج لعام 1406هـ – 1407هـ إلا شاهد على ذلك.
وفي هذا المنحنى نلاحظ أن الإبداع في مجال النثر قد اتجه مؤخراً نحو الكتابة الصحفية التي لم تهبط بكاملها لدرك العامية، ولكنها في المقابل لم ترتفع لمستوى الأسلوب الجمالي الذي ميز عطاء الفطاحل الذين سبقت الإشارة إليهم أو إلى بعضهم بالأصح، لأنني حذفت كثيراً من الأسماء وأحسب أن العذر في ذلك يرجع إلى تكاثر المواد المطروحة على بساط البحث، وتزاحم الخبر والصورة على وقت المتلقي الذي لم يعد ذلك الإنسان الهادئ الذي نشد الراحة بين دفتي كتاب وقد استغل بعض ذوي الغرض هذه الثغرة لينفذوا منها إلى مَقْتلٍ في جسم اللغة العربية فحاولوا ومازالت محاولاتهم تترى لدفع العامية حتى تكون هي أساس التخاطب والتبادل المعرفي بين العرب بحجة أنها الأسهل في التعامل والفهم وعدم التقيد بصرامة النحو والصرف ومن البدهى أنها كلمة حق أريد بها باطل، فكل ما يرمون إليه على المدى البعيد هدم الأساس الوحيد الذي مازال يوحّد الأمة العربية والإسلامية فمتى ما تحقق لهم ذلك الهدف أمكن بالتالي تقسيم اللغة وتفريخ اللهجات المحلية لتفرح كل دولة بلهجتها، ثم تفاخر كل قبيلة بمفرداتها وتراكيبها الخاصة وينصرف الناس عن الهم العام إلى الهم الخاص. ويتشتت الجهد فيما لا طائل أو فائدة من وراثة إننا حينما نكرم ضيفنا الكبير فإننا نحيي فيه غيرته على لغة القـرآن الكريـم وتصديـه لحملات التشويه التي يبثها دعاة التغريب بين لحظة وأخرى، متمترسين بقوى مشبوهة ذات إمكانات عالية تستطيع أن تغزو الفضاء، وتجفف منابع اللغة وتصرف الشباب بدأب كبير نحو العامية وفق خطة مدروسة أخشى ما أخشاه أن تثمر علقماً وتلد مسخاً، لذا يجب إعادة النظر بشكل أكثر إسراعاً وبمشاركة المسؤولين عن المتلِّقي لإحداث نقلة نوعية في مناهجنا الدراسية، وصياغتها بما يتفق والعالم الرحب الذي يحيط بنا وغريب أننا لا نبصر حزم الأضواء المشبوهة التي تكاد أن تفقدنا البصائر قبل الإبصار بصورها الرقمية وأصواتها الدافئة؛ وألوانها الصارخة التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب؛ أرجو المعذرة أيها الأحبة فهذه الصرخة كان لا بد أن تنطلق أمام هذا الجمع الكريم من خير رجالات العلم والتعليم في بلادنا الغالية ومنهم ضيفنا الكريم وصحبه الكرام.
ضيفنا جمع عضوية عدة لجان هامة منها: لجنة ضعف الطلاب في اللغة العربية، ولجنة وضع مناهج دراسية للرئاسة العامة للبنات، ولجنة وضع مناهج دراسية لوزارة المعارف، عسى أن نجد لديهم الحل والمخرج من الأزمة التي تضيق حلقاتها يوماً بعد يوم.
وقبل أن أختتم كلمتي أرجو أن نترحّم على فقيد العلم العلامة الفاضل الشيخ ناصر الدين الألباني الذي اختاره الله إلى جواره، كما نترحم على صديقنا وأستاذنا السيد معتوق حسنين الذي كان من الرعيل الأول الذي ساهم بالحضور والمشاركة في فعاليات الاثنينية رحمهما الله رحمة واسعة وأسكنهما فسيح جناته.
أتمنى لكم أمسية تجمع بين الفائدة والمتعة وعلى أمل أن نلتقي الاثنينية القادمة على شرف الشاعر الأستاذ عبد الرحمن العبد الكريم، مؤكداً لكم أن تشريفكم تكريم لنا وليست هناك رقاع دعوة؛ فأهلاً وسهلاً بمحّبي الحرف والمتعاملين مع الكلمة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1301  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 15 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثامن - في مرآة الشعر العربي - قصائد ألقيت في حفل التكريم: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج