شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الرائد الدكتور عباس طاشكندي وكلمة للتاريخ
في بداية التسعينيات الهجرية كنت وصديقي الدكتور عبدالله محمد المختار، والده أحد علماء المسجد النبوي الشريف، وحلقته في علم الحديث مشهودة آنذاك، كنت وإياه نقضي الوقت بين الصلوات في مكتبة عارف حكمت والتي أوقفها شيخ الإسلام في عصره على الحرم النبوي الشريف، وللتاريخ فإن حاكم المدينة العسكري في أواخر العهد العثماني -فخري باشا-، طلب من ابنة الشيخ عارف حكمت في أن يأذن لها بنقل المكتبة إلى اسطنبول، مع جملة أشياء نقلها قبل الحصار والمجاعة التي تعرضت لها مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وعرفت بمأساة "سفر برلك" ولكن السيدة الفاضلة رفضت ذلك، ومع هذا فلقد نقلها فخري حتى وصلت إلى الشام ثم أعادها الشريف عبدالله بن الحسين للمدينة المنورة.
كان يؤم المكتبة شاب في مقتبل العمر يدوّن في أوراقه معلومات عن المكتبة التي تحوي عددًا كبيرًا من المخطوطات، ولم يكن ذلك الشاب الطموح والجاد، إلا أستاذنا الدكتور عباس طاشكندي والذي كان يحضر للدكتوراه في علم المكتبات.
عاد الدكتور عباس ليساهم مع زملاء له في بناء جامعة الملك عبدالعزيز وهو أستاذ للعديد من أعضاء هيئة التدريس في قسم المكتبات بكلية الآداب التي أشرف على مجلتها العلمية لفترات عديدة من تاريخ هذه المجلة العريقة، وأسندت إليه عمادة شؤون المكتبات لسنوات عدة وذلك خلال حقبة مديري الجامعة الكرام، وأصحاب المعالي الدكاترة أسامة شبكشي وغازي مدني وأسامة الطيب، كما أسهم في خدمة الجامعة من خلال عمله بالمجلس العلمي للجامعة وخصوصًا في رئاسة لجنة الترقيات بها وكان مثالاً في تعامله مع زملائه فأنت لا تسمع منه إلا كلمة طيبة، ولا ترى منه إلا وجهًا مضيئًا ومشرقًا.
وعندما أسندت وزارة الحج لمعالي الإنسان المهذب الدكتور محمود محمد سفر، وتشرفت بالعمل معه مستشارًا وجدت أمامي رجلين فاضلين هما الدكتور مدني علاقي والدكتور عباس طاشكندي وعملت معهما في بعض اللجان التي شكلها معالي الدكتور سفر لمتابعة بعض القضايا الفكرية والثقافية، وخصوصًا تلك المتعلقة بمجلة الحج والتي نهض بها في ما بعد الابن السيد الأديب حسين بافقيه، وأضحت تزاحم المجلات الأخرى من ناحية المضمون والإخراج معًا، ثم وجدته أمامي في المجلس العلمي لموسوعة مكة والمدينة التابعة لدار الفرقان والتي يرأس مجلس إدارتها معالي المفكر السيد أحمد زكي يماني، والذي نذر نفسه لخدمة التراث الإسلامي عامة وتراث مكة والمدينة خاصة، وتحقق له من خلال هذه الدار وكذلك من خلال جائزة شاعر مكة السيد محمد حسن فقي رحمه الله وغيرهما ما كان يصبو إليه منذ نشأته الأولى في البلد الحرام وهو المساهمة في نشر العلم النافع وذلك امتدادًا للدور الذي قام به أجداده وآباؤه في الحرم المكي الشريف، وكان فضيلة الشيخ سعيد يماني وابنه فضيلة الشيخ حسن يماني أصحاب الفتوى في المذهب الشافعي، ولقد حدثني شيخنا إبراهيم الابن أحد بقية تلاميذ السيد حسن يماني، أنه عندما كان يتلقى العلم في الحرم المكي الشريف في حقبة السبعينيات الهجرية، وكانت حلقة فضيلة السيد علوي المالكي غير بعيدة عن حلقة السيد حسن يماني، فإذا ما سئل السيد علوي سؤالاً في علم الحديث طلب من السائل أدبًا، أن يلقيه على السيد حسن وكان من تلاميذ السيد حسن يماني شيخنا في علم النحو المرحوم عبدالله دردوم وكذلك فضيلة السيد محمد علوي المالكي الحسني -رحمهم الله جميعًا-، ولقد أخبرني السيد محمد المالكي قبل سنوات انه انتهى من جمع مادة أسانيد السيد حسن يماني في علم الحديث، ومعلوم عن السيد حسن ومشايخنا أمثال عمر بن حمدان المحرسي، وحسن المشّاط، ومحمد ياسين القاداني، أنهم من أصحاب الأسانيد العالية في هذا العلم الذي رسم من خلاله المسلمون الأوائل معالم المنهج العلمي، ولهذا قال أحد المستشرقين (إن أضعف رواية في علم الحديث الإسلامي هي أقوى من أي رواية أخرى عند الأمم الأخرى)، وأثر علم الحديث في علوم السيرة والتاريخ ولهذا كان يهتم طلاب العلم بالمصدر الذي يتلقون عنه العلم مباشرة ولا يأخذون إلا ممن يثقون في صدقه وسلوكه وورعه وتقواه.
ويروي العبد الفقير إلى الله الكثير من تلك السلوكيات الرفيعة التي طبعت سلوك مشايخنا في الحرمين الشريفين وكانت دليلاً على سعة الأفق، ورحابة الصدر وعفة اللسان وهي ما يفترض أن تكون مثالاً لطلاب العلم في هذه الحقبة الصعبة من حياة الأمة الإسلامية، وأن الحاجة ماسة بأن يتكاتف أفراد هذه الأمة على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم، فإنه ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم، وما يختلفون فيه قليل بالنسبة لأهل الديانات الأخرى والذين نجدهم يجتمعون حتى على ذلك القليل في توجهاتهم وتصوراتهم ويضعون ما يختلفون فيه وخصوصًا في الأوقات الصعبة خلف ظهورهم.
واستطاع الدكتور عباس بدعم مؤسس هذا التيار السيد أحمد زكي يماني، وبمؤازرة عدد من الأساتذة الكرام وفي مقدمتهم فضيلة أستاذنا الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان أن يحقق حلم المهتمين بتاريخ وتراث بيت الله الحرام ومثوى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد ذكرت من قبل أن الحفاظ على تاريخ هاتين البلدتين الطاهرتين هو حفاظ على تاريخ الإسلام وصون لروحه وجوهره وأن يدفع بهذا العمل الموسوعي خطوات مدروسة سوف تقطف ثمارها الأجيال الناشئة التي يفترض أن تعرف شيئًا عن مسيرة ونضال من مهدوا دروب العلم والمعرفة وغذوه بتوقهم لعالم مسكون بالحب والفضيلة والوفاء.
إن الرجل الذي خدم الكتاب بجامعة الملك عبدالعزيز ومكتبة الملك فهد الوطنية، وأخرج العديد من المؤلفات القيّمة عن صناعة الكتاب، لجدير بعد أن ترجّل من مشواره العلمي والحافل بجامعة الملك عبدالعزيز أن يكرّم وخصوصًا من كلية الآداب التي نتشرف بالانتماء إليها. وإنني لأكتب هذه الكلمة من ديار الغربة وإنما يطوي الناس من خلال الحرف كثيرًا من مسافات هذا الكون الشاسع، وأن الحرف يكون أكثر إضاءة عندما يكون دافعه الوفاء لمن حملوا راية العلم في هدوء وصبر وسكينة، وأزعم أن الرائد عباس طاشكندي هو واحد من هؤلاء الذين عرفت وخالطت وزاملت في مسيرة تمتد لما يقرب من ثلاثين عامًا وأكثر..
 
 
طباعة
 القراءات :429  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 34 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الأول - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (1): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج