لقد نَسِيَ العهدَ الذي كان لا يُنْسَى |
فَتًى باتَ لا يبكي عليه ولا يأْسَى |
وما جَلَدٌ أنْساهُ عهداً مُحَبَّبا |
ولكنَّهُ همٌ على قلبهِ أرْسَى |
كأنَّ الأفاعي جُثَّمُ في طريقِهِ |
إذا ما مشى أو رُصَّدٌ كلّما أمْسَى |
فتاةٌ يَرفُّ الحُسْنُ في قَسَماتِها |
فَتَبْدُو به بدراً وتَطْلَعُهُ شَمْسا |
وما البدرُ والشمسُ اللذان نراهما |
سوى من عَشِقْنا واسْتَطَبْنا به الأنْسا |
يُذَكّرُنا منه ومنها سَنَاهُما |
أفاويقَ وصلٍ أو كؤوسَ هوىً تُحْسَى |
لقد مُدَّ حبلُ الوُدِّ بينهما مَدىً |
فَقَرَّ بها عيناً وطابَ بها نفسا |
تَمَتَّعَ منها ثم ألْقى رَمِيمِهَا |
إلى الرَّمْسِ أحْبِبْ بالذي سَكَنَ الرَّمْسا
(2)
|
وكيف يذودُ الموتَ عنها، وإنّه |
لمُرْتَقِبٌ يوماً يُماثِلُهُ نَحْسا |
فيَالَكَ من حَوْلَيْنِ حُلْوَيْنِ كالمُنى |
وكالفجرِ تندى أعطافهُ وَرْسا |
غفا زمَني فيها كإغفاء مُجْهَدٍ |
فأمْسَتْ حَوَاشيهِ مُنَضَّرَةً مَلْسا
(3)
|
ولمّا صحا كان ادِّكاري وصَبْوَتي |
وحُبِّي خيالاً لستُ أُثْبِتُهُ حَدْسا |
* * * |
أأَيَّتُها المُلْقاةُ في قاعِ حُفْرَةٍ |
من الأرضِ لا تُبْدي لمُسْتَمِعٍ جَرْسا |
كِلِيني لِهَمِّي، قد خلوتُ من الهوى |
تقاضَيتُ في اسْتِبْدَالِهِ الثَّمَنَ البَخْسا |
وأدتُ شبابي وهْوَ في أوجِ رَوْقِهِ |
وأسْلَسْتُ من غُلْوَائِهِ النُّفُرَ الشُّمْسا
(4)
|
تَشَبَّثْتُ بالسّلوى وكنتُ أذِيمُها |
فقد طَمَسَتْ بيني وبين الهوى طَمْسا |
فبِي من همومِ العيشِ ما قد يَذُودُني |
ويُشغل عنه الذّهنَ والقلبَ والحِسا |
عَدَتْني عن الذِّكرى همومي وأغْلَقَتْ |
منافذَ من سمعي لِمَنْ لَجَّ بي هَمْسا |
وما ينفعُ الجسمَ المُرِمَّ بِقَبْرِهِ |
وفاءٌ ولا يَسْتَشْعِر السَّعْدَ والتَّعْسا |
وفيُّ الهوى، أو من يخونُ، كلاهما |
إلى غايةٍ، ذاقا النّعيمَ أو البُؤسا |
فإن كان غَرْسي صَوَّحَتْ زَهَراتُهُ |
فإني لمُعْتاضٌ بأمثالِهِ غَرْسا |
* * * |
أكنتُ أميناً؟ أين منّي أمانةٌ؟ |
خَؤوناً؟ فإنّي لم أخنْ زمناً خَلْسا
(5)
|
مضى كالرّؤى تَسْتَغْرق الطَّرْفَ لحظةً |
وتُقْصي النَّوَى إمّا تَقَرَّيْتُها لَمْسا
(6)
|
لقد كان عهداً كلُّ عَهْدِ مَنَاحةٍ |
بجانب عَهْدٍ بَزَّ في طِيبهِ العُرْسا |
خُذيني على العلاّتِ -صاحبتي- فلو |
وَفَيْتِ إذنْ لازْدَدْتُ في صَبْوَتي مَسا |
لقد كان ذاك العيشُ مَغْنَى صَبابةٍ |
فَوَلَّيْتُ عنه ثم غادَرْتُهُ دَرْسا |