ابتسامات الأيام في انتصارات الإمام
(1)
|
يجمع ابن بليهد
(2)
بين استفاضة الرواية وعمق الدراية في الأدب النبطي المعاصر.. وهو كذلك شخصية فكهة ظريفة، وله مشاركة صالحة في الأدب العربي الفصيح -القديم منه فقط- وخبرته جيدة بالأماكن التاريخية والقبائل العربية، واستقصاؤه عنها يتسم بالدقة، زد على هذا أنه شاعر نبطي جزل العبارة -أحياناً- سلسها أحياناً أخرى، على أنه ذو روح بينة الطابع في ما ينظمه.. وهو يمدح ويتغزل، ويتفكه في شعره النبطي على قسط حسن. |
هذه صورة قد تكون مقاربة لابن بليهد المؤلف، ونسينا أن نقول إنه من بني خالد، وهي قبيلة عربية صميمة ذات مروءة وحفاظ. |
فأما الكتاب.. فالواقع أنه كتاب جيد، إنه ديوانه بالفصحى والنبطي، وقد استأثر القسم الأول بالفصحى، أما القسم الثاني فهو للنبطي، ولعل الأخير أجود القسمين!
(3)
. |
شعر ابن بليهد بالفصحى له مدى محدود، وغناؤه في الشعر العربي الفصيح ضئيل، وليس فيه ما يستحق أن يؤبه له أو يمعن فيه النظر. |
فأما ابن بليهد الشاعر النبطي فله شأن آخر.. إنه شاعر فحل كريم المعاني جزل الديباجة، ثم إنه -فوق ذلك- نقادة في هذا الشعر مصقول الذوق جيد الاختيار، وهو يقوم في ذلك مقام البارودي في اختياره للشعر القديم. |
إذاً يجب أن نغمض العين التي أبصرنا بها شعره الفصيح، وننظر إلى شعره النبطي، فإنه لعمري شعر يستحق أن ينظر إليه بكل احتفال واعتبار. |
ونجعل قيد النظر مقدماته وتراجمه لكل من جلالة الملك وأولاده أصحاب السمو، فسنرى عندئذ أنه سوعد مساعدة بينة على هذا النثر الجزل الجيد، ولكن ما علينا! |
إن ابن بليهد كما أسلفنا شاعر نبطي مفلّق، واختياره في نفس الشعر لمن ترجم يتسم بالسلامة والكياسة. |
إني أرى أن أجمل قصائده النبطية وأروعها هي التي يقول في مطلعها: |
عسى السحاب اللي ورا النير له ضُوح |
لا رنّ رعاده وهبت له الريح
(4)
|
|
وهي في أول صفحة 308، ولا ينفي أن في بقية قصائده من البيان وفرائد المعاني ما يرقص ويطرب. |
وحلاوة روح ابن بليهد تتجلى في عدة نكات وسخريات يسوقها عفواً في خلال شعره؛ تأمل مثلاً مقارنته بين سيارة سلطان وسيارته في صفحة 286-287
(5)
. |
وتأمل قوله أيضاً في سلطان بين صفحتي 293-294
(6)
. |
أما في صفحة 300 فقد أجاد في نهاية قصيدته التي تبدأ من أول الصفحة، وكانت روحه في النكتة والمفارقة واضحة الحلاوة والطلاوة
(7)
. |
وقصائده في حصانه ووصفه له وحرصه عليه من أمثل الشعر وأجمله
(8)
. |
ويبقي بعد ذلك تراجمه لكل من حميدان الشويعر ومحسن الهزاني وابن لعبون والقاضي وابن سبيّل وتركي بن حميد.. وهي تراجم واختيار لهم من أشعارهم في غاية الإبداع -على إيجازها!
(9)
. |
وقد كنت أود لو ترجم واختار لأمثال ابن زريبان
(10)
الذي عاصر ابن سبيّل وساجله، ولمثل مخلد القثامي ودغيّم وعبيد ابن رشيد ومطوع نفي
(11)
، وإن أبا عبد الله على ذلك لقدير خبير لو أنه شاء، ولعل له عذراً
(12)
على أن المعنى -كما يقولون- في بطن الشاعر. |
|