شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أقصوصة لها ذيول.. قد تقصر وقد تطول (1) (1)
تقلب "خليد" في فراشه، وفرك عينيه، وعندما نظر إلى ساعة الحائط التي تواجهه وجد أنه على موعد مع الصبح. كان النور في غرفته ضئيلاً، وفتح النافذة الشرقية فانساب تيار من الهواء البارد أشعره بهترة من الخصر في أطرافه، وأحس بروحه، وكأنها تتماوج في شرايينه مع النسيم الوافد من الجبل الذي تتدلى ذوائب الثلج من قمته في لون الحليب الممزوج بقليل من الشاي.
وكان مولعاً بنفسه، كثير التحدث إليها.. والنقاش معها منذ أن هجر الناس قبل أن يبدأوه بهجرانهم ولم يكن أبداً مستوحشاً، ولا ضاق ذرعه بذلك.
- أين كنت البارحة يا خليد؟ قالها لنفسه، وأخذ ينصت إلى الجواب، وهو جواب كان قد تسلف معرفته من قبل، لكن نفسه كانت عنه مشغولة بنفس أخرى..
انتصب جبل الأرز أمامه عملاقاً معمماً بثلوجه كأنه من "مهاراجات" الهنود إلى زمن قريب.. ما كان ينقصه إلاّ السيف بحمائله والأوسمة البريطانية.
لم تجب نفس "خليد".. لقد كانت في محاورة مع النفس الأخرى، محاورة نامت معها منذ أوت إلى الفراش وسفعت ناصيتها بتهاويل من الأحلام أتت على شكل زوج من الدجاج غير مؤتلف.. وبطة منفردة والشطر الأعلى من ثوب نسائي في لون طحلبي قاتم.
- لم تقل لي يا خليد أين كنت البارحة؟
أعاد هذا السؤال على نفسه بإلحاح يشبه التوسل. كانت نفس خليد تمعن في التفكير، وطرائق التفكير تختلف باختلاف أربابها.. فالجائع والظامئ يفكر ببطنه، والذي يتوقع نبأ مفرحاً يفكر بأذنه، والمتيم بطرائف الجمال يفكر بعينه.. ولكنَّ هناك أناساً آخرين وكثيرين أيضاً لا يفكرون إلاّ عن طريق جيوبهم، وما هو أقصر سبيل إلى ملئها واكتظاظها. أما خليد المسكين فقد كان يفكر بقلبه.. أجل أصبح قلبه الآن مثل "الإسفنجة" امتلأت من ماء البحر، وهو اليوم يفكر كيف يمكنه اعتصارها وإفراغها إلى النهاية، حتى إذا عادت إلى وزنها الحقيقي.. نفخها فطارت، وعاد بلا قلب.
وكان جبل الأرز منذ الصباح ما يزال واقفاً في تبلد، وكسل.. اللعنة ألم يذهب حتى الآن؟
لقد كان يود أن يقول له.. انصرف.. فينصرف.. وتذكر شطراً من أحلامه البارحة: لقد رأى ضفدعاً ينق.. كان هذا الضفدع في حجم جبل الأرز نفسه. وكان نقيقه في قوة قصف الرعود، وبحركة غير اختيارية أدخل أصابعه في أذنيه، وشعر بأن الأرض فقدت ثباتها، وتزلزلت من تحت قدميه، وأردف قائلاً -وكأنه يحدث أحداً:
- ورأيت أيضاً شخصاً ضخماً، عيناه في قفاه.. وكانتا صغيرتين جداً بحيث لا تتناسب مطلقاً مع ضخامته. كان هذا الشخص يركض إلى أمام.. وكانت قدامه حفر وهوى كثيرة، ومع ذلك لم يسقط في شيء منها ولم يتعثر.
وأحس خليد بقشعريرة في جسمه.. وانتابه مثل سريان النمل في أعصابه، وتناول رقبته بيده، فإذا لكلتيهما دبيب موحش.. وأرخى يده في برم وتذمر وقال -وكأنه يهمس: لم يقل لي خليد أين كان البارحة.. قالت: ألم يقل لك إنك كنت معي؟
والتفت مندهشاً.. فإذا الشطر الأعلى من الثوب النسائي وهو يقول.. إنني.. أنا.. هي.. أنا التي كنت معها البارحة. واستدار إليها ضاحكاً، وقال: إنني لم أفطر بعد.. تالله إنه لإفطار لذيذ..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :248  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 137 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج