وليس كذلك يا إشكازيان
(1)
|
ليس يومي من "إشكازيان" بواحد، فقد بدا له أن يدعوني إلى ضيعته التي تقع في "المروج" على مقربة من "غابة بولونيا"، وقد سميت باسم مثيلتها في "باريس" مع الفارق.. |
هذه الضيعة ترتفع على قمة جبل الشيخ أو حرمون أو صنّين، وكلها في الغالب ذؤابات بيض متفاوتة في الطول لجبل واحد يفصل بين "سهل البقاع" وسوريا، وبين لبنان. |
كل هذه القنن معممة بالثلج. |
قال لي إشكازيان: انظر إلى ضيعتنا. وأعطاني منظاراً مكبراً وأشار إلى إحدى القمم، ورأيت ما يماثل جناح حمامة ورقاء صغيرة! |
استدرت إليه، وقلت: ومن هذه الصغيرة التي تحبو في مدخل الدار وفي فمها ورقة عنب؟! وأمامها خنفساء برقاء؟! |
لكن إشكازيان لم يفطن إلى حقيقة ما أقول.. وخطف المنظار، وأثبته على عينيه الرماديتين، وتوجه إلى الناحية التي أشرت إليها. |
وقلت: غير قليل.. ثم امتقع لونه ولاح في وجهه مثل لون الطحال، وقال في حدة: أين ما تقول؟ |
أما أنا فقد تجمدت، ورأيت نفسي مثل موسى عندما كسر الألواح، وتصلبت في موقفي ولم أزدد إحراجاً.. ولكني أعدت الإشارة إلى الجهة التي أريدها، وقلت في برود: أعد النظر هناك! |
وقذف إشكازيان بالمنظار وتخاذل على أحد الكراسي، ووضع رأسه بين كفيه وهو يلهث! |
أما أنا فما أزال إلى اليوم -منذ تلك السنين- واقفاً أنظر إلى قمة جبل صنّين المكللة بالثلوج، ولو لم يرها إشكازيان، ولو لم يبصرها غيره، فإن كل ذاك لا يعنيني ولا يهزني ولا يخلف أمري! |
(إن الأرمن قوم طيبون ومهما قيل في أصولهم وأنسابهم فإنهم شرقيون في السحنة، واللون، والعيون والأخلاق.. وقد تشتتوا في الآفاق العربية.. إني أذكر مذبحتهم في تركيا في العصر الأخير -في عهد العثمانيين- ولا أتذكر تاريخها.. لقد كانوا نعم المواطنين في كل من سوريا ولبنان وغيرها من البلاد العربية). |
كيف؟ إن الارتباط بالرأي، ولو كان خاطئاً، والثبات على المبدأ وإن بات معوجاً، والتعمج في الضلال ولو كان واضحاً.. كل ذلك أليست من مبادئ الأخلاق الشريفة، والطبائع المنيفة، التي لا تتغير، وإن تغيرت المناظر، ولا تزول، ولو زالت المقاييس. |
لقد أخذت هذا المنظر وأغلقت عليه ذهني إغلاقاً تاماً فمن -بالله- يستطيع أن يجعل الديك ينتج من الفيل؟ |
وشكراً موفوراً لك يا إشكازيان، فقد علمتني ببلادتك ما لا يفعله العلماء الكبراء! |
ومع ذلك.. فليس كذلك يا إشكازيان.. أليس كذلك؟! |
|