شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الشباب (1)
واهاً على أيام الشباب.. ألا واهاً على أيام الشباب!
كنا نتوقل قمم الجبال، ونصعد على رؤوس التلال، ونثب هنا ونركض هناك..
المرح والفرح، والمراح والصياح، العالم لا يسعنا والدنيا تتقلص تحت أقدامنا..
الدنيا؟ كلا ليس لدينا شيء اسمه الدنيا..
نحن وحدنا الدنيا وما فيها..
الشباب؟ انظر إلى هذه الحروف فإنها تبث الروح في الحجر الجلمود، وتجعله يتمايل بالأزهار..
كنت مع لدات لي من قبائلنا نثب على ظهور الإبل بلا أكوار، ونمتطي صهوات الجيال بلا سروج، ونترامى بالبنادق ذوات الخمس الطلقات، ولا نؤوب من سفر إلاّ إلى سفر على الإبل.. على الأقدام، على السيارات في النهاية..
هذا كله للشباب.. لعيون الشباب..
ولكن كيف يحس بالشباب من تمتلئ شرايينه بدمائه، ويغلي بمعارج كبريائه؟ إنه عندئذ في غفلة عن هذا الكنز الذهبي المسحور، في غفلة عنه بمعانيه، بلذائذه، بطرائقه، بالحلاوة، بالطلاوة، بكل ما في الدنيا من شهد مذاب.
شيء لا أعرف كنهه.. يفور.. شيء يتفجر، شيء ينطلق إلى تخوم الأرض إلى عنان السماء، إلى الأغوار، إلى الفضاء، زفاً، زفاً.. كزفاف القمر إلى الجوزاء..
واهاً على أيام الشباب..
قلبي يخفق أشد الخفوق.. عيناي تترقرق فيهما الدموع.
الشعور على حدته..
الإِحساس بكامل وقدته..
لا مبالاة بأي خطر، ولا تفكير في أي شيء، أعمالنا بالجزاف تيارات مندفعة ما كنا نعرف من أين تأتي؛ نقتحم الأهوال، ونجول في مشارف الحياة كل مجال..
النبض الحامي.. لا يتوقف..
كيف يتوقف؟ وهو على أقوى دفعة بالرواء والبهاء والسخاء. ماذا يقول الشعراء والكتَّاب في الشباب؟ لقد بكوه بالدم، ونظموا فيه جيائد القصائد، وكتبوا عنه كل ما هو رقيق ولطيف، وفي الغاية من السمو والإبداع، ولو جمع كل ما قيل في الشباب لكان في مجلدات.
وكما تجتمع الدنيا بأسرها في العين المبصرة، كذلك الحياة لا تكون مصطفاة همامة إلاّ في الشباب..
وأنا امرؤ بدوي، ولا تزال طباعي تجري على أعراق البادية، وما أزال متمسكاً بتقاليد القبيلة على سننها الجاري دون أن أريم، والحضارة علي طارئة، ولست لها وامقاً، ولا بها فخوراً، ولا عليها حريصاً، لولا ظروف المعيشة القاهرة.
ففي شبابنا كنت كما أسلفت بدوياً عريقاً.. أما الآن وقد ركبت الخمسون ظهري أو تكاد.. لا أستطيع أن أكتب.. أن أخط، أن أستمر، هناك ما يشبه الضباب الخفيف بيني وبين الأوراق..
إن عينيَّ مغرورقتان بالدموع.. فدعوني..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :505  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 59 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج