شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أديب.. يسخر من نفسه (1) (1) ..!!
قد تعتبر هذه من الحالات الخاصة، ولكني لا أرى بأساً في جلائها والكشف عن غطائها لا للقرّاء للاستفادة فقط، ولكن للترويح والتسلية.
ألفت من صغري أن أطرد ثعالب النوم عن عيني مبكراً فما يزقزق أول عصفور في العالم إلاّ وأنا أبادله الصداح والجذل، وبعد عرك العين وفرك اليد ألملم أطرافي -حفظني الله- وأشرّف "الحمام التركي" بزيارتي الصباحية المشهورة، حتى إذا قضيت منه وطراً تراجعت أدراجي بكل وقار وسكينة إلى البهو العامر -كلأني الله برعايته- وعندئذ يلتف الأولاد والخدم بعميدهم المبجل الذي هو أنا ولله الحمد.
ويُمدُّ خوان الإِفطار، ويؤتى بصحاف الطعام من كل لون، ومما يجدر ذكره أني -عافاني الله- أتبع نظاماً خاصاً في الأكل من شأنه أن يجعل الغدد "الزرقاء" تتفاعل مع "الكريات الحمراء" فتكفيها ما بين مستطيلة ملساء إلى مستديرة قوراء، وبالرغم من بساطة مأكلي فإنه -على أرجح الأقوال- لا يزيد عن لحم طير مما تشتهون، ودجاج أمريكي مما تسمعون ولا تأكلون، حتى إذا انفض السامر عن تدمير العامر مما في الصحاف أمرت بصوان الملابس -رعاني الله- فجيء به إلي، والغالب أني لا ألبس إلاّ ما يتفق مع الحشمة والتجمل، فمن عباءات عربية مزركشة، إلى عمائم سويسرية مزخرفة ولا أزيد، وعلى ذكر هذا فإني أتفق تماماً مع "تومس كارلايل" في "فلسفة ملابسه" التي يعلقها -الفلسفة لا الملابس- في مشاجب صوانه!
وأتريث قليلاً حتى أتأكد من أن السكينة والوقار قد حفَّا بي فعلاً -أدام الله بقائي- وعندئذ أرفل في كل ذلك حتى أسمع لهذا الرفل حفيفاً مثل حفيف أوراق الشجر في الهواء إذا خطر.. ثم أكرم الأسواق بزيارتي اليومية التي تناقلتها الركبان، وشنفت الآذان في كل زمان ومكان، على أني لا أسمح للناس أن يقوموا في كراسيهم أو يخرجوا من حوانيتهم، ولكني أكتفي بإيماءة من هنا وإشارة من هناك قياماً بواجب السلام في بلاد الإسلام.
وحينما تتوسط الشمس سرة السماء أعود في كمال منقطع النظير إلى الدار الرحبة الفناء الواسعة الأبهاء حيث أطلب حالاً حالاً حالاً بل حالين، وأحياناً عشر حالات وجبة الغداء الشهي الدسم، وهي لا تزيد -إذا علمنا أن القناعة كنز لا يفنى- عن وجبة الإفطار إلاّ بطاً ووزاً تؤز العيون أزاً وتهز البطون هزاً فلا تعجل عليهما.
وهكذا في العشاء أيضاً حتى إذا آن أوان النوم سبحت في سحر هذا النعيم إلى المخدع المعطر بأريج اللافندي والمكوّن سريره من خشب الباركيه الفخم.
مد الله في حياتي وأبقاني ذخراً للأوراق والأقلام، والسلام عليكم وعليكم السلام.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :537  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 32 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الأول: من المهد إلى اللحد: 1996]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج