شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تحدث معي -يا سيدي القارئ (1)
حينما تريد أن تتحدث معي يا سيدي القارئ -ومثلك نادر- فليس باللازم اللازب أن تنفخ في راحتك أو تحك أرنبة أنفك أو تعرك كفاً بكف -كما يفعل زيدان (2) - حتى تفسح من جو الحديث أو تأخذ بطرف حبله، وليس بالحتم عليك أيضاً أن تصبغ فمك بابتسامة أو تبزغ على عينك لمعة، أو تبدأ حديثك بأوابد من لسان الحال أو شواهد من الأمثال، أو تجهد ذاكرتك أو تشرد نظرتك.. كلا يا سيدي القارئ -القارئ هنا- في بلادنا فقط.
أفتدري ما الذي يلزمك؟
يلزمك أن تضع قلبك في فمك -لا رأسك على كفك فما لهذا لزوم والعياذ بالله- وأن تجعل "إحرامك" في يدك أو على كتفك إن كنت حضرياً، أو تتقلد (عقالك) إن كنت بدوياً، وأن تبدأ بنكتة أو شتمة -شتمة خفيفة من فضلك- فإن بعض الشتم أشبه بالدعاء.
كأن تقول مثلاً:
خيبك الله. أين أنت؟
فأجيبك أنا قائلاً:
الله "يغربلك".. تالله لست أدري أين أنا؟
ثم أهضب كما تشاء وسأهطل كما أريد.. سنتحدث في التوافه أكثر مما نتحدث في العظائم، وستشغلنا السفاسف عن الحقائق المرة، وسنقول: إن فلاناً كان يكون أهيب لو أنه كان أطول قليلاً، ونقول: إن هذا القصر يمسي أجمل لو بني في غير موقعه!
- البارحة سحراً لقد جاءنا نسيم حلو؟
- اليوم بارد أحسن من أمس.
- أتعلم ماذا حدث بيني وبين (..)؟ لقد قلت له، وقال لي.. وكيت وكيت.
- منذ دخلت البيت أمس ظهراً لم أخرج إلى الآن، يا أخي نفس الواحد تزهق... ملل غريب! وفي النهاية سنذهب إلى مقهى أو مشرب من مشارب "الكولا" ولذاتها.. وسينضم إلينا عدد كبير من التافهين (مثلي لا مثلك يا سيدي القارئ العظيم)، وستنداح دوائر الكلام الفارغ وتطول الجلسة أو تقصر، ثم ننهض ننفض أثوابنا من الغبار وأسماعنا مما علق بها من اللغو المكرور الممل.. ونعود إلى أحجارنا مثل الضباب إذا استكنت!
عفواً يا سيدي القارئ.. أفليست الحكاية كذلك؟ وقد لا يكون لي إلاّ نصف قارئ -ونصف القارئ الذي أعنيه هو الذي يفهم عكس ما يقرأ أكثر الله من أمثاله- نصف القارئ هذا سأجعل منه ملايين من القرّاء عملاً بحسن التجمل أمام الناس وحب الأبهة لديهم، وأصنع مثلما يصنع أولئك الذين يخلبهم الوهم ويسحرهم النجم فيرددون في مقالاتهم العميقة الرائعة كلمات: قرائي الأعزاء.. وسادتي القرّاء، وإذا أذاعوا.. قالوا: أيها المستمعون الكرام.. حدثتكم من قبل إلى آخر هذه الذبذبات الصوتية المستملحة!
سيدي نصف القارئ! أليس من حقي أن أفعل ذلك كما يفعله غيري، وأسعد بالأحلام التي توهمني أني مقروء ومسموع منك أنت على الأقل يا سيدي نصف القارئ؟
تحدث معي يا سيدي القارئ بالله عليك.. لا فرق بين قائل أو كاتب وقارئ.. فلو حدث العكس، وهو يحدث دائماً لكنت أنا القارئ.. وأنت الكاتب.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :487  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 27 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

البهاء زهير

[شاعر حجازي: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج