الصَّحافة |
رسالة -استعداد -فن -علم |
الدكتور خليل صابات |
ما هي الصحافة؟ كيف تصنع الصحيفة؟ كيف تصبح صحفياً؟ ما مستقبل الصحافة؟ ما حظها من النجاح؟ وما الأخطار التي تحدق بها في هذا العصر المتقلب الذي نعيش فيه؟ ما هو الدور الذي يجب على الصحافة أن تقوم به؟ وعلى أي القوانين يجب أن تسير إن أرادت أن تظل أمينة على رسالتها التي تقتضي منها أن تبحث عن حقيقة الأحداث الجارية وترددها؟ |
هذه هي النقاط الرئيسية التي يحاول معالجتها مؤلف هذا الكتاب.. فما هي الصحافة؟ |
يقول المؤلف: يجيب على هذا السؤال المعجم الوسيط الذي يصدره مجمع اللغة العربية استخدام كلمة "الصحافة" للدلالة على معنيين: معنى مقابل لكلمة "جوزناليزم" أي المهنة الصحفية، ومعنى مقابل للكلمة "برس" أي مجموعة ما نشر في الصحف، وقد فرق المعجم بين هذين المعنيين فدل على الأول بلفظ الصحافة -بكسر الصاد- كالصناعة وعلى الثاني بلفظ الصحافة -بفتح الصاد-.. |
وقد اختلف موقف الناس من الصحافة فمنهم من كان رفيقاً بها ومنهم من ناصبها العداء، فنعتوها بأسوأ النعوت.. وينتمي أمير الشعراء "أحمد شوقي" إلى الفريق الأول فقد قال فيها: |
"لكل زمان مضى آية.. وآية هذا الزمان: الصحف "لسان البلاد، ونبض العباد، وكهف الحقوق، وحرب الجنف"، ولا يمكن لإنسان أن ينكر الأثر الذي تتركه الصحف في الحياة الحديثة، وهي لا تزال "على الرغم من انتشار الإذاعة أقوى وسيلة في التأثير على الرأي العام الذي يحتل اليوم مكان الصدارة.. إن المجتمعات الحديثة عامة، والمجتمعات ذات الطابع الديمقراطي خاصة، تنزل الصحافة المكانة اللائقة.. |
.. ما هي الصحافة؟ هل هي حرفة أو فن، أم أنها صناعة؟ في الحقيقة هي كل ذلك في آن واحد، وبنسب تختلف حسب استعداد المحررين وميلهم، وكذلك حسب الظروف التي يعملون فيها.. |
ولقد عرّف "ويكهام ستيد" -أحد كبار الصحفيين المعاصرين والذي عمل رئيساً لتحرير جريدة "التايمز"- الصحافة تعريفاً نورده في ما يلي: |
"الصحافة هي أكثر قليلاً من الحرفة.. وهي شيء يختلف عن الصناعة.. فهي بين الفن والمرفق العام". |
وصرح الأستاذ محمد علي علوبة بأن الصحافة ليست تجارة، وبعبارة أخرى ليست حرفة.. إنما هي مرشدة، ومربية للروح الوطني والسياسي والأدبي. |
ألا يفهم من ذلك أيضاً -يقول المؤلف- أن الصحافة هي استعداد طبيعي قبل كل شيء، وأنه يكاد يكون من البديهي أننا نولد ولا نصبح صحفيين..؟ |
ما هي المميزات الرئيسية للصحافة، وما هي وظائفها؟ قدم التعريف العلمي للصحيفة أحد الصحفيين البارزين "أوتوجروث" الذي كان رئيساً لتحرير "فرانكفورتر زيتونج"، وحسب هذا التعريف أن الصحيفة نشرة تطبع آلياً من عدة نسخ، وتصدر عن مؤسسة اقتصادية، وتظهر بانتظام في فترات متقاربة أقصاها أسبوع، ويشترط في هذه النشرة المطبوعة أن تكون ذات طابع عالمي، وذات فائدة عامة، تتعلق على الخصوص بالأحداث الجارية، كما يشترط فيها أيضاً أن تنشر الأخبار، وتذيع الأفكار، وتحكم على الأشياء، وتعطي معلومات بقصد تكوين جمهورها، والاحتفاظ به. |
صحف الرأي وصحف الخبر: |
.. وكانت الصحف حتى العصور الحديثة صحف أخبار قبل كل شيء.. وظل الخبر في القرن التاسع عشر وحتى اليوم العنصر الرئيسي في الصحف.. إلاّ أن الصحيفة لم تبق مقصورة على نشر الأخبار. |
.. ونمت صحف الرأي بنمو الديمقراطية وانتشارها في البلاد وبانخفاض عدد الأميين، وكل ذلك بفضل تقدم التعليم العام.. ويخطئ خطأ فاحشاً من يعتقد بأن الصحف المحررة تحريراً جيداً أي التي تجمع أكبر عدد من الكتّاب المشهورين هي التي يقرأها أكبر عدد من الناس.. إن أمراً واحداً يجذب الجمهور إلى الصحيفة وهو الفضول.. وشيئاً واحداً يحتفظ به وهي العادة.. ولكن العادات ليست واحدة، والفضول يختلف نوعاً ودرجة بين قارئ وآخر، وأفضل الصحف إعداداً هي الصحيفة التي تعنى بما يهتم به كل قارئ، والتي تقدم الأخبار والأفكار، وما يضحك وما يبكي.. ولا يمكن للصحيفة مهما تبلغ من صرامة أن تهمل نشر الموضوعات الطفيفة.. كما أن الصحيفة التي لا تعنى إلاّ بالسياسة لا بد لها أن تحيط قراءها بكل حوادث البوليس.. ولكي تعيش الصحيفة يجب أن تدار إدارة تجارية بحيث تكون إيراداتها مساوية لمصروفاتها، ولا يتم لها هذا إلاّ إذا توصلت إلى طبع عدد ضخم من النسخ وبيعه، ومواجهة أبواب المصروفات المختلفة كالمرتبات والأجور والمطبعة والمباني والشحن والنقل الخ.. وإن الصحيفة التي تتجاهل هذه الحقيقة لن تلبث أن تفلس وتغلق أبوابها. |
يتساءل المؤلف: ما هي الصفات التي يجب أن تتوفر في الشاب الذي يرغب في أن يكون صحفياً ناجحاً؟ |
ثم يقول: لا يزال عدد كبير من الناس يجهل حقيقة هذه المهنة، وسبب هذا الجهل أنهم يرون الصحفيين في المآدب والحفلات الساهرة، والاحتفالات العامة، كما يجدونهم في المقاعد الأولى في المباريات الرياضية، فيخيل إليهم أن العناية اختارتهم لينعموا بمباهج الحياة، وليذوقوا حلوها دون مرها، ولا يدفعون قرشاً واحداً مقابل هذا النعيم المقيم! |
.. ولكن الواقع يختلف عن ذلك كثيراً، فالصحفي يذهب إلى المآدب مضطراً.. وبينما يعود المدعوون إلى بيوتهم بعد أن أكلوا وشربوا.. يسرع الصحفي إلى مكتبه ليكتب مشاهداته وملاحظاته ويستأنف عمله الليلي المضني.. إن الامتيازات التي تمنح له لا تعد شيئاً بالنسبة للخدمات التي يطالب بأدائها... والحقيقة أن الصحافة مهنة كثيرة المطالب، من يحترفها يضحي بوقته، وراحته وأصحابه، من غير أن يدري به أحد.. لقد مضى العهد الذي كانت الصحافة تعتبر فيه الملجأ الأخير لكل فاشل في الحياة.. فلم يعد هناك مكان في الصحافة للفاشلين ولا للهواة المترفين! |
ويقول الأستاذ محمد زكي عبد القادر: "إن الصحافة لا تغلق بابها في وجه أحد، ولكنها في الوقت نفسه لا تفتحه لأحد فعلى الراغب القادر الكفء أن يفرض نفسه عليها فرضاً.. وأن يفتح بابها فتحاً.. إنها مهنة تبدو متخمة في كل وقت، وجائعة في كل وقت..". |
ويقول المؤلف: "وتتطلب مهنة الصحافة صفات متعددة متنوعة، فالشخص الذي لا مبدأ له لا يصلح أن يكون صحفياً.. والشخص الذي لا أخلاق له يفسد المهنة.. ولا بد للصحفي بالإضافة إلى هذا وتلك، من أن يتدرب على الأعمال التي يقوم بها، وأن يكون واسع الاطلاع.. عارفاً كل ما يدور حوله.. وعلى الشاب المبتدئ أن يضع نصب عينيه أن الصحافة مهنة شاقة.. مهنة لا تعرف الراحة، ولا تعترف بها.. فإن قبل بهذا الشرط، أمكنه أن يخدم في بلاطها، ولا يكفي أن يقول المبتدئ: إني حاصل على ليسانس الصحافة أو دبلومها العالي.. وهذا ما يؤهلني لأن أصبح صحفياً ناجحاً. إن الصحافة استعداد قبل كل شيء، والشخص الذي لا يشعر في نفسه بهذا الاستعداد لا يمكن أن يكون صحفياً ناجحاً.. حتى لو درس الصحافة وعلومها وفنونها في أكبر الجامعات وأشهرها.. |
.. إن أول سؤال يوجه لهؤلاء الذين يرشحون أنفسهم ليكونوا صحفيين هو: هل خلقتم لتكونوا صحفيين؟ هل أنتم متأكدون من أنكم تحملون في صدوركم شعلة الصحافة المقدسة؟ هل تشعرون بحاجتكم الملحة إلى التعبير عما تجيش به أنفسكم وعما تعتقدون أنه الحق؟ هل لديكم الصفة الأساسية التي تسمى "الإحساس" بما يريده الجمهور، التي تجعل صاحبها يميز بين ما يميل إليه القارئ فيكثر منه.. وبين ما يضايقه فيمتنع عن نشره..؟ هل في استطاعتكم أن تمتنعوا عن نشر موضوع يهمكم ولكنه لا يهم القرّاء؟ هل في إمكانكم أن تعرفوا متى يجب الكف عن الكتابة في موضوع معين حتى لا يمله القرّاء؟ إن لم تكن تلك الصفات متوفرة لديكم فحذار من أن تختاروا الصحافة مهنة لكم.. اتركوها وشأنها، ووجهوا أنفسكم وجهة أخرى! |
إن الصحافة مهنة لا تعرف الشفقة ولا الرحمة.. إنها المهنة التي لا تقبل الضعاف والبلداء وإن حدث وقبلتهم خطأ أسرعت إلى نبذهم حتى لا يكونوا عالة عليها.. إنها المهنة التي لا تعترف بالوساطة.. والصحفي الخليق بهذه التسمية هو الذي يتفرغ للصحافة ويلتقط الأخبار ويقدمها لصحيفته.. هو الذي لا يعمل إلاّ لأجل صحيفته.. ويجول العالم سعياً وراء هذا الهدف، هو الذي يظل ساهراً على عمله ليخرج إلى القراء الصحيفة التي يريدونها لأنفسهم ويريدها هو لهم، ويجب ألا يتبادر إلى ذهن الصحفي الناشئ أن الصحافة هي مجرد كتابة مقالات، وتذييلها بإمضاء صاحبها.. وإلاّ خاب ظنه حينما يبدأ عمله ويجد أن المقالات وقف على عدد محدود جداً من الصحفيين الذين قضوا في المهنة السنوات الطوال.. على المبتدئ أن تكون لديه حاسة الشم الصحفي.. وهذه تقوم بأن يدرك بالغريزة ما يهم الجمهور، ويلتقط بسرعة ما هو جدير بالنشر، ويجيد فن التقديم ويظهر ما يستحق الظهور من أحداث العالم، وأحداث مدينته ووطنه.. إن هذه الصفات مجتمعة لا بد منها لكل من يريد أن يتخذ الصحافة مهنة له. |
.. إن الصحافة لأكثر المهن اتصالاً بالحياة، وعلى الرغم من أن الطبيب والمحامي والتاجر على صلة وثيقة ودائمة بالحياة، فإنهم لا يرون إلاّ بعض مظاهرها ولا يعرفون تمام المعرفة إلاّ جانباً من بوادرها، غير أن الصحافة تحتوي على الحياة بجميع مظاهرها وتعكس حلوها ومرها، والتغييرات التي تنتابها في كل لحظة، مما يجعلها ذات سحر وإغراء.. لا بد للصحفي إذن أن يكون لديه الإحساس المرهف بالحياة والقوة الدافقة التي تضفي الحياة على ما يكتبه.. إن الشاب الذي لا يشعر بهذه الموهبة، وبهذا الحب للحياة.. يجب عليه ألاّ يدخل هذه المتاهة المعقدة التي لا يعرف أولها من آخرها. |
ويتحتم على الصحفي كذلك أن يفهم الناس ويحبهم كما هم وألاّ يغرب عن باله أنهم ليسوا ملائكة، ولكنهم ليسوا شياطين.. عليه أن يحبهم بتناقضهم وبضعفهم وبفضائلهم التي كثيراً ما تكون مستترة.. وعليه أن يكون إنساناً بكل ما في الكلمة من معنى، ودون هذه الإنسانية التي تنم عن حسن الإدراك والرحمة لن يحبه القرّاء إلاّ بصعوبة ولن يكسب ثقتهم. |
إن الصحافة رسالة قبل أن تكون مهنة، والصحفي الناجح هو الذي يؤدي هذه الرسالة على خير وجه، مضحياً بكل شيء في سبيل المبدأ الذي يعمل له عن اقتناع وإيمان!! |
.. ولن يكتب النجاح لمحرر إلاّ إذا كان يحب مهنته بكل قواه.. ويعتبر صحيفته التي كرس لها حياته جزءاً لا يتجزأ منها، فإلى أمثال هذا المحرر تلجأ الصحيفة في الظروف المفاجئة؛ خبر غير منتظر.. موت عظيم مثلاً.. فهذا يتطلب مساحة في صفحات مليئة بالأخبار والمواد الأخرى فعلى المحرر القائم بالعمل أن يكتب بسرعة بضعة أسطر تصف حياة ومآثر الراحل أو تشرح باقتضاب حدثاً هاماً، وقع في التو واللحظة، وتقتضي هذه المهمة من صاحبها ألا يتباطأ أو يتردد، إذ ليس لديه الوقت الكافي للبحث والتدقيق، ووزن الأمور بميزان دقيق.. إن ردود أفعاله يجب أن تكون سريعة، كما لا بد له أن يتخذ قراراته خلال بضع ثوان.. فإذا سها أو نسي فعذره أنه يعمل في جو مكهرب وأن الدقائق التي تعد على أصابع اليد الواحدة والتي تفصل بينه وبين موعد دوران الطابعة الروتاتيف كانت السبب في هذا السهو الطفيف، أو النقص الذي يمكن أن يكمل في الطبعة التالية. |
ولما كنا نتحدث عن مناهج عمل الصحفيين، فإن أفضل نصيحة تقدم لمن يريد أن يتخذ الصحافة مهنة له ألا يكتب لنفسه، ولا يكتب ما يرضي شخصيته وذوقه.. ولا يكتب بدافع الظهور وحب المجد الفارغ!! ليكون موضع إعجاب، بل يكتب للجمهور الذي يقرأه ليفهمه أكبر عدد من الناس.. وعندما يقوم صحفي بمعالجة موضوع ما، يجب عليه أن يتطلب الجوهر دون العرض، وأن يسبر غور الموضوع، وأن يركز ويحذف ما لا فائدة منه وأن يعمل جاهداً على توضيح المسائل المعقدة. |
إن قلم الصحفي يمتاز على غيره من الأقلام بالسرعة، والوضوح، والبساطة وبأنه يتحدث بجرأة حديث الصديق إلى الصديق.. حديث من لا يعتمد على المحسنات اللفظية، ولا على الطريق الذي يجب أن يسير عليه، ولا نعني بالسرعة والإيجاز أن نحرض الصحفي على الكتابة لملء الفراغ.. وذلك لأن القارئ يلقي عادة نظرة خاطفة على صحيفته فلا يتعمق في ما يقدم له من مواد، إن الصحفي السطحي سوف يكشف أمره.. ولسوف ينفر القراء منه.. ولا يلبث أن تستغني عنه صحيفته لأنه لا يقدر المسؤولية ولا يفهم الصحافة على أصولها!! |
* * * |
في فصول متتابعة أخرى يحدثنا المؤلف عن وكالات الأنباء العالمية، ووكالات الأنباء المحلية.. وكيف تكافح الأخبار الكاذبة.. وحرية الصحافة.. والصحفي وسر المهنة.. والصحافة وسيلة من وسائل الدعاية ويتحدث إلينا في الفصل السابع عشر عن كرامة الصحافة واستقلالها.. وفي ذلك يقول: "لكي تؤدي الصحافة رسالتها على الوجه الأكمل يجب أولاً وقبل كل شيء أن تعرف كيف تحافظ على كرامتها.. فالصحيفة التي ليس لها كرامة لا يمكن أن يحترم الجمهور آراءها حتى ولو أقبل على قراءتها.. ذلك أنه غالباً ما يتعامل معها ليرفه عن نفسه من عناء الحياة، وقد أثبتت الاستقصاءات التي أجراها الأخصائيون أنه لا أثر تقريباً لهذه الصحف على الرأي العام.. ويسوق المؤلف هنا قصة مجلة مصورة كانت تهاجم الإيطاليين أثناء اعتدائهم على أثيوبيا سنة 1935 ثم ما لبث أن تغيرت الحال إذ أصبحت المجلة المذكورة بوق دعاية للجيش الإيطالي.. وكان أن انفض جمهور القرّاء عنها بعد أن باعت كرامتها بأرخص الأثمان.. فتوقفت عن الصدور خلال الحرب العالمية الثانية.. |
* * * |
يتساءل المؤلف في آخر فصل في الكتاب: ما مستقبل الصحافة؟ ويقول: لقد تقدمت الصحافة في جميع مناطق العالم أما في البلاد العربية فقد ازدهرت الصحافة ازدهاراً لم يعرف له مثيل.. ومهما يكن من أمر فإن مشكلة منافسة وسائل الإعلام الأخرى للصحافة بدأت تقلق راحة الصحفيين.. وشعرت الصحف بوطأة المنافسة.. وهَبَّ الصحفيون يطالبون الحكومات بمنع الإذاعة والتلفزيون من نشر الإعلانات إن أريد الإبقاء على الإعلام المطبوع، كما قاموا من جهة أخرى بإعادة النظر في مواد صحفهم ووسائل إخراجها وانعقدت المؤتمرات وقر رأي الأغلبية على وجوب ترك الموضوعات التافهة والمثيرة.. والاكتفاء بالإعلام الجدي والمناقشة المفيدة.. |
وعلى صحافة المستقبل أن تعمل لخير الإنسانية بحيث تؤالف بين الشعوب، فتدعو للسلم، وللتعاون، وللتآخي.. والصحيفة التي تحيد عن هذا الهدف يجب أن تقاطع، إن لم يكن بقوة القانون، فبتأثير الضمائر الحرة، والمثل العليا، التي لا بد أن تنتصر إن عاجلاً، وإن آجلاً.. وإن الدلائل جميعها لتدل على أن القوة الغاشمة، وسحر المال لم يعد لهما ذلك السلطان القوي.. كما لم تعد الشعوب تساق كالخراف إلى تلك المجازر التي تسمى حروباً.. وإن درس الحرب العالمية الأخيرة لن ينسى بسهولة فقد قامت تلك الحرب من أجل الممر البولندي.. ولكن أين هو الممر البولندي؟ وأين هي بولندا نفسها؟ لقد ذهبت دماء الشعوب هدراً، ووقعت دول تحت براثن قوى أخرى لا تقل عن النازية والفاشية! |
إن دور الصحافة في هذا العالم الذي يقف حائراً بين الخير والشر وبين الحرب والسلم لجد خطير.. وعلى هذا الأساس يتضح هدف الصحافة ويحدد الطريق الذي يجب عليها أن تسلكه؟ وهو طريق وعر، ولكنه المؤدي إلى بر الأمان! |
|