شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مِنَ السَّمَاء
هذا ديوان جديد للشاعر المصري المعروف الدكتور أحمد زكي أبو شادي أصدره من أمريكا حيث يقيم منذ عام 1946م مهاجراً إليها من موطنه القديم مصر.
والدكتور أبو شادي مهما اختلف النقّاد في شأنه، وفي شاعريته، فهو شاعر فذ.. له شعره المقروء، وله دواوينه الشعرية وقد بلغت أكثر من خمسة عشر ديواناً. وله عدا ذلك نشاط ملحوظ في غير ميادين الشعر، فهو طبيب، وهو كاتب ناقد -ولعلّه في هذه الناحية أكثر تعمقاً- وأخيراً لا ينسى القرّاء مجلته التي كان يصدرها في القاهرة وهي خاصة بموضوع "تربية النحل" مما دلّ على سعة علمه وتعدد مناحيه، واستطاعته أن يعمل في أكثر من ميدان.
وهنالك مجلته الأولى "أبولو" وهي مجلة خاصة بالشعر، ونقد الشعر، لقد كانت هذه المجلة الأولى من نوعها في الأقطار العربية، وكانت شهرتها وذيوعها عظيمين، وكان تأثيرها الأدبي على قصر المدة التي صدرت فيها -قوياً بحيث نستطيع أن نقول: إنها أوجدت "مدرسة" ذات طابع خاص، وطريقة خاصة، ما زال متخرجوها يسيطرون على الحركة الشعرية إلى اليوم في مصر وغيرها من بلاد العروبة.
ويظهر أن ما لقيه هذا الشاعر من عنت خصومه من الأدباء وغيرهم، كان فوق ما تحتمله نفسية شاعر حساس كأبي شادي. فما هو إلاّ أن شد عصا ترحاله إلى العالم الجديد!
لقد اتخذ أبو شادي أمريكا وطناً ثانياً له، وها هو الآن يعمل في صحافتها ولعلّه يشارك هناك كما هو العهد به في عدة ميادين أخرى، من ميادين العمل والتفكير.
وقد كتب الشاعر مقدمة ديوانه الجديد "من السماء" بقلمه هو.. ولا نشك في أنك ستقول إذا ما قرأت هذه المقدمة إن أبا شادي كاتب ناقد موهوب، يجيد النقد والتحليل، ويجيد ذوق الشعر، فأسمعه حين يقول عن مقومات الشعر:
"للشعر مقومات تتنوّع في تركيبها، ولكن لا ينفرد أيها به، وأولى مقومات الشعر الصادق "التجربة الشعرية" أي تأثر الشاعر بعامل معين أو بأكثر، واستجابته إليه أو إليها استجابة انفعالية قد يكتنفها وقد لا يكتنفها، ولكن لا تتخلى العاطفة أبداً عنها، إذ إنهما حينما يبتعدان يتجرد الشعر من أبدع صفاته الأصلية ويصبح "نظماً خلاباً" على أفضل تقدير أو ينعت "بشعر الذكاء" تجاوزاً" الخ.
فهذا التعريف لإحدى مقومات الشعر، تعريف صحيح ولا شك، إذ أن التجربة الشعرية، التي هي تأثر الشاعر بعامل معين، أي منظر معين، أو حادث معين.. هذه التجربة هي العنصر الأول من عناصر الشعر، وكلما قويت العاطفة حيال هذه التجربة، ثم كلما كانت العناصر الأخرى للشعر قوية هي أيضاً، كان الشعر حرياً بأن يسمى شعراً.. وحرياً بأن يهز النفوس.
وما أدق وصف الدكتور أبي شادي للشعر الذي يخلو من التجربة أو العاطفة في وصفه له أنه "شعر خلاّب" أو أنه "ينعت بشعر الذكاء" إنه بهذه الدقة في الوصف قد استطاع أن يخرج طائفة كبيرة جداً من منظومات الشعراء قديماً وحديثاً من مجموعة الشعر الصحيح!
ولعلّ أشعار المناسبات تمتاز قبل غيرها بأن أكثرها -ولا أقول كلها- من هذا الشعر الخلاب، وقد يكون قسم كبير منها من شعر الذكاء.
ومن هذا النوع الخلاب أكثر ما يقرأ من شعر الغزل. حيث ينظم الشاعر شعراً يسميه غزلياً. وهو إنما ينظمه تقليداً ومحاكاة من غير أن يحمل قلبه أي عاطفة من عواطف الحب الصميم!
والآن ما هو القول في شعر أبي شادي نفسه، على ضوء تعريفه السابق؟ وبديهي أننا هنا لا نعني مجموع شعره في دواوينه القديمة، فقد يكون الرأي في ذلك قد انتهى، وقد يكون مجال الخلف ما زال شاسعاً بين ناقدي الدكتور.
وإنما نعني مجموعة شعره الجديد، في ديوانه الجديد "من السماء".
وأول ما يتبادر للذهن من هذا الاسم الذي اختاره الشاعر لديوانه، ولكن لا بأس فمن حق الشعراء أن يغفر الناس لهم بعض الشذوذ، ومن حقهم أن يعيشوا في عوالم خاصة، ومن حقهم أن يحلموا، بل من حقهم أن يأتوا أحياناً بالمفارقات وأن يكون الغموض نمطاً من أنماطهم، لأن المدرسة الرمزية في الشعر تفرض كل هذا الحق لشعرائها، وأبو شادي من محبذي الرمزية -كما يقول في مقدمة الديوان- وكثير من قصائد هذا الديوان نهج فيها المنهج الرمزي.
ولعلّ تسمية الديوان أتت، لأن القصيدة الأولى في الديوان عنوانها "من السماء" وفي هذه القصيدة يقول الشاعر:
قالت "الأرض" ما الشموس العوالي
في نجاء، وإن تكن لا تبالي
في سحيق الآباد يوماً ستخبو
وتلاقي مآلها من مآلي
أنت يا شاعري تجازف بالحـ
ـبِ إذا دمت عبد هذا الخيال
وقصيدته، أو مقطوعته التي عنوانها "الموتى المشردون" أظن أنها تلفت نظرك لأنها تعبر عما يحسه الشاعر من مضاضة، ولأنها تشير إلى ظاهرة عامة كثيراً ما يغفل عن أمثالها شعراء الأبراج العاجية، أو شعراء الترف الفني. قال الشاعر موجهاً خطابه إلى الملك فاروق:
مولاي حب الشعب أعظم ثروة
لك من كنوز التاج والسلطان
كن أنت رائده ووزع أرضه
لبنيه كالفاروق في الإحسان!
ما شأن آلاف الفدادين التي
هي كالمقابر للسواد العاني؟
ذهبوا بأرجاء البلاد تشرداً
وتكفنوا بمذلة وهوان
وجميعهم موتى وتلك لحودهم
ملء الضياع الفخمة العمران
تركوا المقابر صاغرين فعيشهم
ومماتهم بهوانهم سيان
وتجاوبوا بأنينهم وسقامهم
وجراحهم في عالم البهتان
أنت العظيم فلا تدع إخلاصهم
لك يستباح بلا هدى وأماني
بل لا تدعهم في الورى أمثولة
لتدهور الإنسان بالإنسان!
فهذا نوع من الشعر الحي الصادق، والتجربة فيه ماثلة، والعاطفة فيه قوية، ثم هو شعر صادق لأنه يعبر عن إحساس يكاد يكون عاماً، إنه إحساس أمة وشعب لا إحساس فرد يعيش في عالم من عوالم الحب والجمال، ينظم لأجل الفن، ولسان حاله يقول: "أنا وبعدي الطوفان".
وليس يعيب الشاعر أن ينظم متغنياً بالجمال، معبراً عن حبه الصادق.. إن حب الجمال من طبيعة الإنسانية، وكلما قوي هذا الحب كان دليلاً على الحس المرهف وسلامة الذوق ونبيل السجايا، وإنما الذي يعاب على الشاعر حقاً أن يعيش منطوياً على نفسه لا يشعر بما يشعر به الناس من آلام وآمال، أو يساهم بأدبه في التعبير عن شعورهم في حرية وانطلاق، وصدق وإخلاص.
وللشاعر أبي شادي في مواقف الحب والتغني بالجمال، جولات وجولات، ولعلّك تجد في قصيدته "الحنين" صورة تعبيرية ناطقة عن حساسية الشاعر وشدة ولهه بالجمال، وحيرته في موقف الحبيبة منه وموقفه منها، قال في هذه القصيدة:
كم يستبد الحنين!
أواه لو تعلمين!
وكم يئن فؤادي
وما شكوت الأنين
كأن باقي عذابي
فروض نسك ودين
كأن طول احتمالي
غنم بقلبي الغبين
ساءلت عني ولكن
شكي يردُّ اليقين!
وكلما زدت قربا
بعدت أو تبعدين
ألقاك نشوان لكن
حزني بقلبي دفين
على جمال مضاع
ما كان للعابثين
أولى به وحي فن
ووحي حب أمين
لكم هتفت بشعري
فبات شعري الثمين
وضع خمراً حلالاً
من فيك للظامئين
أصغي إليك بحلمي
وأنت حلمي المبين
في حيرة لم تكيف
على امتحان السنين
أصار حبي عزيزاً
في حين حبي مهين!
أتحفلين بشعري
ولست بي تحفلين؟
وعلى هذا الغرار تجد معظم قصائد الشاعر الغزلية، كقصيدته "الفن الضائع" التي يقول فيها:
لمن تمنحين الحب دوني عن عمد
وماذا يرجى الحب من شاعر بعدي
وحسنك أولى أن يصان جلاله
على الفن، حين الفن كالحسن للخد
ويضيق بنا المقام لو حاولنا أن نقف عند كل قصيدة من قصائد هذا الديوان إلاّ أننا نشير إلى ما أعجبنا به منها كقصائده "نجوى العيد" و "الإسكندرية الفنانة" و "الربيع" و "حوريات الماء" و "الأمواج" و "معركة الحب" و "قلب لا يشيب" و "قبلة أعوام" و "رثاء أسمهان" و "رثاء أحمد محرم" و "رثاء زوجتي" و "فني وحياتي" و "رثاء خليل مطران".
 
طباعة

تعليق

 القراءات :756  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 49 من 72
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.