شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
نظرات في الأدب
الأدب صورة من صور الحياة وكما أن الحياة في تطور دائم مستمر، وكما أن أوضاعها ومظاهرها لا تفتأ تتغير حيناً بعد حين، وتتبدل عند كل ظرف مناسب -وما أكثر حدوث هذه الظروف- فكذلك الأدب حاله كحال الحياة وشأنه كشأنها لا يفتأ خاضعاً لنواميس التبدل والتحول، وهو منذ أن وجد في الوجود والتطور يلابسه في كل عهد من عهوده وفي كل منحى من مناحيه.
وليس يشبه الأدب الحياة في أنه خاضع مثلها لنواميس التبدل والتحول فحسب بل هو يشبهها في أنه تابع لها وتطوراته تابعة لتطوراتها وكل ما يلازم الحياة التي تحياها الأمة من تقدم أو تأخر وقوة أو ضعف يلازم أدبها بلا شك، فلننظر إلى الأدب العربي في مختلف عهوده القديمة والحديثة، ولندرس إلى جانب ذلك تاريخ الأمم العربية في كل تلك العهود، فسترى -بعد قليل من النظر والدرس- أن الأدب العربي -كسواه من آداب الأمم الأخرى- لم يخرج عن القاعدة، ولم يشذ عن الناموس الشامل، سنرى بعد قليل من الدرس والنظر أن الأدب العربي كان تابعاً في جميع عهوده لأحوال الأمم العربية التي ينتمي إليها.
فليس من شك أن أدب الجاهلية إنما هو صورة من الحياة في ذلك العصر الجاهلي، كما أن الأدب في عصر النبوة هو صورة من حياة ذلك العصر. وقل مثل ذلك عن الأدب الأموي وعن الأدب العباسي، وقل مثله أيضاً عن آداب العصور التي تلت عصر العباسيين، أو العصور التي يسمونها "عصور الانحطاط" والتي ظلت وظل معها الأدب متأخراً جامداً لا روح فيه ولا حياة حتى أواخر القرن التاسع عشر للميلاد، حيث ابتدأت من ثم نهضة الأدب الحديثة وكانت نهضته، وكانت هذه التطورات التي نشاهد آثارها فيه الآن، إنما هي صورة من حياة الأمم العربية الآن، وتعبير عن آمالها وآلامها، وتحليل لشؤونها وشجونها، ونقد وغربلة لكل ما هو سيء من أحوالها وعاداتها، وإهابة بها إلى نشدان المُثل العُليا وإلى النهضة وإلى العمل للتقدم والارتقاء.
في الأدب العربي الحديث يوجد تطور ملموس يشهده الدارسون له والمتتبعون لآثاره، بل في الأدب العربي الحديث (ظاهرة) يصح أن نسميها (تمرداً) (لا تطوراً).
هذه الظاهرة التمردية تكاد تشمل الأدب الحديث في أغلب مناحيه، ففي المعاني وفي الألفاظ وفي الأساليب وفي المواضيع وفي الاتجاهات التي يتجه إليها الكاتبون، في كل ما سبق، يشهد الذين يتابعون الحركة الأدبية في العالم العربي آثار ذلك التمرد واضحة جلية، وليس يمنعنا من تقرير ذلك وجود بعض آثار من الأدب، تحاكي في سيرها الأدب القديم، فهذه الآثار الأدبية لأن مصدرها التقليد والمحاكاة تخرج -في اعتبار كل النقدة ومؤرخي الآداب- عن كونها آداباً تمثل عصرها الذي يمارسها أصحابها فيه.
لماذا تطور الأدب العربي الحديث؟ الجواب معلوم فذلك لأن الحياة نفسها قد تطورت وأصبحت غير ما كانت عليه بالأمس.. أما لماذا توجد ظاهرة ما أسميناه التمرد في هذا الأدب، فذلك لأن الحياة التي تحياها الشعوب العربية المختلفة إنما هي حياة انفعال أو (تكهرب) إن صح هذا التعبير. حياة الشعوب العربية الآن حياة مؤلمة مريرة يتخللها القلق والارتباك، وينتابها اليأس والألم، وذلك لأن هذه الشعوب اليوم بإزاء نضال عنيف مستمر مع الدول القوية المتسلطة الاستعمارية، فهي تناضل في سبيل ما تنشده من حرية واستقلال، ومن شأن هذا النضال المستمر العنيف أن يساعد على تقوية عاطفة (الانفعال)، ومن شأنه أن يجعل الجو (مكهرباً) على الدوام، ومن شأنه أن يشجع على وجود التمرد حقيقة، وإذاً فطبيعي أن تغمر الأدب العربي هذه النزعة، وطبيعي أن يطغى تيارها الجارف ويسحق كل ما قد يجده أمامه من التيارات لأنه التيار الأقوى.
وبعد فما شأن هذه النزعة التمردية في الأدب الحديث؟ وما أثرها يا ترى؟
إن شأنها لجد عظيم، وأثرها المحمود لا يمكن أن ينكره المنكرون، فتلك النزعة الشريفة إن دلت على شيء فإنما تدل على أن (روح الحياة والطموح) قد دب دبيبها في نفوس الناطقين بالضاد، وهذا هو خير ما تثلج له الصدور، وليس احتياج العرب اليوم على اختلاف الظروف المحيطة بهم، بل ليس احتياج كل أمة تريد أن تتقدم وترتقي إلاّ إلى (روح الحياة والطموح) لأن وجود هذه الروح في الأمم هو أساس كل مجد وعظمة وتقدم وارتقاء (1) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :464  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 44 من 72
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.