شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الدكتور عبد الله سليمان مناع))
أسعد الله مساءكم ومساءكن بكل خير.
لقد كانت تتجاوز في هرم شخصية شاعرنا العبقري الفذ الذي نحتفل هذا المساء بمرور مائة عام على موعده، شخصيات عديدة، لكن جميعها من لحمه، من دمه وروحه وفكره. فلها ذات الحرارة.. ومن صدرها ذات الهواء.. ومن عينيها ذات الدموع، ولذلك كان طبيعياً أن نجد فيه شيئاً من اعتداد أبي الطيب، ونفس لا تجيب إلى خسيس، وعين لا تدار على نظير، وشيئاً من طموحه:
أريد من الأيام ما لا يريد سواي
ولا يجري بخاطره فكراً
وشيئاً من أحزان امرئ القيس:
كلانا إذ ما نال شيئاً أقاته
ومن يحرث حرثي وحرثك يهزل
شيئاً من زهد أبي العلاء:
وما كان لي البقاء اختياراً
لو أن الأمر مردود إليّ
وشيئاً من الأمل الخائف الذي كان ينبض في قلب كامل الشناوي:
كان لي في الحياة ما أريده
وكان عندي للحياة ما أعطيه
إن هذا التنوع والتعدد يتيح لي أن أستعير عبارة الشاعر الكبير نزار قباني في توصيفه لأبي الطيب بأنه "حادث شعري خارج سلطة الموت" لألصقها بشاعرنا الكبير المرحوم حمزة شحاتة.
لكني لن أتحدث عن بعض أو كل هذه الشخصيات المتزاحمة داخل هرمه، بل سأتحدث عن معاركه مع الآخرين وليس مع نفسه.
معركة حمزة شحاتة الأولى مع العواد، والتي بدأت مع أيام دراسته في مدرسة الفلاح التي كان يدرس بها الأستاذ العواد الأدب أو اللغة أو "الإنشاء" بلغة ذلك الزمان، لم يعرف أحد أسبابها. فالأستاذ عزيز ضياء وقد كان على الحياد، أنكر معرفته بأسبابها، بينما قال الشاعر الأستاذ محمود عارف، ربما في قصيدته "سطوة الحسن":
بعد صفو الهوى وطيب الوفاق
عزّ حتى السلام عند التلاقي
وقد تعود أسباب الخلاف إلى تلك الملاحظات التي كان يبديها العواد على شعر الشحاتة، وقد كان يعرضه عليه للاطلاع فكان أن عمد الشحاتة إلى تضمين قصائده -التي يعرفها- بعض الغمز من الأستاذ، واكتشف العواد ذلك، لتبدأ المعركة.
ولكن ربما كان اختلاف مدرسة العواد (وهي الديوان للعقاد وشكري) عن مدرسة أبوللو (التي يميل إليها الشاعر) هو السبب الرئيس، فكانت معركة امتدت زمنياً لخمسة عشر عاماً، وامتدت شعرياً لخمسمائة بيت في واحدة من قصائد العواد، فرد عليها شحاتة بخمسين صفحة من شعره، لكن العجيب أن أحداً من الشاعرين لم يوقع على أي من تلك القصائد باسمه الصريح، فقد اختار العواد رمزاً هو "البحر" واختار الشحاتة رمزاً هو "الليل". ودارت المعركة بين الليل والبحر، وكان ناقلها وحافظها والمروّج لها هو الأديب الأستاذ عبد السلام الساسي. فـ "العواد" شاعر عقل وفكر متمرد على الجمود وداعياً من دعاة هذا الجمود.. فصاغ وصنع ريادته وقسمته على تلك الأرض، والشحاتة شاعر عاطفة ووجدان وتأمل، أو كما قال الأستاذ الكبير عبد الله عبد الجبار عنه بأنه "يقف على نقطة الالتقاء، أو خط التماس بين الفلسفة والأدب"، فصاغ وصنع قمته، والحقيقة أن تلك المعركة، كانت من وجهة نظري، وكأنها "حلبة ميلاد شاعر حقيقي جديد ليس أكثر" كما قلت في محاضرتي التي ألقيتها عن حمزة شحاتة "قيثارة الشعر التي صمتت قبل الأوان" في نادي أبها الأدبي... وفي نهاية موسمه السياحي لعام 1412هـ-1992م واستمع إليها عدد محدود من الحضور لم يزد عن عشرين إلى ثلاثين مستمعاً، وهو ما جعلني أفكر في إلقائها ثانية في نادي جدة الأدبي أو غيره لكن ذلك لم يتم.
كانت معركته الثانية بسبب محاضرته "الرجولة عماد الخلق الفاضل" التي ألقاها في 28/12/1358هـ في جمعية الإسعاف الخيرية، واستغرق إلقاؤها أربع ساعات، وقوطعت بالتصفيق ثلاثين مرة، وكانت مثار إعجاب كاسح بين من استمعوا إليها جلوساً ووقوفاً. كانت المحاضرة بحق "بياناً اجتماعياً، أخلاقياً، تحليلياً، عامراً بالقيم والمثل والمعاني، والأفكار، ملامساً الكثير من سلبيات المجتمع والأفراد، داعياً للنهوض من رقدة التخلف"، وكانت إلى جانب ذلك بيان كفاية، وإعلان جدارة عن شخص وقدرات وملكات صاحبها وكاتبها ابن الثلاثين عاماً آنذاك. وقد قال فيها أحد كبار مثقفي ذلك الزمان الدكتور حسني الطاهر: "إن المحاضرة التي ألقيتها أمس، تكفي وحدها بأن تلقي في يديك زعامة الفلسفة والأدب في هذا البلد". لكن صديقه الأستاذ عبد الله عريف -لأسباب ذاتية أو بإيعاز من آخرين- كتب ينتقص من تلك الحماسة التي قوبلت بها المحاضرة من خلال مقال بعنوان "ضريبة الإعجاب" قال فيه: "إن كان هذا الحديث قد أعجب الناس، واستفز أفكارهم ونفوسهم، فليس لأنه خليق بأن يبلغ هذا المبلغ منهم، بل لأنهم جماعة والجماعة أقل تمييزاً من الفرد.. فهي أسرع استجابة". فرد عليه بست مقالات بعنوان "بين الجمال والنقد" نشرت في صوت الحجاز.. وفي كتاب حمار حمزة شحاتة الذي أصدره الأديب الأستاذ عبد الله الماجد عن داره (دار المريخ للنشر).
انتهت المعركة في الظاهر، بعد أن وضعت البذور لمعركة حمزة شحاتة الثالثة والختامية مع الوزير المفوض آنذاك، وهو الزعامة الإدارية والأدبية المحسومة محمد سرور الصبان. لم تكن هذه المعركة معركة أدبية خالصة.. بل كانت أقرب إلى السباق والتنافس بين قطب متربع أسر القلوب وملك الأفئدة هو الشيخ محمد سرور الصبان، وقطب صاعد يبحث عن صدارة وهو لا يملك غير ملكاته وإمكاناته الشخصية ورصيد أدبي متميز تتلألأ وسطه محاضرته الباهرة، ولذلك حكمت المعركة دبلوماسية طرفها المقابل، وتعالى طرفها الأساسي.. فلم تسمح لها بالظهور فوق سطح الحياة الأدبية والثقافية في ذلك الوقت.. لتبقى وكأنها معركة تحت الرماد.
بدأت المعركة بمواقف من الشيخ محمد سرور الذي كان عارفاً به وبقدره فكان قادراً على أن يدنيه من بعض حقه في الصدارة. وربما كان امتناع الشيخ عن ذلك لسبب مقال كتبه حمزة شحاتة عن الشيخ عبد الله السليمان.. قبل عام من المحاضرة وكان بعنوان "عظيم".
ظل الشحاتة صامتاً لخمس سنوات دون أن يحدث أي جديد في حياته أو على حياته، فكان قراره بالرحيل إلى مصر في عام 1364هـ (1944) أو في 1365هـ، ولكن قبل الرحيل أطلق آخر سهامه في تلك المعركة.. عندما توجه الشيخ محمد قائلاً في قصيدته التي جاءت بعنوان "نهاية":
اختر سبيلك التي تتجنب
وادنِ حبيبك الذي لا تقرب
حيث أوضح بعد ذلك:
صبرت وما صبر امرئ لم يعد له
على يأسه في ما يحاول مذهب
أيقدم والإقدام خطة يائس
رأى أن ضيق الموت للنفس أرحب
أيحجم والإحجام نسخة ساعة
سيعقبها عمر كريه معذب
تجددت المعركة عندما طلب الساسي من السرور أن يكتب له مقدمة كتاب "الشعراء الثلاثة" عن العواد والشحاتة والقنديل، والذي أصدره عام 1398هـ، فقد قال في مقدمته وفي تصديره: "إنهم ليسوا هم الشعراء الثلاثة ولا سواهم.. وكلهم شعراء ثلاثة"، فيرد عليه الشحاتة وبعد عام في مقدمته لكتاب "شعراء الحجاز" الذي أصدره الساسي نفسه عندما قال معرضاً بالشيخ محمد سرور الصبان: "ما زلت أرى أن الناس ينالون بالحظ أضعاف ما ينالون بجد المسعى حتى في دنيا الأدب والشعر والتقديم"، ليصور الشحاتة قصته كلها في قصيدة "حيرة... لفتاة بولاق التي أحبها" قائلاً:
"وبعد فلولا أنه كان شديد الإيمان بالله ورسوله وبالقدر خيره وشره، لكانت نهايته ملحمية كما تخيلها وصدّرها في كلماته الشفافة الرائعة التي تضمنها كتاب "رفات عقل": تقدم إلى المشنقة صامتاً.. لا تدافع عن نفسك أمام محكمة يشكلها أعداؤك".
لقد كان جميلاً ورائعاً من فناننا فنان العرب الأستاذ محمد عبده الذي نسأل الله له الشفاء العاجل.. أن يقوم بتلحين قصيدة سطوة الحسن وأن يجعلها مدخلاً لأغنيته التراثية الجميلة:
ما لي أراها لا ترد سلامي
هل حرمت عند اللقاء كلامي
أم ذاك شأن البيض يبدين الجفا
وفؤادهن من الصبابة دامي
وطابت ليلتكم.
عريفة الحفل: شكراً لسعادة الدكتور عبد الله سليمان مناع. الكلمة الآن لسعادة الأستاذ الدكتور عاصم حمدان علي وقراءة نقدية في بيان حمزة شحاتة الشعري.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :683  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 202 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثالث - النثر - مع الحياة ومنها: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج