((كلمة سعادة الأستاذ الدكتور حسن محمد باجودة))
|
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. معالي الأخ الكريم الأستاذ الدكتور مدني علاقي الذي يقوم مقام شيخنا الجليل الوجيه عبد المقصود خوجه نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمن عليه بالعفو والعافية. أيها الحفل الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والحقيقة، أن ما قيل عني هذه الليلة، هو فوق ما أستحق وما أتوقع والله سبحانه وتعالى يجزي الجميع خير الجزاء، وأن نكون عند حسن الظن. آمين. |
بالنسبة لمحطات حياتي العلمية أود أن أشير إلى بعض النعم التي أكرمنا الله سبحانه وتعالى بها، وفي مقدمة هذه النعم، نعمة الأمن والإطعام من الجوع، بسم الله الرحمن الرحيم لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ، إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَآءِ وَالصَّيْفِ، فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفِ (قريش: 1-4) صدق الله العظيم. وبشأن الأمور التي أود أن أتحدث عنها هي في الحقيقة أمور علمية وأود أن أشير إلى الحقول التي أكرمني الله سبحانه وتعالى، فكتبت فيها وهي مجموعة من الحقول، أولها رسالة الدكتوراه التي ناقشتها بفضل الله سبحانه وتعالى في اليوم الخامس والعشرين في شهر صفر من عام 1388هـ، وبفضل الله تعالى أوصت جامعة لندن بطبعها بالصورة التي قدمت فيها للمناقشة ولا أريد أن أشير إلى الثناء الذي قالته اللجنة، فهذا ما أحتفظ به لنفسي. |
المحطة الثانية أو الموضوع الثاني، تأملات في كتاب الله تعالى. وهذا المشروع استغرق مني ثلاثاً وعشرين سنة درست فيها تسعة عشر سورة من القرآن الكريم، في زهاء عشرة آلاف صفحة. وهذه السور تزيد على ثلث القرآن الكريم، وتقل عن النصف، وبفضل الله سبحانه وتعالى، افتتحت رابطة العالم الإسلامي في عام 1400هـ، هذه السلسلة في كتاب التأملات في سورة الفاتحة. أول كتاب كتبته في هذه السلسلة، والوحدة الموضوعية في سورة يوسف عليه الصلاة والسلام، وهذا الكتاب بفضل الله سبحانه وتعالى، هو الكتاب المقرر في الكثير من الجامعات في إعجاز القصة القرآنية، وآخر جامعة قررته هي جامعة الملك فيصل، رحمه الله تعالى رحمة واسعة. |
المشروع الثالث هو التفسير البسيط للقرآن الكريم الذي عكفت عليه زهاء عشرين عاماً، وكتبت فيه ثلاثين مجلداً وبفضل الله تعالى تم طبع ثمانية وعشرين جزءاً وبقي جزءان اثنان. قصة هذا التفسير حينما أكرمني الله تعالى برئاسة لجنة التحكيم لمسابقة الملك عبد العزيز العالمية 1402هـ طلب منا معالي الشيخ عبد الوهاب عبد الواسع، رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، أن نلتقي في الرياض عام 1403هـ والتقينا في الرياض وكانت المسابقة قد بدأت دورتها الرابعة وأوشكت أن تبدأ الخامسة فكان هنالك رأي منه أن توزع بعض الكتب أو إذا أمكن عمل تفسير، وفي الاجتماع عرض عليّ أن أقوم بهذا التفسير فقلت: إن شاء الله، ولكن أرجو في القرار الذي يتخذ أن يوضع بين قوسين "إن شاء الله". وفعلاً عملت الجزء الأول وكان ذلك فاتحة خير وطبع قبل المسابقة العالمية الرابعة، وعكفت زهاء عشرين عاماً، وعملت هذا التفسير الذي انتهيت منه في آخر يوم في عام 1423هـ، وكأن الله سبحانه وتعالى استجاب دعائي بأن أنهي في ذلك العام التفسير. |
هنالك مشروعات أخرى تتعلق بالقرآن الكريم وهي سلسلة تحت عنوان "لمحات في إعجاز القرآن الكريم" وهي دراسات مستلة من تأملاتي، ولكن هناك إضافات كثيرة جداً لأن القرآن الكريم بحر ولا تنقضي عجائبه. ما أكثر الأعمال التي كلفتني بها رابطة العالم الإسلامي وطبعت مشكورة هذه المؤلفات وهذه المحاضرات بالإضافة إلى جهات أخرى، وأنا حريص بشأن كل مؤتمر ألا أذهب إليه إلا وقد عملت بحثاً. بفضل الله تعالى مؤلفاتي ودراساتي تزيد على مئة وخمسين مؤلفاً ودراسة. وبعد أن انتهيت من عمل التفسير شرح الله تعالى صدري كي أكتب السيرة النبوية من القرآن الكريم نثراً، فلماذا أنا فكرت في هذا؟ لأنه لا يستطيع الإنسان أن يكتب السيرة النبوية من القرآن الكريم كما ينبغي أن تكتب ما لم يكن قد انتهى من تفسير القرآن الكريم، وليس قراءة الآخرين بشأن تفسير القرآن الكريم، لأن هناك آراء مختلفة من العلماء بشأن أسباب النزول والذي يفصل في هذه الاختلافات هو النص القرآني نفسه، ومكثت خمسة شهور وأنا سعيد بالقراءة الحرة، وغير المقيدة بأي شيء، وما كتبت حرفاً واحداً سوى بعض القصاصات التي ظننت أنها سوف تفيد. ثم بعد ذلك وجدت نفسي في صحيح الإمام مسلم، وبشأن الحديث الذي رواه واثلة بن الأسقع بشأن اصطفاء الله سبحانه وتعالى محمداً صلى الله عليه وسلم، من بني هاشم واصطفاء قريش واصطفاء كنانة الذي هو في صحيح الإمام المسلم. هذا الصحابي الجليل جاء إلى النبي صلوات الله عليه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتهيأ لغزوة تبوك، فصلى الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلننظر إلى خلق -النبي صلى الله عليه وسلم- العظيم، فبعد الصلاة النبي صلى الله عليه وسلم يصافح كل الذين في المسجد فرداً فرداً، وصافح النبي صلى الله عليه وسلم واثلة بن الأسقع فقال له: من أنت، فقال: أنا فلان، أريد أن أسلم ففرح النبي صلى الله عليه وسلم فرحاً شديداً به، وفي هذا الوقت كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعد لغزوة تبوك، واثلة كان فقيراً وكان في الأيام القلائل من أهل الصفة وهم مجموعة من الفقراء الذين يلازمون النبي صلى الله عليه وسلم من أجل العلم، وهم أول من يذهب إلى الجهاد وآخر من يعود منه. وكان هذا أحد البكائين، وسورة التوبة أشارت إلى هؤلاء البكائين، وكان واثلة منهم وإن شاء الله أن يتطوع بعض أصحاب الصفة من هؤلاء البكائين وكان كعب بن عجرة الصحابي الجليل الذي نزلت فيه الآية من سورة البقرة بشأن الأذى في الرأس وهوام الشَّعر حينما كان هنالك صلح الحديبية. وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (البقرة: 196) هذه الآية الكريمة نزلت خاصة لكعب بن عجرة وهي في المسلمين بعامة، فكعب بن عجرة عرض على واثلة أن يحمله إلى تبوك وفي المقابل قال واثلة أنا سأعطيك بالمقابل كل ما أحصل عليه من غنائم، لم يكن كعب يريد شيئاً من واثلة ولكن تظاهر بقبول هذا العرض على أساس أنه إذا آثر واثلة في الراحلة وبالطعام لن ينسى ذلك، فحينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي الرجلين على الناقة تمراً كان كعب بن عجرة يؤثر واثلة بنصف التمرة أو بالنواة، فيظل واثلة طوال اليوم وهو يمص هذه النواة والشيء نفسه يقال بالنسبة للراحلة. |
وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، وفر هرقل، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أكيدر في دومة الجندل في 420 شخصاً، وشاء الله سبحانه وتعالى أن يكون في هذه السرية كل من واثلة وكعب بن عجرة وانتصر خالد رضي الله عنه وتحصل على الغنائم وكان من نصيب كل من واثلة وكعب ست نياق، وكان كعب بن عجرة في مكانه ظهراً في وقت القائلة وإذا بشخص يضرب الباب فخرج وقال: ماذا تريد؟ هذه الناقات الست التي اتفقنا عليها فما كان منه إلا أن ضم واثلة قال له: يا أخي أنا ما أردت منك شيئاً، وأرفع عنك الحرج، وضمه وقبل رأسه، وقال له: بارك الله سبحانه وتعالى لك فيما أعطاك. |
الحقيقة أن هذه المروءات الإسلامية هزتني هزاً، فقررت أن أبدأ كتابة السيرة النبوية نثراً وأمسكت بالقلم بعد خمسة شهور، وإذا بي أكتب السيرة العطرة شعراً، وفتح الله سبحانه وتعالى فكتبت ثماني وثلاثين قصيدة في السيرة العطرة، ورباعيتين اثنتين، ثم بعد ذلك أكرمني الله فكتبت ديوان مجد الإسلام، وأكرمني الله سبحانه وتعالى فكتبت سير الخلفاء الراشدين الأربعة، أبو بكر في القصيدة البكرية، في 2390 بيتاً في بحر واحد وروي واحد، وكل القصائد هذه كل واحدة في بحر واحد وروي واحد، هذه القصيدة العمرية في 2121 بيتاً، وأنا تعمدت أن لا تكون أكبر من قصيدة أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وكتبت القصيدة العثمانية في 838 بيتاً، ثم القصيدة العلوية في 608 أبيات لأن القلب لم يستطع أن يتحمل معركة صفين ولا الجمل ولا النهروان، ومن ثم كانت الحصيلة قصيرة، ثم بعد ذلك أكرمني الله سبحانه وتعالى فكتبت القصيدة المصعبية في سيرة مصعب بن عمير رضي الله عنه، وهذه القصيدة كتبتها في 713 بيتاً، وكل هذه الأعمال هي الآن، طبعاً يعني طبعت السيرة النبوية في أربعة مجلدات وطبعت البكرية والعثمانية والعمرية وطبعت العثمانية الآن في القاهرة والعلوية أيضاً في المطبعة وكذلك المصعبية، وأنا أصحح الآن في الصورة الأخيرة القصيدة الرواحية في سيرة عبد الله بن رواحة في 876 بيتاً. ثم أكرمني الله سبحانه وتعالى فكتبت القصيدة الخالدية في سيرة خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه وهي أمامكم في ثلاثة مجلدات في بحر واحد وروي واحد في 5581 بيتاً في 637 صفحة، كتبت أيضاً بعد ذلك القصيدة الخبيبية في سيرة خُبيب بن عدي الأنصاري العلسي وهي في 532 بيتاً، والبارحة أكرمني الله فانتهيت من السيرة القصيدة الياسرية في سيرة آل ياسر، في 735 بيتاً مجموع الأبيات 26135 بيتاً هذا عدا ديواني الشعري، وعدا رسالتي للدكتوراه. |
الليلة هذه إن شاء الله سوف يقتصر حديثي على مؤلف واحد من بين 150 مؤلفاً بفضل الله تعالى وهو السيرة النبوية الفترة المكية وفيها اثنتان وعشرون قصيدة في 2514 بيتاً. القصيدة الأولى التي أشرت إليها والتي هزتني هزاً وقعت في أربعين بيتاً سأقرأ لكم عدداً من الأبيات: |
شي عجيب أن أبدأ قصيدة في الفترة المكية بقصيدة عن غزوة تبوك وهي آخر غزوات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. فأنا قلت في هذه القصائد: |
كان الرسول مضى في الشهر من رجب |
وعاد في رمضان الفارس البطل |
|
في القصيدة التي تتحدث عن غزوة تبوك وأود أن أشير إلى رباعيتين ثلاث في واحدة السيرة النبوية العطرة، وختمت برباعية هذه السيرة، وأنا أقول في الرباعية الأولى كتبتها بعد هذه القصيدة فماذا قلت: |
وبعد انتهاء السيرة، أيضاً كتبت رباعية: فأنا الآن أذكر أبياتاً من القصيدة الأولى: |
|