شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ الدكتور محمد علي البار))
الحمد لله الذي امتن على الإنسان بأن علمه القرآن والبيان قال تعالى: ٱلرَّحْمَنُ، عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ، خَلَقَ ٱلإِنسَانَ، عَلَّمَهُ ٱلْبَيَانَ (الرحمن: 1-4) وانتقل المولى سبحانه وتعالى من إعجاز بيان كتابه إلى إعجاز تكوين خلقه فقال عز من قائل: ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ، وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ، وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ، أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي ٱلْمِيزَانِ، وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ، وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ، فِيهَا فَاكِهَةٌ وَٱلنَّخْلُ ذَاتُ ٱلأَكْمَامِ، وَٱلْحَبُّ ذُو ٱلْعَصْفِ وَٱلرَّيْحَانُ، فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ، خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ، وَخَلَقَ ٱلْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ، فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ، رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ، فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ، مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ، فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تِكَذِّبَانِ (الرحمن: 5-21).
والتقت أنواع الإعجاز البياني والصوتي والتشريعي والعلمي في هذه الآيات البالغة الدقة والصدق والبيان.. حتى أن من يسمعها من قارئ متقن كالشيخ رفعت تنتابه حالة من النشوة يفقد فيها السيطرة على نفسه، بسبب جمال النظم ودقة الجرس وكمال المعنى والتشابك اللفظي بين النجم وهو ما لا ساق له من النبات والشجر وهو ما له ساق، وبين رفع السماء ووضع الميزان في هذا الكون الدقيق بحيث لو زادت ذرة لاضطرب الكون ولو نقصت ذرة لاضطرب الكون. فلا بد إذن من هذا التوجيه الرباني أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي الْمِيزَانِ (الرحمن: 8) وتشمل جميع الموازين الظاهرة والخفية والدقيقة والكبيرة. فأي خلل في مواد الجسم وهرموناته تقاس بالميكرون (واحد على مليون من الجرام) والبايكوجرام (واحد على بليون من الجرام) والنانوجرام (واحد على تريليون من الجرام) يمكن أن تؤدي إلى اختلال الميزان واختلال الصحة.
وهناك علوم واسعة اندرجت في علم النانو والنانو تكنولوجي وهي أمور لا تخطر ببال بسبب ضآلتها وحقارة وزنها وحجمها. ومع ذلك فإن كشف بعض أسرارها فتح آفاقاً رحبة للإنسانية وعلومها. وهناك النانوميتر (واحد على تريليون من المتر). والعكس صحيح في الأوزان والمسافات الخرافية.
ولا بد من إقامة ميزان العدل في حياة الإنسان، بينه وبين نفسه، وبينه وبين الآخرين من بني البشر، وبينه وبين البيئة، وبينه وبين ربه. أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي الْمِيزَانِ (الرحمن: 8) فإذا اختلَّ هذا الميزان وطغى في أحد جانبيه اختلَّ كل شيء وانهار كل شيء وفسد كل شيء.
فلا بد إذن من إقامة الميزان وَأَقِيمُواْ الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ الْمِيزَانَ (الرحمن: 9).
وتندرج تحت كلمة الميزان ومدلولاتها علوم لا حصر لها في الطب وعلم الفسيولوجيا وعلم الأمراض. وفي علوم الأرض وفي الأرصاد الجوية وفي الفلك بل وفي كل العلوم ومناحي الحياة.. فإذا لم نُقمْ الوزن بالقسط والعدل اختل نظام المجتمع وفسد وأسن واضطرب وماد وهاج وماج، وغرقت السفينة بمن فيها. وكذلك إذا لم نقم الوزن بالقسط في بيئتنا وما حولنا فسدت واضطربت وتحولت إلى موجات تسونامي عاتية تدمر الأخضر واليابس وتحطم السدود والمباني وتعيث في الأرض فساداً. كذلك يؤدي هذا الفساد والإفساد في الميزان إلى الاضطرابات الجوية وموجات فيضانات عارمة تغرق فيها الأرض ويهلك فيها الضرع والزرع في جهات معينة من الأرض تقابلها جهات أخرى تعاني من انقطاع المطر وغياب الحياة وموت الأرض ومن عليها ومن شجر وبشر وحيوان وإنسان.
ويمنّ المولى سبحانه وتعالى بأنه قد وضع الأرض للأنام وقدّر فيها أقواتها وأرزاقها، وأخرج منها ماءها ومرعاها.. قال تعالى وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ، فِيهَا فَاكِهَةٌ وَٱلنَّخْلُ ذَاتُ ٱلأَكْمَامِ، وَٱلْحَبُّ ذُو ٱلْعَصْفِ وَٱلرَّيْحَانُ، فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (الرحمن: 10-13).
ثم لفتة سريعة في خلق الإنسان من هذه الأرض من الطين اللازب الذي يبس حتى صار كالفخار خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (الرحمن: 14) وأما الجانّ فقد خلقهم من مارج (لهب صافٍ) من نار. فبأي آلاء ربكما تكذبان؟
نعم أيها الإنس والجن بأي من آلاء ربكما تكذبان.. وقد أجاب مؤمنو الجن فقالوا: لا تكذّبُ بأيٍ من آلاء ربنا ولك الحمد.. وقام المصطفى صلى الله عليه وسلم بتعليم أصحابه وأمته من الإنس بأن يقولوا كما قالت الجن: لا نكذب بأي من آلاء ربنا، ربنا ولله الحمد عند قراءتهم لهذه السورة الفذّة المباركة.
ويا له من قرآن ما لبثت الجن حين سمعته أن قالت: إنا سمعنا قرآناً عجباً قال تعالى قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً، يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَدًا (الجن: 1-2)، كما قال في سورة الأحقاف وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُواْ أَنصِتُواْ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ (الأحقاف: 29). قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه، يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا قَالُواْ يَا قَوْمَنَآ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ، يَا قَوْمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَآمِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّن عَذَابٍ أَلِيمٍ، وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ ٱللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءُ أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (الأحقاف: 30-32).
والصلاة والسلام على البشير النذير أفصح العرب والعجم وأجملهم منطقاً وبياناً وأحسنهم خلقاً وأدباً وتبياناً. أتاهم بالقرآن وجاهدهم به فنفروا منه وَاسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُواْ اسْتِكْبَارًا (نوح: 7). وقالوا: لَا تَسْمَعُواْ لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (فصلت: 26) خوفاً منه ومن بيانه ونوره وألقه وجماله.
وذهبت قريش إلى عتبة بن ربيعة حتى يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب إليه وقال: "يا ابن أخي، إنك بنا حيث قد علمت. وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرّقت به جماعتهم، وسفهّت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفّرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلّك تقبل بعضها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل يا أبا الوليد. أسمع. قال: يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا. وإن كان الذي يأتيك رئيًّا تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك، طلبنا لك أطباء، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك". فلما فرغ عتبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة فصلت إلى السجدة، فلما سمع عتبة أنصت لها، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد أبو الوليد.
فقام عتبة إلى أصحابه بوجه غير الذي ذهب به فلما جلس إليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي إني قد سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة. يا معشر قريش أطيعوني وخلّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد، قال: هذا رأيي فيه.
ثم ها هو الوليد بن المغيرة المخزومي يردُّ على أبي جهل حين كرَّر عتابه على مدحه للقرآن فقال الوليد: "والله ما في قريش من رجل أعلم بالشعر أو رجزه أو قصيده مني. لا والله ما يشبه الذي يقول محمداً شيئاً من هذا الشعر أو ذلك الرجز، ووالله إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو وما يُعلى، وإنه ليحطم ما تحته. فقالت قريش: صبأ والله الوليد، لتصبأن قريش كلها!!
فقال أبو جهل أنا أكفيكموه، فتوجه إليه وكلمه بما أحماه فقال الوليد: زعمتم أنه مجنون وما هو بخفته ووسوسته. وزعمتم أنه كاهن فما هو بسجهه وهمهمته، وزعمتم أنه شاعر وما هو بشاعر، وتزعمون أنه كذّاب، فهل جرّبتم عليه كذباً قط؟
قال أبو جهل: يا عم والله لا ترضي قومك حتى تقول فيه قولاً. فقال دعوني: أفكر، ففكر وقدر. وقال: إن هذا إلاّ سحر يؤثر، فنزل قول الله تعالى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً، وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُودًا، وَبَنِينَ شُهُودًا، وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا، ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ، كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا، سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا، إنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ، فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ نَظَرَ، ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ، ثُمَّ أَدْبَرَ وَٱسْتَكْبَرَ، فَقَالَ إِنْ هَذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ، إِنْ هَذَآ إِلاَّ قَوْلُ ٱلْبَشَرِ، سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (المدثر: 11-26).
وقال تعالى في سورة (ن) عن هذا الوليد المستكبر وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ، هَمَّازٍ مَّشَّآءِ بِنَمِيمٍ، مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ، عُتُلِّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ، أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ، إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ، سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ (القلم: 10-16).
وخير ما قيل في القرآن ما رواه الترمذي في سننه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألا إنها ستكون فتنة. فقلتُ: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحُكُمُ ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبّار قصمَهُ الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم. هو الذي لا يزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخَلَقُ على كثرة الردّ، ولا تنقضي عجائبه. هو الذي لم تنته الجنُّ إذ سمعته حتى قالوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا، يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ (الجن: 1). من قال به صدق، ومن عمل به أُجر، ومن حكم به عَدَل، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم". (سنن الترمذي باب ما جاء في فضل القرآن، الحديث رقم 3070، قال عنه: حديث غريب).
وقال صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن وعلمه (أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح) وللقرآن الكريم حلاوة وطلاوة وتأثير عجيب في النفوس. قال الخطابي: "فإنك لا تسمع كلاماً غير القرآن منظوماً ولا منثوراً إذا قرع السمع خلص له القلب من اللذة والحلاوة من الحال. ومن الروعة والمهابة في حال آخر".
وقال الزركشي في مقدمة كتابه البرهان في علوم القرآن عنه "فهو العصمة الواقية، والنعمة الباقية والحجة البالغة والدلالة الدامغة، وهو شفاء الصدور والحكم العدل عند مشتبهات الأمور. وهو الكلام الجزل، وهو الفصل الذي ليس بالهزل، سراج لا يخبو ضياؤه، وشهاب لا يخمد نوره وسناؤه. وبحر لا يدرك غوره بهرت بلاغته العقول، وظهرت فصاحته على كل مقول، وتظافر إيجازه وإعجازه وتظاهرت حقيقته ومجازه، وتقارن في الحسن مطالعه ومقاطعه، وحوت كل البيان جوامعه وبدائعه... إلى أن قال: كل كلمة منه لها من نفسها طرب ومن ذاتها عجب، ومن طلعتها غُرّة، ومن بهجتها دُرَّة.. فَلَه على كلام سلطان وإمره، بهَرَ تمكّن فواصله، وحسن ارتباط أواخره وأوائله، وبديع إشاراته، وعجيب انتقالاته، من قصص باهرة إلى مواعظ زاجرة، وأمثال سائرة وحكم زاهرة وأدلة على التوحيد ظاهرة، وأمثال بالتنزيه والتحميد سائرة، ومواقع تعجب واعتبار ومواطن تنزيه واستغفار، إن كان سياق الكلام ترجيةً بَسَط وإن كان تخويفاً قبض، وإن كان وعداً أبهج، وإن كان وعيداً أزعج، وإن كان دعوة حدب، وإن كان زجرة أرعب، وإن كان موعظة أقلق، وإن كان ترغيباً شوّق". ثم قال: يملأ القلوب بُشرا، ويبعث الفراغ عبيراً ونشراً، يحي القلوب بأوراده. وهذا سماه الله روحاً فقال يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ (غافر: 15) فسمّاه روحاً لأنه يؤدي إلى حياة الأبد ولولا الروح لمات الجسد... وإنما يفهم بعض معانيه ويطلع على أسراره ومبانيه، من قوي نظره، واتسع مجاله في الفكر وتدبره، وامتد باعه ورقّت طباعه، وامتدّ في فنون الأدب، وأحاط بلغة العرب.
ونحن نحتفي الليلة بعلم من أعلام الأمة في مجال إعجاز القرآن وبيانه هو الشيخ الأستاذ الدكتور حسن محمد باجودة الذي أثرى المكتبة العربية بمائة وخمسين بحثاً وكتاباً، وعكف على التفسير البسيط للقرآن الكريم الذي وضعه لمسابقة الملك عبد العزيز الدولية في ثلاثين مجلداً أخذت منه زهاء عشرين عاماً من الجهد والعمل.
وله مجموعة دراسات أدبية عن القرآن الكريم، والقِصة في القرآن الكريم والوحدة الموضوعية في سورة يوسف وهذا الأخير كتاب مقرر في منهج كثير من الجامعات في إعجاز القرآن الكريم في القصة القرآنية.
وله سلسلة تأملات في سور القرآن الكريم. وافتتحت سلسلة دعوة الحق التي أصدرتها رابطة العالم الإسلامي بكتابه "تأملات في سورة الفاتحة".
وشاهد الملايين برنامجه التلفزيوني: "مدرسة القرآن". وهو برنامج أسبوعي مدته نصف ساعة لمدة تسع سنوات ونصف، سجّل فيه زهاء ستمائة حلقة فكم أثرى وكم دعا إلى مائدة القرآن الكريم لينهل منها من أراد الله له الخير والسعادة في الدنيا والآخرة.
وقد سمعته مرات من الإذاعة السعودية ومحطة القرآن الكريم وهو يجذب القلوب إلى القرآن الكريم والسنة المطهرة.
وكم درّس من أجيال وأخرج من باحثين وعلماء في مجال الدراسات القرآنية الأدبية والبيانية والإعجازية.
وهو عضو الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمكة المكرمة ثم صار أمينها العام ونائباً لرئيس الجمعية.
وعمل رئيساً للجنة تحكيم مسابقة الملك عبد العزيز العالمية منذ عام 1402هـ وحتى عام 1426هـ أي لمدة ربع قرن من الزمان. كما مثّل المملكة العربية السعودية حكماً في مسابقات القرآن الكريم العالمية في ماليزيا ومصر وإيران منذ عام 1402هـ إلى يومنا هذا. وهو أيضاً رئيس لجنة تحكيم مسابقة سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز للقرآن الكريم والسنة النبوية التي تعقد في جاكرتا (أندونيسيا) سنوياً لدول جنوب شرق آسيا.
وهو إلى جانب ذلك كله عضو في المجلس الأعلى للمساجد في رابطة العالم الإسلامي.
نحن أمام رجل عملاق امتلأت حياته بجلائل الأعمال منذ أن تخرج من كلية الآداب بجامعة القاهرة سنة 1962م/1382هـ وحتى حصوله على درجة الدكتوراه من جامعة لندن عام 1968م/1388هـ في رسالته: "شعر أهل المدينة المنورة حتى نهاية عصر بني أمية مع دراسة نقدية". وقد استلّ من تلك الرسالة ثلاث مجموعات شعرية هي: ديوان شاعر رسول الله وشهيد مؤتة عبد الله بن رواحة، رضي الله عنه وأرضاه، وديوان قيس بن الأسلت الأوسي، وديوان أحيحة بن الجلاح الأوسي وهما جاهليان.
وعمل في السلك الجامعي التعليمي ابتداءً من وظيفة معيد في قسم اللغة العربية إلى وظيفة رئيس لقسم اللغة العربية بكلية الشريعة ثم مؤسساً ورئيساً لقسم اللغة العربية للدراسات العليا بجامعة أم القرى، وكم له من جهود أكاديمية وإدارية في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى.
وكم تخرج على يديه من أجيال، وكم أشرف على رسالات الماجستير والدكتوراه في المملكة العربية السعودية وفي أستراليا بجامعة سيدني التي عمل بها أستاذاً زائراً، ثم جامعة القائد الأعظم في إسلام أباد.
وكانت همّته عالية لا تعرف الكلل ولا الملل، فكان يدرّس عشر مواد في جامعة أم القرى بسبب نقص الكوادر والأساتذة. ويا له من جهد جبار لإيجاد أجيال تتربى على تذوّق لغة العناد، لغة القرآن، فكم درّس من مواد في اللغة العربية والأدب العربي والدراسات الأدبية القرآنية والدراسات الأدبية من السنة المطهرة ومواد العروض والقوافي.
وهو يكلُّ ولا يملُّ من العمل سواء كان في مكة المكرمة ومهبط الوحي أو في جدة أو في الرياض أو في أندونيسيا أو في أستراليا أو في أفريقيا ممثلاً لرابطة العالم الإسلامي في العديد من مؤتمراتها.. وما أكثر مسابقات القرآن الكريم التي رأس تحكيمها أو اشترك في لجان التحكيم فيها.
ومع ذلك كله يجد الوقت ليكون عضواً في لجنة ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية، وعضواً في العديد من اللجان المتعلقة بالقرآن والسنة المطهرة وتعليمها.
وأغرب من ذلك أن ينظم السيرة النبوية من القرآن الكريم ثم سيرة الخلفاء الراشدين ومصعب بن عمير وعبد الله بن رواحة (ديوان مجد الإسلام) ومجموع أبياتها 19319 بيتاً. منها 11,773 في السيرة المطهرة نشرت في أربعة مجلدات.
وكم له من دراسات أدبية عن الحديث النبوي.
وله ديوان شعر به زهاء مائة رباعية.
إننا أمام ثروة هائلة في الأدب واللغة اشتبكت وتوثقت روابطها ولحمتها بالقرآن الكريم والسنة المطهرة.
فجزى الله الأستاذ الدكتور العلامة حسن محمد باجودة عن أمة الإسلام خير الجزاء وزاده رفعة ومكانة في الدنيا والآخرة بجهاده في إيصال القرآن وتفهمه إلى ملايين المسلمين. وجزى الله صاحب الاثنينية الأستاذ الشيخ عبد المقصود خوجه على احتفائه بهؤلاء الأعلام وتكريمهم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :807  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 120 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.