((كلمة الدكتور يوسف العارف))
|
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. |
... وأنا أستعد لقراءة هذا العلم المضيء في سماء حركتنا الثقافية عبر خطابنا الديني الذي نتثاقفه صباح مساء عَبْر منابرنا الثقافية والدينية والإعلامية، أحسست أنني أمام بحر محيط كلما اقتربت منه ابتعد عنك ساحله!! |
عبد الله بن سليمان بن منيع -هكذا من دون ألقاب- من جيل العلم والمعرفة التقليدية التي حصَّنَت نفسها بالتمدرس الشرعي منذ التعليم الابتدائي في شقراء وحتى الشهادة الجامعية من جامعة الإمام محمد بن سعود، والماجستير من المعهد العالي للقضاء في الرياض. |
ومن جيل الأساتذة في المعاهد العلمية إلى العمل القضائي والدعوي والفتوى حتى وصل إلى هيئة كبار العلماء. |
من جيل صنع نفسه، وبنى معرفته بجهد لا يقبل الكلل، وعمل لا يعرف الملل، حتى أصبح علماً مضيئاً ننجذب إليه ونستمتع بعلمه، ونستفيد من طروحاته ومواقفه العملية. |
فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع -هكذا بما يحمله من ألقاب وبما يستحقه أكثر من هذه الألقاب- قرأته في عهد مبكر من حياتي العلمية والمعرفية، قرأته من خلال كتابه الصِّدَامِي "حوار مع المالكي في رد منكراته وضلالاته" الصادر عام 1403هـ قبل ربع قرن من اليوم.. ووقفت على صلابة في الرأي، وحزم في الطرح، وقوة في الحجة، وعدم التسامح والوسطية.. قرأت عبارات من مثل: "إلاّ أنه مع الأسف بعد أن شب عن الطوق ووصل إلى درجة يفترض أنها بداية النضج الفكري، أخذ ينحدر في فكره وعلمه ومعتقده ونوّع اتجاهه إلى حال من السخافة وسوء المعتقد والدعوة إلى الذرائع الموصلة إلى الوثنية والجاهلية.." إلخ (ص7 من الكتاب المذكور). |
ومن مثل قوله: "وإذا كنا نعذره في ذلك فلأن هذه عادة وطريقة أهل البدع والمحدثات..." ص185 من الكتاب المذكور. |
وقرأته في مرحلة متأخرة فوجدت في طروحاته انفتاحاً على العصر وعلى مسائله الشائكة في ما يتعلق بالمصارف والبنوك، وما يتعلق بقيادة المرأة للسيارة، وما يتعلق بالمسعى وتوسعته ورأيه في مصافحة النساء وكلها تدل على انفتاح في الرأي، وتسامح كبير ووسطية محمودة. |
ففي ما يتعلق بالمصارف والبنوك نجده يقول: |
"إن المتاجرة في الأسهم مباحة إذا كانت في شركات نشاطها الأصلي مباح، وأما السندات فلا يجوز التعامل بها مطلقاً فهي ربا لا يجوز بيعها ولا شراؤها لأن النقود لا يجوز المتاجرة فيها إلاّ بشروط المصارفة" (موقع الإسلام اليوم 23/4/2008). |
ويقول: "إن موضوع التأمين الآن يُعدّ من أعظم المسائل التي يجب أن تعطى ما تستحقه من الدراسة والنظر بشرط أن يكون ذلك ممن هم أهل لدراسته والاجتهاد فيه لبيان حقيقته" (المرجع السابق نفسه). |
وإذا زرنا البنوك والمصارف وجدنا فضيلته أحد الأسماء الشرعية التي يعتمدون عليها في تسويق معاملاتهم وأعمالهم المصرفية مختومة بتوقيعه كعضو في المراقبة والفتوى الشرعية، وله في ذلك العديد من الإسهامات التي أوصلت نسبة المصرفية الإسلامية في البنوك السعودية إلى 56%، وأنها في تطور مستمر وعراك دائم مع المصرفية التقليدية وأن البنوك العالمية والدولية استحدثت إدارات خاصة بالمصرفية الإسلامية مثل إنجلترا واليابان والصين (كما يقول في ندوة الخدمات المصرفية المباركة الرابعة التي عقدها البنك العربي الوطني). |
وفي ما يتعلق بقيادة المرأة للسيارة فهو ما صدع به في مؤتمر الحوار الوطني الثالث الذي عقد في المدينة المنورة عام 1425هـ، حيث كان له رأي إيجابي عندما قال: "إنه لو كانت النساء اللاتي يطلبن قيادة السيارة في السعودية مثل المشاركات في الملتقى لما تردد في السماح به، لكننا في الواقع أمام فتيات مراهقات وشبان مراهقين وأمام تحديات.."، إلى أن يقول: "ونحن في الواقع نمنع أي وسيلة أو ذريعة توصل إلى ما يهين المرأة فهن بناتنا وأخواتنا وزوجاتنا والواحدة منهن كالجوهرة". |
وأما في ما يتعلق بتوسعة المسعى بالحرم المكي الشريف فتكفينا الإشارة إلى ذلك الحوار العميق والرأي السديد الذي رد به على طروحات زميله في هيئة كبار العلماء الشيخ صالح الفوزان، مما يدل على موسوعيته وصدعه بالحق الذي يراه. |
وأما ما يتعلق بمصافحة النساء فإنه يرى أنه لا مانع من ذلك ويجوز في الحالات الاستثنائية مع أنه يرى -في الآن نفسه- حرمة ذلك بالعموم. |
هذه مداخل -أراها رئيسة وهامة- للتحاور مع ضيفنا الكريم، أو هي مفاتيح لسبر غور هذا البحر المحيط أو الوقوف على ساحله إذا استطعنا. وأحسب أنها -بآخره- مجالات لفهم هذه الشخصية الإشكالية التي أوجدت لنفسها مساحة كبيرة من الحب والتأييد والحوار الهادف البنّاء. |
ولعلّ هذه الورقة التي أقدمها بين يدي هذا اللقاء المبارك تبحث عن إجابة لسؤال كبير: |
هل الزمن.. والنضج المعرفي/العلمي/الشرعي.. وتغير الواقع، أدى بفضيلة الشيخ إلى التطور المرحلي من صدامي الطرح والرؤية، إلى عقلاني الفكر والنظرة، إلى ما نسميه الآن بـ "فقه الواقع" و "واقعية الفقيه"؟ |
إن ضيفنا -هذه الليلة- شخصية إشكالية، مفاتيحها متعددة، نحتفي بها لنحاورها، ونتثاقف معها، ونستفيد من مخزونها العلمي والشرعي والفكري والثقافي، فنحن أمام مفاتيح ومداخل ثلاثة للحوار مع فضيلة الشيخ ألخصها في ما يلي: |
- ابن منيع المخالف والمختلف مع أصحاب المذاهب والطرق ومع زميله في هيئة كبار العلماء. |
- ابن منيع والمصرفية الإسلامية ما لها وما عليها. |
- ابن منيع وقضايا المرأة. |
وختاماً أيها الشيخ الفاضل، |
أيها الحضور الكريم، |
نحن -هذا المساء- مع عالم رباني، ومفتٍ واقعي، وفقيه مستنير. |
سعيدون بوجودك بيننا.. مبتهجون بحواركم معنا، حفيون بكم وبطروحاتكم التي نتتلمذ عليها فمرحباً بكم. |
والحمد لله رب العالمين.. |
عريف الحفل: شكراً للدكتور يوسف العارف، أيها السادة والسيدات، نذكركم أن مجال الأسئلة سيكون بعد أن نستمع إلى فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع، في كلمته في هذه الأمسية، ستتاح بعد ذلك الأسئلة من قبل الإخوة هنا، والأخوات في القسم النسائي، على أن يطرح السؤال من قبل سائله، يذكّر باسمه ومهنته، ثم يطرح سؤاله، ونرجو أن يكون سؤالاً واحداً ومختصراً، بإذن الله تعالى، ثم نذكركم أن الاثنينية ستمتد إلى وقتها المحدد وهو الحادية عشرة، والآن نستمع وإياكم إلى فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع، عضو هيئة كبار العلماء، والمستشار بالديوان الملكي، ضيفنا المحتفى به هذه الليلة، ليتحدث لنا عن حياته العلمية والعملية، وأهم المحطات في مسيرته الحياتية، فليتفضل مشكوراً. |
|