شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مُهاجِرٌ يعودْ
عدتُ إليها بَعْدَ نأيْ طالْ
وامتدَ به الحنينْ
أحملُ آلامي على ظهرِي
وأعباءَ السنينْ
لستُ وحيداً. لا
فها هُنَّ معي.. حقيقة في واقعي
هُنَّ بُنَيّاتي
المشوقاتُ إلى أرضِ الوطنْ
خمسُ صغيراتٍ. ضعيفاتْ
كليلاتِ الخطى.. مِن الوهنْ
ناءت بهنّ غربتي
في المهجر القاسي الذي
ضاعتْ أمانيّ به.. وثروتي
بعد أسىً طالَ. وجهدٍ غاله الكلالْ
* * *
لقد غضبتُ من بلادي
مُستفَزاً.. نافراً
ورحتُ لا أدري إلى أينْ
كما تهاجرُ الطيورُ من أعشاشِها
تبحثُ عن معاشِها
وخضُتها معركةًً رهيبة
للعيشِ. للبقاءِ..
تفيضُ بالدموعِ بالعرقْ
تغصُّ بالعناء.. بالأرقْ
على هزيمِ الرقصِ والغناءِ.. والصخبْ
حيثُ الرجالُ والنساء
يسجدونَ للذهبْ
ويعملونَ جاهدينَ هائمينَ بالثراء
يتعبدونَ الأقوياءَ جهرةً...
ويقتلونَ الضعفاءَ غِيلةً...
حيث يساوون الحياءَ بالغباء..
لا شرعة إلا الرياء..
لخداعِ الأتقياءِ.. واستلابِ الغرباء..
في العيانِ والخفاءْ..
حيث ينامُ الكادحونَ الأُجراءُ المنتجون ْ
جائعينَ.. في العراءِ.
يرمقونَ السعداءَ الهانئينْ
بالغذاءِ.. والكساءِ.. والخمورِ والطربْ..
حيثُ أرى المصيرْ..
نَفْس المصيرْ..
* * *
ومثلما أحسّستُ بالضيقِ وأهوالِ الطريقْ
ومثلما غَضِبتُ من ضيقِ مجالِ الفكرِ
في بلادي!..
غَضِبتُ هَا هنا.
من ضيقِ مَسْعى الهِممْ
والقلمْ..
* * *
واجتاحني موجُ الأسى.. والألمْ والندمْ
وعندما بحتُ لجيرانِي بمأساتي
في جوارِهم
ألفيتهُم لا يفهمونَ لغةَ الغريبْ
في ديارِهم!..
فانتشرَ الظلامُ بيننا.. وعدتُ لا أرى
ولا أرى
وهالني السُّرى. وانفجرَ الحنينُ في نَفْسِي
لَظىً مُدمرا.
وكانَ كُلُّ ما يحيط بِي.. وكُلُّ ما أراه
يهيبُ بي صوتاً رتيباً..
باردَ الوقعِ.. رهيباً
يا غريبْ!
حَتّامَ تبقَى ها هنا
على الشجنْ
بلا وطنْ. ولا صديقْ.. ولا حبيب
متى تعود؟ ألا تعودْ؟
إذن أعودْ..
* * *
أعود عودةَ الأسيرِ الهاربْ
يحلم بالنجاةِ.. والسبيلْ
كلها عِثارْ
أو الغريبِ الهائبْ.. يدلف في ترددٍ..
ممزَقِ الإزارْ
وكان ماضيّ أمامي جثةً هامدةْ
وظلمةً جامدةً راكدةْ..
مثل حياتي كلها منذ اغتربتُ واضطربتُ
في بلادي.. وبلادِ الآخرينْ
مفجعاً. مروعاً. بواقع الأحياءِ والحياة
في سيرتها الكريهة الشوهاء
وكانتِ الأشلاء
مِن حولي. وقدامي
ملء الأفق!
أشلاء عمري. وأمانيَّ
وغاياتي.. عبر الطرقْ!
وأنا ذاتي، ما أنا؟
ألستُ شلواً من ألوف مثله
كانت تسمى وطناً.. وأمة..
تاريخها ما زال يرويه الخلودْ
طافحاً بالألقْ؟
فانتثرت.. وأهدرتْ..
ووطئت.. ونسيتْ..
ولم يعد يربطها بموطني.. حتى خيوط الذكرياتِ
الواهية..
من عابرٍ. أو ذاكرٍ. أو منشدٍ. أو شاعرْ
أو راوية؟
* * *
وهِمْتُ في هذا الضبابِ. ساعةً كالأبدْ
أحسستُ فيها بكياني
قطعة من جمرْ.
وما يزال ذلكَ الصوتُ الرهيبْ
الباردُ الوقعِ الرهيبْ
بِي يهيبْ
حتامَ يا شريدْ.. يا طريدْ
تَبْقى ها هنا
بلا وطنْ.. ولا صديقٍ.. ولا حبيبْ
متى تعود؟ ألا تعود؟
إذن أعودْ.
إذن أعودْ عودةَ المهزومْ
في ظل الغروبْ.
بالجراحِ.. واللغوبْ
فربما كان الظلامُ في بلادي.. لا
فَمَا ليَ والظلامْ؟
فإنه سترٌ يواريني.. فيكفِيني
شماتَ الشامتيْن، ورثاءَ الراحمينْ
وملامَ العاذلينْ.. وفضولَ الساخرينْ
* * *
ألا تُراها قصةً تطولْ
تطولُ لو رويتُها؟
ومَنْ يعي؟
ومَنْ يعي في زحمةِ العهدِ الجديدِ ما يُقالْ؟
فقد بدَا الماضي لعيني سُكوناً وظِلالْ
مثل السكون.. والظلالْ
حولَ تلكَ المقبرةْ
تلكَ التي ضاعَ بها
رفاتُ أمي، وأبي.. وإخوتي الصغار والكبارْ
ولم أزرها
منذُ أن أودعتهم فيها..
ولم أذرفْ دموعاً.
* * *
إذنْ نعودْ.
نعود فالنهارُ ثوبك الزوالْ.
بل استحالَ.. إلى ظِلالْ..
ظلال هاتيك القصورِ الباذخاتْ.
والمبانِي الشامخاتْ.
وجُنَّت الأبواقْ.
وازدحم الطريقْ.
فنحنُ في زوبعةٍ يلفها حريقْ
كأنما الأضواءُ بحرٌ مِن بريقْ
ليس به.. لُجّةٌ.. مما أرى
إلا غريقْ...
ولنمضِ بالصغارِ.. في ذلكَ التيارْ
نبحثُ عن مبيتْ
وعنِ الطاوينْ
فما تزال في يدي بعضُ قروشٍ رُبّما
أَجْدَتْ لتدبيرِ الطعامِ.. والمَنَامْ
في الظلامْ
وكانَ كُلُّ السائرينَ ينظرونْ
إليَّ في فضولْ
ويضحكونَ أو هكذا خُيِّل لي
لعلهم يستفهِمونَ.. بالعيونْ
مَنْ أكونْ؟ مَنْ نكونْ؟ والصغارُ
يعجبونَ صامتينَ لاهثينْ..
يجولُ في عيونِهم سؤالْ..
عنِ المآلْ
ماذَا أرىَ؟ أليس ثَمَّ عابرٌ يسألني؟
عَمّا أريدْ؟
وأينَ مَنْ أعرفهم مِن صاحبٍ وجارْ؟
وأين بيتي؟
إنّه كانَ هنا
هُنا فمالي لا أراه؟
أيُّ قضاءٍ قد طواه؟
أرى.. ولا أعرف شيئاً
ما الذي أصابَها؟
مدينتي؟
موطن أحلامي.. شَبابي.. ذِكرياتي
وجهادِي لبلادي؟
أين الرجالُ السُّمْرُ بحارتِها؟
أين مَضَوا؟
أشُرِّدُوا مُذْ عصفَ التيارُ بالميناء
أم جاعُوا طويلاً
فَقَضُوا؟
أينَ الصغارُ المرِحونَ والطريقُ الملتوي
الخالي على الدوامِ مِن زحامْ
واحتدامٍ.. وضجيجٍ.. كالذي أسمعهُ
ونورها الشاحب لا يُعَكِّر السكينة
وصائدو الأسماكِ في الغروبْ
سائرون للمدينة
كأنهم أشباحها تحومُ حول سورِها
الصامتِ في جلالهِ
تنبحه الكلابُ أو تنبحُ مَنْ ناموا
في ظلالهِ
لعلي أخطأتُ. أو ضللتْ
كلا إنه موضعها
موضعها بعينهِ.. لكنها!
ويا لهولِ ما أرى
تغيّرتْ
لعلها قد دُمرتْ.. أو طُمرتْ فهُجرتْ
فبحرُها المطيف بالتلالِ ليسَ حولها
ومَنْ أرى من هذهِ الجموعْ
ليسوا أهلَها
وطالَ صمتي.. وانكفأتُ حائراً
لا أهتدِي
وسألتْ صُغْرى بناتي "هند":
أين بيتُنا؟
فقالتِ الكُبرى وقد ضاقتْ:
"وأين أهلُنا؟"
والأصدقاءُ يا أبي أين هُموا؟
أما دَرَوا أنك قد عُدت
ألم تكتبْ لهم؟
وغلبتْني دمعة..
غالبتُها.. فانحدرتْ
ولم أجبْ
وأدرك الصغارُ من صمتِي..
خِتَام قِصّتي..
تلكَ التي رويتُها
في غربتِي
لهُُنّ
كي يعرفنَ
أنّ لي وطنْ!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :768  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 23 من 169
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.