((كلمة سعادة السفير محمد أحمد طيب))
|
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبد الله، أيها الإخوة والأخوات: |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
إنه لمن دواعي سروري وبالغ اعتزازي أن أشارك في تكريم الاثنينية السفير والمفكر الروسي، الدكتور فينيامين بوبوف، مدير مركز شراكة الحضارات، ومدير صندوق العلاقات الخارجية، صندوق دعم الثقافة والتربية والعلوم الإسلامية في روسيا، وأود أن أنتهز هذه السانحة لأشكر للوجيه الشيخ عبد المقصود خوجه، كريم لطفه بأن أسند إلي رعاية هذه الاحتفالية، وأتمنى لسعادته الصحة والسلامة، إن شاء الله، وأقدم عالياً لمنتدى الاثنينية مبادرتها بتكريم رمز من رموز الصداقة العربية الروسية، الدكتور بوبوف، وهو من الذين كرسوا جل حياتهم ونشاطهم وفكرهم على مدى عقود طويلة في سبيل توثيق أواصر الصداقة ما بين روسيا والعالم العربي والإسلامي، وفي الواقع إن تكريم السفير بوبوف، يعد تكريماً للعلاقات العربية السعودية الروسية، التي تشهد نمواً مطرداً في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والتجارية، والاستثمارية والثقافية. |
كنت قد سعدت بمعرفة السفير بوبوف عندما زارني في مكتبي في وزارة الخارجية، قبل نحو أربعة أعوام، ليقدم لي رؤية النخبة السياسية في روسيا حول تطوير علاقات روسيا مع العالم العربي والإسلامي، ووضعها على أسس إستراتيجية، وهو ما عرف فيما بعد، "بالرؤيا الإستراتيجية، روسيا والعالم الإسلامي"، لفخامة رئيس روسيا آنذاك، فلاديمير بوتين، وفي الواقع أن هذه الرؤية تنطلق من دراسات معمقة، وتحليلات علمية دقيقة للنظام العالمي الراهن الذي يتسم بالتأزم والاحتقان، نتيجة اختلال موازين القوى العالمية، وتراجع قضايا الحق والعدل، مما تسبب في انتشار النزاعات والحروب، وتفشي ظاهرة العنف والإرهاب في كثير من مناطق العالم، تقوم الرؤية الإستراتيجية على وجود الكثير من القواسم المشتركة بين روسيا والعالم العربي والإسلامي، وهي تدفع بقوة نحو بناء علاقات إستراتيجية بين هاتين القوتين، بما يعزز أمن ورقي هذه البلاد، ويسهم أيضاً في معالجة الأزمات الإقليمية والعالمية، وتعزيز قضايا الأمن والسلم في العالم. |
يرى الكثير من المراقبين السياسيين، أن الرؤية الإستراتيجية للرئيس فلاديمير بوتين تتوفر على قدر كبير من عوامل النجاح، يأتي في مقدمتها أن هذه المبادرة تتزامن مع مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حول حوار الأديان والثقافات، والتي تنطلق من نفس المنطلق، وهو تحليلات الوضع الدولي الراهن، وما يشوبه من أزمات متلاحقة، وصراعات، مما أدى إلى تفشي النزاعات والحروب، وظهور ظاهرة العنف والتطرف. |
وخادم الحرمين الشريفين، رأى عندما أطلق مبادرته أنه لا سبيل للعالم -كون البشرية وحدة واحدة- للخروج من هذه الأزمات المتلاحقة، إلا عن طريق التفاهم والتسامح، والحوار ما بين الأديان، والاعتراف بالآخر، والاعتراف بالتنوع والتعددية، باعتبارها سنة كونية، وآية من آيات الله سبحانه وتعالى، كما جاء في القرآن الكريم: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ (الروم: 22). |
فمبادرة خادم الحرمين الشريفين لحوار الأديان والرؤية الإستراتيجية للرئيس بوتين، كلاهما تصبان في اتجاه واحد في معالجة الأزمات الحالية، التي يتسم بها النظام العالمي الحالي، وهي تأتي لمواجهة الطموحات الفكرية التي قدمت في نهاية القرن الماضي، بشكل دقيق من منتصف التسعينات، طروحات صمويل هانتنجتون "صدام الحضارات" "Clash of Civilization" وفوكوياما "نهاية التاريخ"، وهذه الطروحات كأنها تثير أو تصادق على حتمية الصراع ما بين الحضارات، لذلك جاءت مبادرة الملك عبد الله لمواجهة هذه الطروحات التي تعكس أننا نعيش كمجتمع بشري، مصيراً واحداً، ولا بد من الحوار والتفاهم والتلاقي، لأننا نعيش في كوكب واحد، وأعتقد أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين قد مهدت الطريق للرؤيا الإستراتيجية لفخامة الرئيس بوتين نحو إقامة شراكة إستراتيجية ما بين روسيا والعالم الإسلامي. |
العامل الآخر الذي يكفل نجاح الرؤيا الإستراتيجية، هو أن روسيا متاخمة لكثير من البلاد الإسلامية، وتشترك معها في كثير من الخصائص الثقافية والاجتماعية، وهي تعتبر امتداداً جغرافياً طبيعياً للعالم الإسلامي. |
ثالثاً أن المسلمين في روسيا يشكلون أكبر تجمع إسلامي في أوروبا يقدر تعدادهم بنحو اثنين وعشرين مليون نسمة، بما يشكل حالياً نحو 20٪ من تعداد سكان روسيا، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة لتصل إلى 25٪ في عام 2015م، وإلى أكثر من 50٪ في عام 2050م، والشيء المهم في هذه المسألة هو أن الغالبية العظمى من المسلمين هم من السكان الأصليين، وليس من المهاجرين، كما في الكثير من بلاد أوروبا، هؤلاء المسلمون الروس اعتنقوا الإسلام في القرن العاشر الميلادي، أي قبل ألف سنة، فهم سكان أصليون، لذلك لهم دور حيوي في الحياة الروسية. |
العامل الرابع الذي يجعل -أو إن شاء الله- يكفل نجاح الإستراتيجية بين روسيا والعالم الإسلامي، أنه لا يوجد عداء تاريخي بين روسيا والشعوب العربية والإسلامية، بل أن روسيا معروفة بدعمها ومؤازرتها للشعوب العربية، بصورة عامة، ولا سيما الحق الفلسطيني في استعادة أرضه ووطنه. |
لهذه العوامل مجتمعة وغيرها، أرى شخصياً، أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حول حوار الأديان والرؤية الإستراتيجية للرئيس بوتين يشكلان فرصة تاريخية لبناء شراكة إستراتيجية بين العالم الإسلامي وروسيا، وبناء نظام دولي يقوم على العدل والحق والمساواة. |
اسمحوا لي الآن أن أحيي مرة أخرى الصديق السفير بوبوف، ويسعدني أن أقدمه ليعرض علينا خبرته وجهوده، ويتحدث عن آفاق هذه الشراكة التي نسعى إليها جميعاً، آفاق الشراكة، وأيضاً الآليات القائمة الآن لتحويل هذه الشراكة من رؤية، وإلى واقع معاش، سعادة السفير فينيامين بوبوف، الكلمة لكم، شكراً جزيلاً. |
|