((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
|
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. |
الأستاذات والأساتذة الأكارم |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: |
للكلمة رونق، وسطوة، وبريق، وسحر.. تأثيرها ملموس في أي من أشكالها سواء كانت مسموعة، أو مقروءة، أو من خلال ارتباطها مع أكثر من حاسة من حواس البشر.. فهي لم تزل على عرشها منذ بدء الخليقة، بل تزداد تمسكاً به كلما كشف دفتر المستقبل عن مزيدٍ من التطور التقني. |
عرفت الدكتور بدر بن أحمد كريم منذ تفتحت موهبته وحبه للإذاعة، عندما كنت مديراً للمديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر، حين بدأ مذيعاً يتلمس خطواته بثبات وثقة في دنيا الكلمة.. فقد أظهر حباً للعمل تؤازره رغبة كبيرة في تطوير أدواته ليصل إلى ما وصل إليه بعد جهد لا يستهان به. |
إن تكريم ضيف أمسيتنا يتخطى حدود الفرد ليصب في مجرى الجماعة، إذ يمثل شريحة من المواطنين الجادين الذين اتخذوا من الوظيفة العامة منطلقاً لتحقيق أهداف الوطن في الاستثمار الأمثل في الإنسان.. فهو لا يؤدي وظيفة أؤتمن عليها فحسب -ولو جعل ذلك مناط آماله لكان خيراً وبركة- لكنه انتقل من مرحلة تحقيق الواجب إلى تحقيق الذات.. يحمل بين جوانحه نفساً تواقة إلى التطور والتحديث.. ولم يكن يملك من مستحقات تلك الأماني إلاّ النزر اليسير: فالأسرة متواضعة، والتعليم محدود، والدخل لا يتجاوز حدود الوظيفة البسيطة، وهذه تمثل في مجملها كوابح في مسيرة أرادها كفاحاً، فأرهقته صعوداً. |
هنا تظهر العصامية في جانب من تجلياتها.. فقد علَّم ضيفنا الكريم نفسه باكراً أن طريق النجاح يكمن في طلب العلم، وليس العلم النظامي وحده مفتاح التقدم، فأينما التمس الإنسان علماً فإنه سائر على نهج سليم.. كان ضيفنا لا يتورع عن طلب المشورة والمعونة من كل شخص يتوسم فيه المعرفة، فجاءت حياته سلسلة متصلة من دوائر طلب العلم، وقال عنه أستاذنا الكبير محمد حسين زيدان (رحمه الله) "كنت لا أستريح منه يوم كان مذيعاً مبتدئاً، إذ لا تكاد تمضي ليلة، إلاّ ويسأل عن كلمة، عن معنى، صرفاً أو نحواً". |
هذه الروح الوثابة لتلقي المعرفة، والطموح المدروس، هي ما ينقص أجيالاً توالت من بعض الشباب الذين ما برحوا يظنون العلم شهادة توضع في ملف، أو تزين مكتباً.. ولعلّهم لم يدركوا أن العلم مكوّن من مكوّنات الثقافة في معناها الواسع، والتي عرّفها عالم الاجتماع البريطاني إدوارد تيلور بأنها "عبارة عن ذلك الكل المركب الذي يتضمن المعرفة، الإيمان، الفن، الأخلاق، القانون، الأعراف، وأية قدرات وعادات يكتسبها الإنسان بصفته عضواً في جماعة"، وهو من ضمن تعريفات أخرى لا تخرج عن هذا الإطار الشامل.. وبموجب هذا المنحى فنحن أحوج ما نكون إلى "المثقف" الذي يربط عمله وأداءه بآلية تجلب إليه المزيد من المعرفة والخبرة ليضيف أسلوباً مبتكراً في الأداء، مع التعلم المستمر من كل مصدر، وما أكثر المصادر في زمن "الإنترنت" وسهولة التواصل مع أهل الذكر الذين أمرنا الحق سبحانه وتعالى أن نلجأ إليهم نفياً للجهالة، واستزادة من ينابيع فضلهم.. وهذا ما مكّن ضيفنا من الاستمرار في مجاله المهني: إذاعةً، وتلفازاً، وصحافة، ووكالة أنباء، واستشارات إعلامية. |
يختزن ضيفنا الكريم في ذاكرته مسيرة أكثر من نصف قرن في العمل الإعلامي، والإذاعي على وجه الخصوص.. وهي حصيلة معتبرة لمن ألقى السمع وهو شهيد، والذاكرة كما تعلمون تشيخ ويصيبها الوهن مثل سائر الجسد، والحصيف من يقيد شواردها بالدفتر والقلم، وهكذا أعد ضيف أمسيتنا كتابه المهم: "نشأة وتطور الإذاعة في المجتمع السعودي، من عام 1368-1419هـ/1949-1998م"، ناثراً ما وعته ذاكرته من خلال 673 صفحة من القطع المتوسط، شاهداً على عصر كان في قلب أحداثه.. فجاء كتابه مرجعاً في بابه، والجميل في هذا العمل أنه جمع بين تأريخ الإذاعة وتأثيرها في المجتمع، وأشار إلى بعض الدراسات الاجتماعية التي حفلت بإحصائيات فعلية تعكس طبيعة المتلقين، وتفاعلهم مع برامج الإذاعة المختلفة، وهي خطوة رائدة في مجال التطوير.. كما قدم ضيفنا دراسة موضوعية (لمعرفة دور المذياع في تغيير العادات والقيم في المجتمع السعودي) وخلصت إلى توصيات تسهم في تأطير دور الإذاعة وأهميتها في خدمة المجتمع، ونبذ التقاليد والأعراف غير المرغوبة، والعمل على تكريس مزيد من الجهد لدعم وغرس قيم الخير المتجذرة أصلاً. |
ومن مؤلفات ضيفنا الكريم التي وجدت صدى بين القرّاء كتابه الموسوم "سنوات مع الفيصل" الذي روى فيه ذكرياته عن الملك فيصل بن عبد العزيز "رحمه الله" متشرفاً بالنقل الإذاعي، أو رئاسة بعض الوفود الإعلامية لتغطية فعاليات رحلات جلالته داخل وخارج المملكة، إضافة إلى ما حفل به من ذكريات ومواقف إعلامية على مدى أحد عشر عاماً. |
وعلى أمل أن نلتقي الأسبوع القادم لتكريم الأستاذ عبد التواب يوسف أحمد، الذي يعتبر من أبرز روّاد أدب الأطفال العرب المعاصرين، ويكفي أن أشير إلى أنه صاحب أرقام قياسية في إنتاجه الأدبي، فقد ألف: |
595 كتاباً للأطفال طبعت في مصر، و 125 كتاباً للأطفال طبعت في البلاد العربية.. بالإضافة إلى 40 كتاباً للكبار. |
ومن أشهر ما ألف "حياة محمد صلى الله عليه وسلم في عشرين قصة".. و "خيال الحقل".. فأهلاً وسهلاً ومرحباً به، بين محبيه وعارفي فضله. |
طبتم وطابت لكم الحياة. |
والسلام عليكم ورحمة الله.. |
عريف الحفل: كلمة راعي الأمسية معالي الدكتور محمد عبده يماني المفكر الإسلامي المعروف، ووزير الإعلام الأسبق. |
|