الملك علي يقرر الدفاع |
ولا بد لنا من الإشارة هنا إلى الدعاية التي بثت تلك الأيام في جدة للعدول عن الدفاع وحمل الملك على مغادرة البلاد وتسليمها إلى الجيش الزاحف. وكان قد وضع بعض أهل الحجاز مضبطة يوم 23 ربيع الأول رفعوها إلى رئيس الوكلاء في الحكومة الحجازية يوم سفر الوفد يطلبون فيها التوسل عند جلالة الملك علي باسم الإنسانية بأن ينزل على رأي المسلمين الحجازيين بالرجوع عن الدفاع الذي استعد له. ولما رفعت المضبطة إليه أجاب أنه لا بد له من الدفاع عن بلاد آبائه وأجداده وهدد دعاة التسليم بالعقاب الشديد. |
وعلى أثر ذلك أرسل الحزب الوطني الكتاب الآتي ليلة 25 منه إلى وفده الذي توجه إلى مكة. |
((السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: وبعد فقد قدمت مضبطة بإمضاء الأهالي بطلب عدم الدفاع وكان الجواب اليوم نهائياً بأنه لا بد من الدفاع ولا سبيل لغير ذلك وبعد عجزنا عن إقناعه بالنسبة لضعفنا وقوته طلبنا منه أن يكتب كتاباً للأمير خالد بإمضاء الملك بالموافقة على توقيف الحرب والأخذ في أسباب التفاهم بينه وبين الأمير خالد إن كان مفوضاً وإن لم يكن مفوضاً يمهلنا بدون حرب وبدون حركة من الجانبين بحيث يبقى كل في محله إلى حين حضور الإمام عبد العزيز بن سعود وبعد وصوله يحصل التفاهم معه فلم يوافق أيضاً. وعلى هذا فالذي هنا أخذ في أسباب الدفاع بكل همة ونشاط ولا يرجع عن هذه الفكرة، مهما كانت النتيجة وعلاوة على هذا يؤمل أن يصله عسكر ودبابات وطيارات فبعد وقوفكم على هذه الحقيقة تعرفوا إن كان الأمير خالد يوافق على هذا كان بها وإن لم يلزم تأخذوا في أسباب رجوعكم إلى جدة، حالاً قبل وصول كتاب الملك للأمير خالد والحذر من التأخير والإهمال والأمر لله ولكم. وقد أوقفناكم على الحقيقة، فاتبعوا ما فيه سلامتكم وتوكلوا على الله بسرعة التوجه والله يرعاكم. |
وتحرر هذا بحضور عموم الهيئة
(1)
. |
عودة الوفد وفشله: وقد قابل الوفد خالد بن لؤي
(2)
فخيرهم بين ثلاثة إما أن يقبضوا على الملك علي وإما أن يجبروه على الخروج من الحجاز وإن لم يقدروا لضعفهم فلديهم قوة من البدو والمتطوعين في الجيش السعودي تساعدهم على ما يريدون وقال إنه غير مستعد للتساهل مطلقاً. |
وعاد الوفد إلى جدة يحمل الشروط فبلغها مساء السبت 26 منه فدعا أعضاء الحزب وأعيان الأمة على الفور وأبلغهم ما جاء به وقال لهم إن لهم مهلة عشرة أيام فقال أناس بوجوب الذهاب إلى دار الملك وحمله على التنازل والسفر وقال غيرهم بالانتظار والتريث وأخيراً تم الاتفاق على إرجاء الأمر إلى غد، وعقد الاجتماع في الغداة فوقف رئيس الحزب وأعلن أن مهمة الحزب انتهت وعلى ذلك تقرر إلغاؤه وحله وكان ذلك يوم 27 ربيع الأول. وقد قبض بعد ذلك على بعض أعضاء الوفد وسجنوا بتهمة أنهم كانوا ضالعين مع السعوديين وأنهم عملوا في سبيل استيلائهم على الحجاز
(3)
. |
من الملك علي إلى ابن لؤي: ولما ذاع أمر المكاتبات الدائرة بين الحزب الوطني -وخالد بن لؤي في مكة أرسل الملك علي إلى الأمير خالد الكتاب الآتي: |
أطلعنا على كتب منكم إلى أهالي جدة عموماً، وخصوصاً وفيها التهديد والوعيد وحيث إن هؤلاء محكومون بحكام ورؤساء وليس في استطاعتهم تنفيذ ما تطلبونه منهم وليس من شيمتهم إجراء ذلك، لذلك رأينا أن نحرر لك، كتابنا هذا بأنك، إن كنت مفوضاً من قبل حضرة الأخ السلطان ((عبد العزيز)) في المذاكرة فيما يختص بحقن دماء المسلمين وبدفع السحق والمحق عن البلاد فعين لنا مندوبين من طرفك ومندوبين من طرفنا نعينهم ويجتمعون عندك في مكة أو بحرة وإن كنت غير مفوض من الأخ سلطان نجد فتخبره يفوضك أو يفوض من يراه للمذاكرة في ذلك وتكون الحركة الحربية موقوفة من طرفك ومن طرفنا إلى أن يأتي الجواب من حضرة الأخ السلطان عبد العزيز وإن قلت لا هذا ولا هذا. فالأمر مفوض لمن بيده العزة والقدرة في كل حال
(4)
. |
من الملك علي إلى السلطان عبد العزيز: وأبرق الملك علي يوم 28 ربيع الأول عام 43 إلى السلطان ابن سعود بالبرقية التالية: |
بعد السلام والاحترام.. علم عظمتكم بأن الشعب الحجازي العربي، محب للسلام ولدفع الشقاق بين العرب ونظراً لثقته التامة بمبادئي الموافقة لمبادئه قد بدل شكل حكومته وأقامني ملكاً عليه. |
وبما أن أمانة الملك قد أودعت لشخصي فلا بد لي من إيفاء واجبات هذه الأمانة بكل شرف، فعليه وانقياداً لأوامر الخالق عز وجل وحباً باتحادنا وكرهاً لسفك الدماء بين أمة واحدة واتباعاً للرأي العام الإسلامي والمراجعات الواردة إليَّ من الأقطار العربية الموافقة لمبادئي الأساسية قد قررت أن أتوسل بجميع ما يمكن لعقد صلح شريف يزيل جميع الموانع والمشاكل الموجودة بين الطرفين وللدخول في عهد جديد يؤمن مصلحة المسلمين عامة والعرب خاصة ولذلك انسحبت من مكة بدون حرب لحفظ بيت الله الحرام ولمنع تكرار فظائع الطائف ولانتظار جواب مراجعتي الأولى في جدة وبما أن الجواب لم يأتني للآن ولم يوجد أحد يرأس جيشكم يمكنني المفاوضة معه اضطررت أن أراجعكم ثانياً وأنا أنشر مراجعتي هذه علناً بين جميع المسلمين. |
أبلغ عظمتكم هذا والبلاد قد أصبحت بحالة عسكرية يمكنها أن تسترجع جميع ما أضاعته بإذن الله فإذا وافقتم على هذا التكليف الأخير أرجو لحين المباشرة بالمفاوضة أن تبلغوا قائد جيشكم بمكة رفع ممنوعة أداء فريضة الدين من قبل الأئمة الثلاثة حالاً وإني خوفاً من مضايقة بلدة بيت الله بالمعيشة قد أذنت لمن يريد العودة إلى مكة من سكانها المهاجرين وسمحت بدوام سير القوافل رحمة بالفقراء والمساكين انتظاراً لجواب عظمتكم الأخير ولي من الأمل أن تقابلوني على حسن نياتي وإلاّ فبعد الاتكال على الله ستروني وشعبي معاً قائمين بجميع ما يترتب علينا من واجب الشرف وحفظ الأمانة لمقاومة تعرضات جيشكم للدفاع عن البلاد وتخليصها ورد الأذى والتعدي عنها وبالطبع مسؤولية الدماء البريئة ستقع على المتسبب وهو الفعَّال لما يريد
(5)
. |
جواب السلطان: وتلقى الملك جواب السلطان في 9 ربيع الثاني وهو كما يلي: |
(من عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل إلى الشريف علي بن الحسين) تعلمون أن الحرمين الشريفين ليسا ملكاً لأحد ولكن الأشراف وعلى الأخص والدكم قد اعتبر الحجاز ملكاً خاصاً. ولقد عانى المسلمون جميعاً وأهل نجد خاصة الأمرين من سوء معاملته. |
نحن لا نريد إلاّ تحرير الحجاز للمسلمين. وللعالم الإسلامي، الكلمة الأخيرة في أمر الحجاز ومستقبله فإن أردت السلامة فاترك الأمر للمسلمين والله يسدد خطانا ويؤيد دينه ويعلي كلمته
(6)
. |
|