شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مهدي من فارس
ومن الأحداث الهامة في عام 1081 أن رجلاً فارسياً هاجم الخطيب في المسجد الحرام وهو يخطب يوم الجمعة 16 رمضان مستلاً سيفه يريد قتله وهو يصيح بالفارسية إنه المهدي فحال المصلون دونه وتكاثروا عليه وأوسعوه ضرباً حتى وقع مغشياً عليه ثم سحبوه حتى انتهوا به إلى ناحية في المعلاة فأوقدوا فيه النار وأحرقوه (1) .
ولا أستبعد أن يكون هذا الرجل مجنوناً ولكن الجماهير لا تصدر في أعمالها عن روية إذا تجمهرت ولو كان ثمة من يسيطر عليها في تجمهرها ويستطيع أن يصدر في سيطرته عن تعقل لحال دونهم وما فعلوا واكتفى بالقبض على الرجل والبحث في شأنه إلى أن يحكم الشرع فيه بما يستحق، وأكبر ظني أنهم لو فعلوا ذلك لما وجدوه يستحق من العقوبة أكثر من إحالته إلى مستشفى المجانين إذا كان للمجانين مستشفى في ذلك العهد، ولكن التجمهر آفة العقول في كل زمان.
وأهلَّ عام 1082 فأهلَّت معه أحداث جديدة قاسى هولها الشريف طيلة عام 82 و 83 ثم انطوت إمارته قبل أن ينطوي العام 1083.
ويتلخص ذلك في أن خلافاً نشأ بين سنجق جدة والشريف سعد لعلّ من أهم أسبابه مماطلة الأول في صرف حقوق الشريف سعد في واردات جدة وطال الخلاف حتى وافى أوان الحج عام 1082 فلما كان ((سنجق)) جدة في منى يوم النحر ضرب برصاصة لم تصب منه مقتلاً فحمله عسكره إلى بيته في مكة بالقرب من باب الباسطية.
ولم يشك المصاب بأن ضاربه مدسوس عليه من الشريف سعد لكن الشريف سعد أكد في مجلس عقد خاصاً بذلك بعد الحج أنه لا يعلم عن الضارب شيئاً وفي هذا المجلس بحث أمر الصلح بين الفريقين كما بحث موضوع استحقاق الشريف سعد في واردات جدة وبعد تدقيقها وتقريرها تسلم بعضها وتنازل عن الباقي (2) وانتقل سنجق جدة بعد ذلك إلى جدة ثم إلى المدينة في أوائل عام 1083 وهناك اتصل به بعض خصوم الشريف سعد وشجعوه على إعلان عزل الشريف سعد وتولية أحد بني عمومته.
وعلم سعد بالأمر فجهز مقاتلته لضرب خصومه. وقبل أن يشتبك القتال وافى مرسوم من تركيا بعزل (سنجق) جدة وتأييد سعد (3) .
الشيخ المغربي: وكان يقيم في القسطنطينية رجل من خصوم الشريف هو الشيخ محمد بن سليمان المغربي وكان من كبار علماء عصره بمكة وقد وجد الفرصة سانحة للعمل ضد الشريف سعد فساعد على تركيز الحملة ضده فلما قنعت الخلافة في تركيا بعثت إلى مصر بإرسال ثلاثة آلاف جندي إلى مكة وإلى حلب بإرسال ألفي جندي وجعلت قيادة الجيش إلى صاحب حلب حسين باشا كما أمرت حسين باشا أن يأتمر بأوامر الشيخ محمد سليمان المغربي (4) .
وانتهى الجيش المصري إلى مكة في موسم عام 1083 وعسكر في جرول ثم وصل جيش حلب فعسكر في الزاهر وفطن الشريف سعد للأمر فبات منه على حذر وقصد حسين باشا والشيخ محمد المغربي إلى المسجد حال وصولهما فأديا نسكهما وقابلا الشريف سعداً فأظهرا له الود وقبل حسين باشا يد الشريف ثم سهر عنده في بيته إلى ما بعد منتصف الليل. وأرسل الشريف سعد يطلب خلعته المعتادة من الباشا فطلب الباشا إليه حضوره ليشرب قهوته فامتنع فأعاد دعوته فلم يقبل وقال إن العادة جرت بإرسالها إليّ، فقال الباشا ليس لك عندنا خلعة فتأهب الشريف سعد للقتال فندب الباشا من ينادي بالأمان وأرسل الخلعة إلى الشريف سعد.
وانتقل الجميع بعد هذا إلى عرفات فوقف الفريقان بها وقد أخذ كل فريق حذره ولما انتهوا إلى منى بات الشريف ينتظر من الباشا إعلان مرسوم التأييد له كالمعتاد فلم يفعل فأرسل ينبه الباشا فطلب الباشا حضوره فلم يقبل وارتكهت أعصاب الشريف على أثر هذه الحوادث وبدا له أن الأمر جد أكثر من اللازم ولعلّه رأى أنه لا قبل له بقوة الجيش فغادر منى خفية في بعض أنصاره إلى الطائف ومنها ارتحل إلى تربة فبيشه ثم سلك طرقاً كثيرة حتى انتهى إلى دار الخلافة في تركيا.
وفي منزل الشيخ محمد بن سليمان المغربي في منى اجتمع حسين باشا وبعض كبار الموظفين وأعيان الأشراف ثم أرسلوا في استدعاء الشريف بركات بن محمد من آل بركات وأعلنوا ولايته بموجب مرسوم الخلافة كما أعلن الشيخ محمد بن سليمان حقوقه في الإشراف على شؤون البلاد وتلا مرسومه الخاص بذلك.
وهكذا انتهت إمارة الشريف سعد قبل نهاية 1083 بعد أن حكم مكة خمس سنوات ناب أخوه أحمد عنه في سنتين منها وبذلك خرجت الإمارة من ذوي زيد لتعود من جديد إلى ما كانت عليه في ذوي بركات (5) .
بركات بن محمد: وانقسم الأشراف في شأن ولاية بركات فحبذها أشياع بركات ولم يرضها ذوو زيد وأنصارهم فارتحل بعضهم إلى نواحي الطائف وابتعد آخرون إلى أطراف مكة وهاجر بعضهم إلى خارج البلاد (6) ومع هذا فإن الشريف بركات كان أطيب سيرة من غيره فلم يقس على أضداده ولم يشدد النكير عليهم وكان يحب المصالحة ويسعى إليها فظل مسالماً إلاّ في أحوال خاصة سنأتي على بيانها.
ومن طريف ما يذكر أن الشيخ محمد زرعة حضر حفلة المرسوم وقرأ آية من القرآن منها فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (سورة النساء من آية: 54) وكان الشريف بركات من آل إبراهيم بن بركات (7) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :422  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 141 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.