(( كلمة المحتفى به فضيلة الشيخ محمد نمر الخطيب ))
|
- بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد حمداً كثيراً خالداً مع خلودك، ولك الحمد حمداً لا منتهى له دون علمك، ولك الحمد حمداً لا أجر لقائله إلا رضاك.. اللهم صلي على هذا النبي العظيم الذي أرسلته رحمة للعالمين وصلي يا مولانا على آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه إلى يوم الدين. |
السيد الكريم صاحب هذه الدعوة، الإخوان الكرام رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم على تفضلهم بالحضور لرؤية هذا العاجز الفقير، ولسماع هذه الكلمات النيرة التي تليق بكم ولا تليق بهذا العاجز، والله إني لأشعر بالخجل الشديد، عندما أسمع هذا الثناء من فضيلة الشيخ خليل أو من فضيلة الشيخ الصابوني، أو من الشاعر المفوه ضياء الدين، أشعر بأني لست أهلاً لذلك وأسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعني بدعائهم، ويجعلني وإياكم أهلاً لكل مكرمة. |
حضرت كلمات بسيطة لأقولها، ألفتها وأنا في الفندق لأني خفت أن آتي إليكم خالي الوفاض فقلت لأكتب بعض الكلمات.. إن هذا التكريم لشخصي الضعيف، ليس لي في الحقيقة وإنما هو تكريم للعلم، والعلم يا سادة مكرم لذاته، ويكرم لذاته، ولذا كرمه الله تعالى وكرمه رسولنا صلوات الله وسلامه عليه، وكرمه كل عاقل من كل أمة وملة، ومما يناسب هذا المقام ما ذكره أهل التاريخ والأدب عن الخليفة هارون الرشيد، ذلك الخليفة الذي رأى غمامة في السماء مثقلة بالماء متجهةً إلى غير بلاده، فقال لها: أمطري حيث شئت فخراجك يأتي إلي.. هكذا كانت دولة الإسلام وعظمة الإسلام وعظمة ملوك الإسلام.. هذا الخليفة العظيم اختار إماماً من أئمة الدين واللغة الفراء ليعلم ولديه الأمين والمأمون، وليثقفهما ويعلمهما علوم زمانه، فقام بهذه المهمة خير قيام، وفي يوم من الأيام أراد الخليفة أن يسمع وأن يرى حال المعلم وحال تلميذيه، فجلس إلى مكان لا يُرى فيه، حتى إذا انتهى الدرس في العلم تخاصم وليا عهد أمير المؤمنين. أيهما يقدم الحذاء لشيخه الفراء.. فهال الأمر أمير المؤمنين كيف إن وليا عهده يتخاصمان، يتخاصمان على ماذا؟ يتخاصمان أيهما يسبق فيقدم حذاء الفراء لرجل الفراء.. وفي اليوم التالي قام الفراء لزيارة دار الخلافة، فالخليفة أهل به وسهل وقال له أهلاً.. أسألك يا فراء من هو أعظم الناس؟ قال أنت يا أمير المؤمنين.. قال كلا من أعظم الناس قال أنت يا أمير المؤمنين.. قال كلا، من أعظم الناس؟ فسكت الفراء.. فقال له يا فراء أعظم الناس من تنازع وليا خليفة المسلمين، تنازعاً وتخاصماً أيهما يقدم له الحذاء. فخجل الفراء وأطرق ثم رفع رأسه وقال: أيها الخليفة لم يكرماني وإنما كرما العلم. |
أيها السادة: اسمحوا لي أن أستعير كلمة هذا الإمام لأقولها لصاحب الدعوة الكريمة إنما أنت يا صديقي تكرم العلم لا هذا الشخص الضعيف الماثل أمامكم. |
أيها السادة أيها الإخوان أيها الأحباب، كلمة العلم، كلمة حلوة ما أحلاها، وجميلة ما أجملها، وصفة العلم من أعظم صفات الباري تبارك وتعالى، وأوسعها تعلقاً وشمولاً وإحاطةً، فما هو ذلك العلم الذي عظمه الله، وما هو ذلك العلم الذي بشر الله تبارك وتعالى به أهل العلم؟ قال العلماء: العلم يطلق على إدراك الشيء ويطلق على تصوره، وقالوا: العلم هو المسائل التي يخزنها هذا العقل، ويأخذها من أفواه العلماء، ومن كلمات الكاتبين، وقيل العلم ملكة في النفس يقتدر بها صاحبها على إدراك المعلومات، وعلى جلب المعلومات وعلى فهم المعلومات. ومهما قيل في تعريف العلم من تعاريف، فقد خلق هذا الإنسان جاهلاً لا يعلم شيئاً، قال تعالى أَخْرَجَكُم مِّنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئَاً لكنه تبارك وتعالى منَّ علينا فأعطانا وسائل ندرك بها المجهولات، فوهب لنا السمع وأعطانا البصر، وميزنا بالعقل والفؤاد، كل ذلك ليكون وسيلة إلى العلم، وطريقاً إلى العلم الذي أحبه الله تبارك وتعالى.. العلم يا إخواني العلم يا أحبابي خاصة من خواص الإنسان، لا توجد لغيره من المخلوقات، ولولا العلم لعاش العالم في ظلام دامس وفي ليل طامس، ولولا العلم ما كانت هذه الحضارات، ولا وصلت إلينا هذه المدنيات، ولولا العلم ما طار الإنسان في الفضاء ولولا العلم ما غاص الإنسان في أطباق الماء، ولولا العلم ما ذهب الإنسان إلى القمر ووضع قدميه على حافة القمر، هذا هو العلم الذي ينقل الإنسان من المجهول إلى المعلوم هذا هو العلم الذي يرفع الإنسان من كونه لا يعلم شيئاً إلى إنسان يؤاخي الأنبياء ويصاحب الأصفياء، ويناجي ملائكة السماء، ولولا العلم ما رأينا هذا النور الذي ينور هذه القاعة، ولولا العلم ما اجتمع هؤلاء الإخوان من أقطار قريبة أو بعيدة ليسمعوا مثل هذا الكلام. |
يا الله ما أعظم القرآن! فقد أتى بالعلم وأمر بالعلم، وبين فضيلة العلم، ومكانة العلماء، ومدح العلم، وعظم العلم في آيات كثيرة، أتدرون كم آية في القرآن تدل على العلم، وعلى سمو العلم، وعلى مركز العلماء؟ احتلت آيات العلم سُدْسَ القرآن وقال بعض العلماء: هو أكثر من سدس القرآن.. ولن تجد كتاباً سماوياً ولا غير سماوي رفع قيمة العلم، وميز أهله وأشاد بفضلهم وأعلا منزلتهم في الدنيا والآخرة، بمثل ما جاء به القرآن الكريم في المئات من آيات الله تبارك وتعالى، وللإمام ابن تيمية كلمة جميلة تناسب هذا المقام فيقول: وعند المسلمين من العلوم الإلهية الموروثة عن سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ما ملأ العالم نوراً وهدى.. الله أكبر.. من ميراث سيد المرسلين عند المسلمين ما ملأ العالم نوراً وهدى. |
أيها الإخوان لا أريد أن أقول شيئاً لا تعلمونه، كلكم يعرف ما أقول: هناك فهارس يوجد بها العلوم التي جاءت بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا يكاد اليوم يوجد حتى اسمها فكيف بقضاياها وكيف بمسائلها، وكيف بما احتوت هذه الكتب، وهذه العناوين من الكتب العظيمة التي أتى بها علماء الإسلام. يظن كثير من الناس إن المسلمين ترجموا ما كان عند الروم، وترجموا ما كان عند الفرس، وترجموا ما كان عند الهند.. صحيح ذلك.. ترجموا كل ذلك ولكن زادوا على ما ترجموا وزادوا على علماء الهند وعلى فلاسفة اليونان. وعلى فلاسفة الرومان. وعلى حقبة الفرس، زادوا أشياء وأشياء اعترف بها العلماء الأجانب، وخاصة المستشرقين في هذا الزمان. علماء المسلمين الفضل الذي لهم أنهم أخذوا ذلك من مشكاة النبوة، من شمس الرسالة، من مولانا محمد صلوات الله وسلامه عليه، العلوم كلها خير وكلها تزيل الجهالة عند الإنسان، ولكن هنالك لا بد من إزالة شبهة علقت في بعض الأذهان.. كثير من الناس يقول: هناك علوم شرعية وهناك علوم عصرية. يفرقون بين علوم وعلوم. ولكن الحقيقة ليست هناك عندنا علوم إلا العلوم الشرعية، كل العلوم عصرية كانت أو غير عصرية قريبة كانت أو بعيدة، كلها أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعلمها الإنسان وأوجبت هذه الشريعة الفرض الكفائي يتعلمه كل المسلمين كفاية، وما من صنعة إلا وهي فرض كفاية، وما من علم إلا وهو فرض كفاية عند المسلمين، إلا أن بعض العلوم أقرب إلى الله من البعض، وأقرب إلى شريعة الله من بعض، بعض العلوم تصلك إلى الله قريباً وبعض العلوم لا تصلك إلا بعد درجات ودرجات، ولكن في كل خير. لعلكم سمعتم بكلمة الإمام الرازي رحمه الله في تعليم السحر، السحر جاء ذَمُّهُ في القرآن ومع ذلك يقول الرازي: هو أحد العلوم التي يجب على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يكون فيها من يتعلمها، حتى إذا أفتى المفتي أفتى عن بينة وإذا قضى القاضي قضى على البينة، هذا العلم، كل العلوم يقال لها علوم شرعية وكل العلوم وجب على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يتقنوها، وأن يبينوها ويكفي في ذلك بياناً ما فعل المسلمون في فلسفة اليونان، وفي منطق اليونان وفي حكمة اليونان، وفي علوم اليونان، زادوا عن أرسطو وزادوا عن أفلاطون، وبينوا خطأ فلاسفة اليونان، وهذا هو العلم وهذه هي القوة التي أعطاها الله تبارك وتعالى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم. جعل الإسلام تعلم كل علم من فروض الكفايات، وكل صنعة من الصنائع من فروض الكفايات، فإن لم يفعل المسلمون ذلك فقد خالفوا أمر ربهم وتعاليم رسولهم صلوات الله وسلامه عليه، وفي الأثر من أراد الدنيا فعليه بالعلم ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم ومن أرادهما معا فعليه بالعلم، العلوم كلها أيها الإخوان موصلة إلى الخالق تبارك وتعالى، إذا أحسن الإنسان فهمها وأدرك كيف يصل إلى الله سبحانه وتعالى بها.. وكل ما كان العلم الصق بالله، وأدل على الله، كان أكمل من غيره وأولى بتعلمه وتعليمه والحرص عليه، وإني لأتساءل أي علم لا يوصل إلى الله بل أي علم لا يريك الله تبارك وتعالى ويعرفك بعظمته وجليل قدرته وواسع علمه وحكمته؟ أليس الطب من أعظم العلوم معرفاً بالله وموصلاً إلى الله تبارك وتعالى؟ إن الذي يدرس الطب على حقيقته يخرج أكبر عارف بالله وأعظم عابد لله تبارك وتعالى.. أليس علم الفلك لمن يدرسه على بصيرة موصل إلى الله؟ ليس ذلك فقط بل علماء الفلك من أكثر الناس إندهاشاً من عظمة الله وكبريائه، إلى آخر هذه العلوم من هندسة إلى علم البحار إلى علم الجلوجيا علم وعلم وعلم.. الخ. |
أيها السادة: وهنالك سؤال آخر يردده كثير من الناس وخاصة أولئك الشباب الذين ساقتهم الأقدار وتعلموا في جامعات أوروبا وغيرها ورجعوا بأمرين لا أقول عن كل الشباب الذين ذهبوا إلى أوروبا أو إلى أميركا، بل كثير منهم قد ذهب إلى تلك البلاد وعاد بدينه أقوى مما كان، أعرف هذا وأعرف من هذا أعلاماً ولا أذكركم بالسيد قطب الذي أرسل إلى أميركا خاصة لأجل أن يتحلل من دينه ولأجل ألا يكون شديداً، ماذا صار وماذا كان؟ رجع سيد قطب أقوى مما كان إسلاماً وأكبر مما كان إيماناً وألف الكتب الكثيرة التي تعرفونها في الإسلام والإيمان وتمجيد الرسول صلى الله عليه وسلم لكن كثير منهم رجعوا بأمرين: الأمر الأول بهروا بعظمة الغرب وعلوم الغرب وحضارة الغرب ومدنية الغرب، بهرتهم أنوارها، بهرهم بريقها، بهرهم ما وجدوا هناك من متع، ومن ومن ومن.. فرجعوا إلى الشرق أو رجعوا إلى بلادنا وهم يحتقرون المسلمين ويحتقرون ما عليه الإسلام وما عليه العرب، ليتهم اقتصروا على ذلك بل تجاوزوا الحدود واحتقروا سلفنا الصالح، وجهّلوا سلفنا الصالح بحجة أنهم رأوا حضارة أوروبا ومدنية أوروبا.. يا إخواني هؤلاء الناس أو هؤلاء الشباب أثرت فيهم حضارة أوروبا، وبريق أوروبا وخيالات أوروبا وسحر أوروبا، لأنهم لم يكونوا متمكنين في دينهم، ولم يكونوا عارفين بحضارة آبائهم وأجدادهم، ولم يعرفوا حقيقة أمر هذه الحضارة الجديدة، وأمر حضارة المسلمين السابقة، أيها الأخوان المستشرقون المحايدون منهم يقولون في الإسلام ويقولون في حضارة العرب وحضارة الإسلام أكثر مما يقوله كثير منا، يقولون عن علوم اليونان مثلاً، اليونان من أوروبا، وكان حق أوروبا أن تأخذ علوم اليونان من اليونان، ولكن ما وصلتهم علوم اليونان من فلسفة وطب و.. و.. الخ.. إلا عن طريق المسلمين والعرب.. هم المسلمون الذين أخذوا كتب اليونان، وترجموها وهذبوها، عن طريق المسلمين، عن طريق ابن سينا، عن طريق الفارابي، عن طريق فلان وعلان، أخذوا فلسفة اليونان عن طريق المسلمين وعن طريق العرب، المستشرقون العادلون المنصفون يقولون لولا حضارة الإسلام ما كانت هناك حضارة لأوروبا.. ولولا مَدَنِية المسلمين ما كانت هناك مدنية لأوروبا، يوم أن كان المسلمون يلبسون الحرير والدِمَقس كانت ملوك الفرنج تلبس جلود البقر غير المدبوغ، لما كانت الشمس تبزغ من قرطبة، تبزغ من تلك الديار، من الأندلس كانت أوروبا كلها همجية، يوم أن كان المسلمون يعظمون علماءهم، ويوم أن كان المسلمون يمجدون علماءهم، كانت أوروبا تقتل العلماء وتكم أفواههم وتحبسهم في السجون وتضع في أيديهم وأرجلهم الأغلال، لولا أن فريقاً من أوروبا ذهب إلى قرطبة وتعلم في الزهراء وجلس على أيدي العلماء، ورجعوا إلى بلادهم ينقلون تلك الحضارة، لما جاءتنا سيارة ولا طيارة ولا جاءتنا مدنية ولا حضارة، بل كل ذلك اقتبسوه من كتب المسلمين، ومن حضارة المسلمين ومن آداب المسلمين. |
رجال الكنيسة في أوروبا، كانوا يتعجبون من الشباب الذين كانوا يذهبون إلى الأندلس ويرجعون يتكلمون العربية ويأنفون أن يتكلموا باللاتينية، فكانوا يقولون فتنت أهل أوروبا، مثلنا مثلهم في ذلك اليوم، نذهب إلى بريطانيا ونرجع باللغة الانجليزية، نذهب إلى فرنسا ونرجع باللغة الفرنسية، وكانوا كذلك عندما يذهبون إلى الأندلس ويتعلموا في قرطبة وفي قصر الزهراء وعلى أحضان العلماء، أو يذهبون إلى المغرب يتعلموا على علمائها، عندما يرجعون إلى بلادهم يقولون لهم هذه حضارة الإسلام، هذه حضارة المسلمين، واقتنوا من الكتب الإسلامية ما يعد بالآلاف بل يعد بالملايين ثم بعد ذلك أنكروا هذه الصلة، وأخذوا يقدحون في الإسلام والمسلمين والعرب. |
|
أيها الإخوان مصيبتنا في شبابنا الذين يذهبون إلى بلاد الغرب مصيبة كبيرة، وأنا أقول وقد جربت ذلك، عشت زمناً طويلاً في بلاد الغرب ورأيت بعيني أحوال الشباب هناك، كيف يتركون دينهم، كيف يتركون لغتهم، كيف يتركون أخلاقهم، والله رجعت من هناك وأنا على يقين أنه يحرم علينا أن نرسل أكبادنا وأولادنا وخيرة شبابنا إلى تلك البلاد. يا إخواني نحن المسلمون، نحن ورثة محمد صلى الله عليه وسلم، نحن الذين علمنا العالم، لولا هذا الرسول العظيم الذي جاء رحمة للعالمين، والذي أرسله الله تبارك وتعالى مبشراً ونذيراً، خاتم الرسالات ودينه خاتم الأديان، وكتابه خاتم الكتب، لولا هذا النبي العظيم، وهذا الكتاب العظيم، لولا ذلك لبقيت أوروبا وبقي العالم في ظلام دامس، ولبقي العالم يعبدون الأوثان ولبقي العالم وبقي الناس أقل درجة من الحيوان، الفضل في ذلك لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي جيَّش هذه الأمة، وعلم هذه الأمة وتركها تدعو إلى الله فاجتاحت في مدة خمسة وعشرين سنةً العالم كله من شرقه إلى غربه من الصين إلى آخر بلاد الغرب، ودخل المسلمون إلى بلاد أوروبا عن طريق أسبانيا وعن طريق القسطنطينية فهذّب ما هذّب وعلم ما علم، وإلى هذا اليوم أثارهم شامخة في المساجد وما تركوه في تلك البلاد من مآثر كريمة، أيها الإخوان يؤسفني جداً كما يؤسف كل حر وكل مسلم، أن يرى حالة المسلمين تردت إلى هذا المصير، ماذا ينقصنا؟ ينقصنا العدد؟ سبحان الله، نحن أكثر الناس عدداً، المسلمون مليارين، المسلمون وحدهم في ألمانيا 22 مليون، المسلمون في أوروبا كلها عشرات الملايين، عدا عن المسلمين في أميركا، نحن، بارك الله تبارك وتعالى في هذه الأمة؛ فجعلها أكثر عدداً وأكثر نفيراً، من يقول إن أمة تخرج من الجاهلية بعد عشرين سنة تدخل مشارق الأرض ومغاربها؟ لا بقصد الفتوح ولا بقصد الإستعمار، وإنما يقولون للناس ارجعوا إلى دين الله تبارك وتعالى. |
|
قصة صغيرة أريد أن أقولها لكم، حدثت على زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وذلك أن جيش المسلمين من وراء النهر من وراء أذربيجان، دخل بلدة من غير أن يخيرها بين ثلاثة أشياء، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الجيوش الإسلامية قبل دخولها أن تخير أصحاب البلاد بواحدة من ثلاثة: إما أن يسلموا. وإما أن يؤدوا الجزية. وإما أن يحاربوا، الإسلام أو الجزية أو الحرب، الإسلام لم يدخل مستعمراً، دخل هادياً، معه كتاب الله تبارك وتعالى، فلما فعل هذا الجيش ما فعل؟ جاء وفد من تلك البلاد إلى سيدنا عمر وقال له: دخل جيشك علينا من غير أن يخيرنا، قال طيب، نادى القاضي قال: إذهب مع هؤلاء الناس وانظر حجج كل فريق فإن رأيت الحق معهم أمر الجيش بأن يخرج، فقال سمعاً وطاعة، فخرج القاضي وحده وذهب مع هؤلاء الناس إلى وطنهم إلى أذربيجان، وما وراءها. والقاضي أستمع إلى كلام الفريقين فعلم صدق القوم وأن الجيش دخل من غير أن يخيرهم، فقال القاضي. للقائد: أخرج أنت وجيشك، قالوا سمعنا وأطعنا وخرجوا من البلد، قالوا سبحان الله! واحد من المسلمين يقول: لجيش فاتح منتصر ارجعوا فيرجعوا والله إنه لدين الحق وإنّا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. أيها الإخوان ديننا يعبِّر عنه أهل أوروبا بالدين الكاسح إذا دخل واحد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم كلهم يؤمنون، أندونيسيا وما أدراكم ما أندونيسيا، الملايين في تلك الجهات كان إسلامهم عن طريق التجار، تجار صادقون كانوا يصلون أمامهم، كانوا أمناء، كانوا أهل خير، فآمنت الدولة كلها حتى آمن ملكها، ملايين، المغرب، أفريقيا كلها، لم يدخل الجيش الإسلامي إلى افريقيا وإنما دخلها التجار المسلمون فآمنت أفريقيا وآمنت كل هذه البلاد، نحن ديننا الدين الكاسح، لذلك يقول: غوستاف لوبون: ما عرف العالم أمةً أعدل ولا أرحم من أمة العرب، وليس غوستاف لوبون هو الوحيد الذي قال هذا الكلام، وإنما مستشرقون قبله وبعده أنصفوا الإسلام، وآخر من عرفنا هذا الرجل العظيم الطبيب دوماس بوكاي الذي كرمه المرحوم الملك فيصل أيما تكريم صاحب ذلك الكتاب (اليهودية والنصرانية والإسلام أمام العلوم العصرية)، آخر ما وصلنا من كلام المستشرقين كلام هذا العادل الذي أنصف الإسلام وبين أن الدين الإسلامي والحقائق الإسلامية هي الحقائق الصحيحة السرمدية وأختم كلمتي بقوله تبارك وتعالى هُوَ الَذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ولَوْ كَرِهَ الُمشْرِكُونَ. |
|
الإمام الرازي رحمه الله يقول هذه البشرى.. وقال هو عن زمنه لم يظهر الدين على الأديان كلها إلا بالبراهين ولكن سيأتي يوم لا يبقى إلا دين محمد ولا يبقى إلا قرآن محمد ولا يبقى إلا قوله وهو الحق.. وصدق الله العظيم.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
|
(( المحتفي سعادة الشيخ عبد المقصود معلقاً على كلمة الضيف ))
|
- عبد المقصود خوجه: تعقيب صغير على ما قاله علامتنا الكبير، دعيت قبل ما يقرب من عشرين عاماً لزيارة جامعة مونبليه في فرنسا كما يعرف أكثركم جامعة مونبليه هي أول جامعة للطب أنشئت في العالم، فرأيت على بوابة مدخل الجامعة تمثالين عظيمين أحدهما لابن سينا والآخر لابن رشد وسألت فقيل لي: إن الطب كان يدرس بعلمي هذين العلمين حتى آخر القرن الماضي وهذا دليل واضح لمن أراد أن يشاهده ولا يزالون يفتخرون بهذا المنطق وبالتالي يحتفظون بالتمثالين على مدخل الجامعة. وشكراً. |
|
(( الضيف يشكر سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه والمتكلمين ))
|
- محمد نمر الخطيب: أشكر هذا الذي جمعنا على هذا الاجتماع في هذا البيت الطيب أشكره الشكر كله وجزاه الله عنا كل خير وجزى إخواني الذين حسّنوا بي الظن فكنت مرآتهم فقالوا صفاتهم جزاهم الله خيرا. |
(( سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه يرد على كلمة الشكر ))
|
- عبد المقصود خوجه: يا سيدي تشريفكم أسعدنا وكل ما نستطيع أن نقوله إن الله سبحانه وتعالى يثيبكم على كريم فضلكم وأن يجزل لكم العطاء ويثيبكم بكل خطوة خطوتموها من المدينة المنورة إلى جدة بحسنة وحسنات فهذا فضل سعى إلينا وعلم وصلنا هدية قيمة وهو كما قلت نور على نور فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يطيل في عمركم وأن ينفع بكم وأن يكرمكم بالخير ولكم دائماً الشكر والفضل. |
|
|