شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(15)
لم تكن مشكلة ((ليال)) مع أبيها ولا مع أمها.. فالصلات شبه مقطوعة، ويكاد والدها لا يعرف عن حياتها أي شيء.. وقد أحزنها يوم سافرت إليه، وكان أول سؤال يطرحه عليها:
- هل حصلتِ على الثانوية العامة؟!
- نظرت إليه بسخرية، وقالت: إنني في الجامعة.. أحتاج إلى ((ترمين)) ونصف لأحصل على البكالوريوس!!
أما ((أمها)).. فقد طواها زوجها تحت عباءته، واستحوذ عليها أولادها من ذلك الزوج.
ولكن مشكلتها -في هذا الاختيار والإصرار- تكمن في ((خالها))!!
كيف ستخبره؟!
كيف ستقنعه؟!
وفي التئام هذه الأسرة الصغيرة على مائدة العشاء، وبعد أن سرّبت الخبر إلى سمع ((جدتها)) الثقيل.. قالت لخالها مطأطئة رأسها، ويعتصرها خجل:
- خالي.. اليوم طلبتني تلفونياً إحدى زميلاتي في الجامعة، و.. وأخبرتني أن أقرباء لها سيتقدمون إليك، لخطبتي!!
- سألها دون أن يرفع رأسه إلى وجهها: وما هو اسم العائلة؟!
- أجابت: لا أدري.. لعلّهم سيتصلون بك.
وضع الملعقة في صحنه الفارغ ببطء، ووجّه نظرته إليها.. قائلاً:
- زمن.. لقد كبرت يا ((ليال)) وصرت عروساً في جلوتها، والمفروض أن يخطبوك من أبيك، أطال الله في عمره، ومتعك بحسه في الدنيا.
- قالت: أبي؟!.. أنت تعرف يا خالي علاقته بنا.
- قال: ولكن يا ابنتي.. ماذا يقول الناس، وهم يعرفون أن والدك على قيد الحياة؟!
- قالت: إذن.. اتصل أنت بأبي وأخبره.
- سألها: وأنت.. هل وافقت على العريس الذي سيتقدم لخطبتك؟!
- (آه.. هذا سؤال وعر، وفي الصميم. قذفه خالها في وجهها بذكاء!
معه حق.. لقد أبديت تسرعي ولهفتي، مما قد يوحي له بأنني على دراية تامة، وربما منسقة أيضاً مع العريس!!).
حاولت أن تعالج هذا الانزلاق الفجائي.. وفاجأها صوت خالها يقول:
- أين شرد بك تفكيرك يا ابنتي؟!.. إنني أسألك!
- قالت: ها.. طبعاً لا بد أن تسأل يا خالي عن العريس، وسمعته، وأهله كالعادة!!
- قال بمكر ملحوظ: لا بدّ أن زميلتك تعرف أسرته جيداً، ولديها خلفية كاملة عن الشاب.. والا إيه؟!
وترك ((خالها)) المائدة، ليغسل يديه، ويعود إلى مجلسه لتناول الشاي.
وجاءها صوت ((جدتها)) شبه هامس.. يسألها:
- هل أخبرته.. وماذا قال.. إنني لا أسمع؟!
أشارت لها ((ليال)) بيدها على فمها لتسكت.. وتسللت إلى غرفتها، لتغرق في أفكار تناهشتها.. ما بين الخوف، والحذر، والتحدي!!
لا بدّ أن يتصل ((خالها)) بوالدها.
ترى.. هل سيحضر أبوها، ليتلقى بنفسه طلب خطبة ابنته من والد ((حازم))؟!
أوه.. ((حازم)) هذا المجنون!
تشعر أنها صارت تحبّه.. تعلّقت به، حتّى اندفعت إلى موافقته على جنونه، وخطبتها، واندفعت أيضاً إلى الحصول على موافقة خالها، وكل أهلها.
انتظرت أن يدخل ((خالها)) إلى غرفة نومه، بعد تناول الشاي، ومشاهدة حلقة ((المصارعة)) في ذلك اليوم من الأسبوع.. وهو الذي يحب التفرّج عليها، ولا يرتبط بأية مواعيد ليلية مع أصدقائه، وشلة سهره.
وحين اطمأنت إلى هدوء البيت.. تناولت الهاتف، لتحادث ((حازم)):
- سألها: ماذا فعلت: هل وافق خالك؟!
- قالت: على مهلك.. ليس بهذه السهولة. والدك أولاً!
- قال: والدي -كالعادة- مسافر، وسيعود في نهاية الأسبوع، لكن.. لا تقلقي، إنه لا يرد لي طلباً، و.. أمي على الذمة، جاهزة، وقد غسلت دماغها، وهيأتها لمنازلة الوالد المحترم.
- قالت: لا بد أن يتصل والدك بخالي، على الأكثر، مع مطلع الأسبوع القادم.
- قال: لا تنزعجي.. سيحصل، وستكونين خطيبتي، وزوجتي، و.. أم أولادي.
- قالت: أنت طفل أهوج، ولكني.. أحبّك!
* * *
في ظهر اليوم التالي.. فوجئت بخالها يدق باب غرفتها، وعندما فتحت الباب.. وجدته واقفاً أمامها يرسم ابتسامة خفيفة، وخلفه حشد من الأسئلة والشكوك.
جلس على حافة سريرها، ورفع رأسها بيده الحنونة دائماً عليها.. وقال:
- اصدقيني يا ((ليال)).. هل تعرفين الشاب؟!
اضطربت لسؤال خالها، ولكنها قادرة على التماسك في مثل هذه المواقف.
نفت بشدة أنها تعرفه.. وأكدت لخالها أنها سألت زميلتها عنه -فقط- فأخبرتها أنه يدرس في الجامعة، ولم يتبق له وقت طويل على التخرج، وأن والده هو رجل الأعمال المعروف ((إبراهيم الشاهد)).
فوجئ ((خالها)) باسم والد عريسها.. وسألها:
- ما غيره؟!
- قالت: يعني إيه؟!
- قال: كان بينه وبين أبيك تعامل تجاري قبل سنوات، ثم اختلفا!
- قالت: وهل هذه مشكلة؟!
- قال: لا أدري.. ربما لن تكون مشكلة في اعتبار ((الشاهد)) ولكنها بالتأكيد تجعل والدك يفكر كثيراً.
- قالت: وهل والدي يدري بنا؟!
- قال: ليال.. عيب، إنه والدك.. وعلى أي حال، سأتصل بأبيك اليوم، وأخبره.. أقصد أجس نبضه، وأنا سأصر أن يحضر في الموعد الذي سيحددونه لزيارتنا وخطبتك.
هذه عقدة جديدة برزت أمام ((ليال))!
أبلغتها إلى ((حازم)).. الذي أخذ يقهقه باستخفاف، ثمّ قال لها:
- تصوّري.. نفس الفزع رأيته على وجه أمي، حين أخبرتها عن اسم والدك!
- قالت: وماذا سنفعل إذن؟!
- قال: لا يهمك.. ست الحبايب كفيلة بتركيع شهريار الذي لا يهمل لها طلباً، ولا يُسقط كلمة تقولها.. أمي شخصية قوية جداً.
- قالت ساخرة: واضح.. بدليل أنها أحسنت تربيتك!
- قال: وبعدين في التلبيخ.. تشتمني عروستي قبل دخول بيتي؟!
- قالت: لعلّها دلّلتك كثيراً.
- قال: جداً.. لم ترفض لي طلباً، وكثيراً ما تسترت عليّ في أخطائي، حتى لا يعرف أبي، الذي كان وما زال منشغلاً.
- قالت: أتمنى أن تكون حماة رحيمة!
* * *
فوجئت ((ليال)) بنداءات خالها المتلاحقة.. فهرعت إليه من غرفتها وجلة.
- قال وهو يحضنها: مبروك.. والدك سيأتي ليستقبل ((إبراهيم الشاهد)) هنا في منزلنا، وقد أخبرني أنه لا يمانع.
- قالت مندهشة: عجايب.. بهذه البساطة والسهولة؟!
- قال: ماذا تقصدين؟!
- قالت: أعرف أبي جيداً.. لا بدّ أن له مصلحة. طبعاً، لقد حسبها وسوف يستغل هذه الفرصة الذهبية، ليعيد الثقة بينه وبين ((إبراهيم الشاهد))، ويعيد الحياة إلى تعاملهما التجاري معاً.
- قال: يا ابنتي.. إن بعض الظن إثم.. لعلّ والدك يعبر عن فرحته.
- قالت: أتمنى.. ولعلّه يزيح عن كاهله العبء الثقيل، القديم المتراكم منذ سنوات ولادتي، وحتى الآن، ليتنفس الصعداء!
وأمضت ((ليال)) بقية أيام الأسبوع.. كأنها فوق موج يتقاذفها يمنة ويسرة، ويرفعها إلى أعلى في الفراغ، ويحطّها إلى أسفل في الارتطام.
إنها مندهشة لهذه الصدف العجيبة التي تراها محبوكة جداً.. كأنّ وراءها مفاجأة أكبر من احتمالها، أو من توقّعها!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :469  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 137 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .