شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(13)
لأنها تخرج مع شاب لأول مرة في حياتها.. انزرع في صدر ((ليال)) خوف رهيب، من الإقدام على هذه التجربة التي تندفع إليها بعناد، وتكتشف فيها ثقتها بنفسها، وقدرتها على الحماية لذاتها ولسمعتها!
تعرف ((ليال)) أنّ الخطوة التي ستفعلها تتنافى مع سلوكياتها، ومع تقاليد مجتمعها!
وبرغم هجران والديها لها.. فإنها -كذلك- تخاف على سمعتها، حتى لا تلحق باسم عائلتها عاراً، أو قتاراً من الثرثرة!
محنة الحياة أن لا يستطيع إنسان -في فترة من فترات عمره- أن يرفض نفسه، ولا يجرؤ أن يحسن تعامله مع قيمه ومبادئه، ولا أن يرتفع بتصوراته!
وهذا هو عمق المحنة الذي سقطت فيه ((ليال))، بقرارها هذا!
مرّت بها لحظات.. أحسّت فيها بالتحجّر!
ولحظات أخرى.. خيّل إليها فيها أن شيئاً يزحف إلى إحساسها ليأكله.
قالت وهي تقف أمام مرآتها تتزين لموعدها مع ((حازم)):
- الخوف.. ليس أن يموت الإحساس، فإذا مات انتهت آدميته، وإنسانيته.. ولكن الخوف أن يقال: هذا إنسان مات بالصدأ!
إنها تحتاج -في لحظاتها الحاسمة هذه- إلى الدموع.
وتكتشف أنّ الدموع هي الأخرى قد تحجّرت.
نظرت إلى وجهها، الّذي وصفه ((حازم)) بقوله: وجه مليح.. فرأت جفوناً مشرعة بلهاء، وسواداً يجول في ضياع أعمى!!
إن أمنيتها الآن ذرف الدموع.. لا تعني توفّر الإحساس في النّفس، بالإرهاق من الخطوة المقدمة عليها، ولا بالأحلام التي تنسجها.. بل تعني: الشعور بضرورة الحصول على بطاقة شخصية تؤخذ من الحياة!
- قالت: لم يعد الأمر صعباً إلى درجة القلق والفزع.. فكثير من البلهاء قد اعترفت الحياة بذكائهم وهم أغبياء، ومنحتهم سعادة ((أمية))!!
وانطلقت بعد مغرب هذا اليوم، الحافل بحشود قلقها، وخوفها، وارتعاشاتها.. إلى ممارسة تجربتها الأولى!
* * *
ومن خلال أضواء السيارات العابرة، والمنطلقة على الخط الطويل.. حرصت ((ليال)) أن تتأمل ملامح وقسمات وجه ((حازم))!
في لمحاته شيء من البريق!
شاب.. يستخدم ابتسامته حتى مع لحظات توتّره، وقد لاحظت عليه أنه كان في قمّة التوتر.
- سألته: خائف؟!
- أجاب: ومم الخوف، وبجانبي وردة نضرة؟!
- قالت: طبعاً.. تجربتك متعددة، أقصد تجاربك.. فلا بدّ أنّك: في كل يوم تحمل بجانبك فتاة تواعدها، وتحادثها بالهاتف.
- قال: إنّني شاب.. ومن حقّي أن أستمتع!
- قالت: ولكن.. ليس من حقّك أن تعبث ببنات الناس؟!
- قال: وما ذنبي.. إذا كان بنات الناس لا يرفضن، ويندفعن إلى لقائي؟!
- قالت: ماذا تقصد.. هل تلومني، وتحقّرني؟!
- قال: لا أقصدك أنتِ.. لعلّك الفتاة الوحيدة التي تردّدت أن أطلب منها لقاء، وطلبته هي!!
- قالت: ولماذا لم تطلبني وتحدد موعداً لتراني فيه؟!
- قال: هل أكذب عليك؟!.. لأول مرة أحسب حساب فتاة، وأخاف من ردّ فعل طلبي عندها!
- قالت: وما الذي أخافك مني؟!
- قال: أعجبت بتفكيرك، وقوة شخصيتك.
- قالت: ألم تحتقرني عندما طلبت أنا منك أن أقابلك؟!
- قال: لا.. ولكني اندهشت، وتأكّد عندي أنّ وراء طلبك هدفاً بعيداً.
- قالت: أريد أن أعرفك، عندما عرضت أن نتزوّج.. هل كنت جاداً، أم كنت مازحاً، عابثاً كعادتك؟!
- قال: إطلاقاً.. لم أكن جاداً كما كنت معك في تلك الليلة، وفي هذا الطلب!
- قالت: ولكنّك عالة على فلوس أبيك، أو ثروته؟!
- قال: الأب يشقى ويعمل من أجل أبنائه!
- قالت: هذا تقييم ظالم لعطاء الأب، ومسؤوليته، ورؤية الابن له!
- قال: دعينا من فلسفتك، هاتِ يدك في يدي.
- قالت: أرجوك.. طلبت رؤيتك لنتكلّم بحرّية.
- قال: إنني لا أحسن الكلام، ولا أجيده، ولا أحب القراءة، ليس عندي وقت!
وأخلد ((حازم)) للصمت.. بينما بقيت ((ليال)) تتأمّل هذه الشريحة الآدمية بجانبها!
حتّى كلامه.. لا يعيره شيئاً من الأناقة اللفظية، ومن العبارات التي تدغدغ مشاعر أنثى!
كلّ ما يحرص عليه: أن يرسم ابتسامة أنيقة!
لا يحب -في ما يبدو من ملابسه- أن يتأنّق.. فهو أشبه بالبوهيمي!
لا تظن ((ليال)) أن رفيقها هذا قد عرف الحب، وناح، وتوجّع!
إنّه يغرق في عاطفة بلا قاعدة.. عاطفة من هشيم، ومن خزف!
ينفعل، يعجب.. تسكنه لهفة وقتية، ثم يصطدم بالرغبة، ويفرّغها، وينام كأي حيوان!
أمّا ((ليال)).. فكثيراً ما تمنّت أن تلتقي بحب أصيل.. بعاطفة جيّاشة تصهرها، وتحرقها، وتلوّعها!
واخترق صوته -فجأة- شرودها، وهو يسألها:
- هي.. أين وصلت؟!.. نحن هنا!
- قالت: إنني أفكّر فيك!!
- قال مندهشاً: وأنا بجانبك؟!
- قالت: الذي بجانبي: غطاء.. ((بودي))، ولكنّ أعماقك غامضة!
- قال: بالعكس.. كثيراً ما حلمت، وتمنّيت أن أحب، وأتألّم، لأعرف معنى النبض، والبكاء!
إنني أبكي أحياناً من الفراغ العاطفي!!
- قالت: لحظة من فضلك.. ماذا قلت؟!
التفت نحوها مستغرباً.. وقال:
- قلت الفراغ العاطفي.. لأنّ أبي لا أراه كثيراً، ربما مرة أو مرتين في الأسبوع، فهو كثير الرحلات، والسفر، والسهر خارج البيت، وأمي تتأنّق، وتسهر، حتّى أمور البيت تركتها للخادمات.. فلم أجد أحداً يسأل عني، أو يسألني، أو يرد على أسئلتي.. بل ولا أتذكر آخر مرة احتضنني فيها أبي، أو أمي.. كل واحد في هذا البيت يعيش حياته واهتماماته.
لقد قتلني هذا الفراغ العاطفي.
- سألته: أليس لك إخوة؟!
- قال: أخت واحدة.. تمشي على خطى أمي، وتلتصق بها كالظل!
- قالت: وأنت تمشي على خطى أبيك..
- قاطعها: ولكنّي فشلت في أن أجده، لألتصق به كالظل!
* * *
كل ما في حياة ((حازم)) قد تساوى!
أنهكته الخطوات الراكضة، وسرقته هذه ((الصرمحة)) والانتقال من وجه إلى وجه!
الوجوه.. تكاد تبدو في ناظريه متشابهة!
ومن أجل ذلك -ربما- قرر أن يتزوج ((ليال))!!
- قالت له ((ليال)): فكيف تقنعني بالزواج.. وهذا حالك؟!
- قال: أريدك أن ((تلمّيني)).. أن توقفي تبعثري.. أن تجمعيني مع قدري في عينيك!!
وكأنّه كان يركض خلفها، وهي بجانبه..
وكأنه أراد أن يموت باللامبالاة، هرباً من الزيف، والتشابه.. وعندما رأى ((ليال)) قرر أن يموت بالحب!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :436  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 135 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.