شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
-7-
المكان: ذكرى.
الزمان: في الخلف.
الصوت: حلم.
الرؤية: بعد رابع.
* * *
- قال له: متى نبكي.. إذا كنا نكبح الدمع، ونمارس قوة الإحساس به.. متى نبكي إذن؟!
- أجابه: لا موعد للدمعة إلاّ دمعة الفرح.. لذلك فإن دمعة الحزن هي مهجة تراها تتقطر من القلب!
- قال: إذن.. ففي أعماقك موعد لدمعة؟!
- أجابه: وما زلت أحفظ آخر عبارة قالتها لي!
- قال: من هي.. من تكون؟!
- أجابه: تلك التي مارست قوة حياتها، لا قوة شعورها، فكانت ممارستها بتحجير الدمعة وتجفيفها.. من أجل أن تواكب المعاش على وجه الأرض.. تعيش ولا تحيا، وتدير وجهها لئلا تبصر النتيجة بمنتهى السخرية!
- سأله: وماذا قالت؟!
- قال: عبارة لا تغنيني اليوم بقدر ما ((تهمني)).. أي تغرقني هما، وتقول العبارة: ((حينما تكون منابع الألم التي تفجر الدموع في النفس أقوى من كل قوة نمتلكها.. فنحن نبكي))!
- سأله: كانت تخالفك.. أم أنها كانت تقذف بك إلى الواقعية؟!
- قال: كانت تلوي عنق الجواد الذي ركضت فوقه وبه ليقطع بها مسافة الزمن، ويعطيها أحد وجوه الاستيطان الاجتماعي!
- سأله: ولماذا لوت عنق الجواد معك؟!
- قال: أرادت أن تؤكد مقدرتها على لوي عنق الجواد!
- سأله: فقط.. وأين بوحها عن صدق عاطفتها، وإنسانيتها؟!
- قال: لقد كانت عظيمة بإنسانيتها، ولعلّها كانت عظيمة أيضاً حينما استطاعت أن تقطع مسافة الزمن، وتنال أحد وجوه الاستيطان الاجتماعي.. ولكني أفتقدها الآن!
- سأله: أنت تحبها إذن.. رغم أنك ميت؟!
- قال: وهبتها كل ما كان عندي من الشعور بالحياة، فقد كانت تبحث في اللحظة التي كنت فيها أنزلق، وأتكبل.. حتى إذا وجدتها، بهتت ضحكاتي وتثلجت، لأنها طلعت في الوقت الضائع من العمر!
- سأله: نسيتك إذن؟!
- قال: الذكرى مقدوده من الشعور، وعندما تعشق الأنثى رجلاً لن تنساه كل عمرها.. لكننا نخضع الذكرى للإهمال عندما نتعب من التذكر، فينتصر الرماد عليها!
- سأله: وهل هذا هو النسيان؟!
- قال: لم أقل ذلك.. لكنه رماد يخفي تحته الذكرى كجمرة متقدة.
- سأله: وهل ناديتها من جديد؟!
- قال: لا أحب أن أجعلها تسمعني.. لئلا تتذكر أنها ((إنسانة)) معي.. إنني أحرص فقط، وبكل أنانية، أن أبقى معها أنا الإنسان!
- سأله: ألا يمكن أن تكون حقيقة شعورك الآن مجرد اكتئاب نفسي؟!
- قال: تعني أنني نسيتها، وطمرتها تحت رماد الذكرى؟!
- أجابه: لم أتوصل بعد إلى هذا اليقين.. بل لعلّه الاكتئاب أو الإحباط الذي تتجرعه، فتظنه الموت!
- قال: وماذا فعل الذين شعروا بالاكتئاب ضد العاطفة، أو فيها؟!
- أجابه: كل إنسان تعتريه لحظات من هذا الاكتئاب وهناك بعض المشاهير الذين تحدثوا كيف كافحوه!
- قال: من هم.. وكيف؟!
أجابه: الرئيس كيندي،كان يقول: إذا شعرت بالاكتئاب، جلست فوراً وراء البيانو وعزفت عليه.. أما ((اليزابيث تايلور)) فقد قالت: لدي وسيلة ناجحة لطرد الهموم والانقباض، وهي أنني آكل طعاماً مخلوطاً بالتوابل الحارة فيلتفت كل اهتمامي إلى لساني!
- قال: إنك تضحكني.. إن اكتئاب المشاهير -وأنا لست منهم- يرجع إلى أشياء ملموسة غالباً، أو مادية.. وحتى في مشاعرهم، فإنهم يستعيرون لها نفاق الناس!
- سأله: وما رأيك فيما قاله الفنان العالمي ((أنتوني كوين))؟!
- قال: بماذا نصح؟!
- أجابه: كان يردد هذه العبارة: إنني أفكر بالزمان الذي كنت فيه أفقر الناس، ثم أقارنه بوضعي الحاضر، فأعترف لنفسي أنني تمتعت بحظ نادر، ويعود الفرح إلى نفسي!
- قال: أتجاوز معك وأعتبر كلام ((كوين)) ينبع من عاطفته، ولو كان مغرقاً في المادية.. فالفقر والغنى ليسا قضية ما دمت قادراً على العمل والجهد والإبداع، ولكن رغم ذلك أقول لك: إن ((أنتوني كوين)) انتقل من زمن إلى زمن، ومن حالة إلى حالة، ومن حقيقة إلى حقيقة.. ولعلّه تعمد أن لا يتجرأ فيتحدث عن عاطفته كإنسان.. فهو لم يتصلب عند زمن معين، ولا عند خفقة هزت أضلعه يوم عرف عطاء الدمعة، وعذابها، فلم يمت بالنتيجة.. فالحب ليس حالات، وأحياناً لا يقف كحقيقة، ولكنه نقرة.. يقظة واحدة، ويبقى صداها ويتمدد فعلها!
- أجابه: إذن.. عش بالصداقة، فقد قيل: إن الصداقة أجدى علاج للحزن!
- قال: وبعد أن ينفض الأصدقاء عنك، ويعود كل واحد إلى مأواه، وتطفأ الأضواء القوية، ويبقى ضوء الزاوية الواحدة في غرفتك.. بماذا تحس لحظتها، وماذا تفعل؟!
- سأله: لنستطرد في حكايتها، فأسألك عن الأسباب التي أبعدتها عنك؟!
- قال: لم تبعدها الأسباب، وإنما أبعدتني، ثم ضيعتها بعد ذلك في صدى انطلاق مؤقت كسجين فكر في الهرب عبر نفق!!
- سأله: إحك لي.. إطرح أوجاعك كلها!
- قال: لم يبق ما أحكيه.. لقد طرحت أوجاعي، إنني حزين فقط، وهذا الحزن ألمسه حينما تطفر الدمعة من عيني. قد أعتقد أنني ميت للأبد.. غير أن الدمعة تعطي فرصة التفكير والتجدد!
- أجابه: قنوط ويأس فأنت معذب بالماضي.
- قال: أبدأ.. العذاب فوق شفاه تبتسم، كما يقولون!
- سأله: وما هي الحصيلة التي تحس أنك ترتاح فيها. أو بها؟!
- قال: المهم أنني إنسان!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :456  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 78 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الأول - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (1): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج