شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
القديم والجديد
قلت لصاحبي وكنا في صدد القديم والجديد إن علينا أن نتفهم مبلغ حاجتنا إلى التطوير إن في أدبنا أو شعرنا أو فنوننا بل وفي كل مستلزمات حياتنا.. علينا أن نبدأ انطلاقتنا من حيث انتهى تراثنا القديم فخورين به كأساس له دعائمه على أن لا ننسى علاقتنا بعصر الذرة ومركبات الفضاء وأننا نعايش جيلاً له أحكامه.. وإذا تطرق بنا متطرق يدعو إلى نسيان تراثنا بكل مراسميه وآدابه لنثبت في رأيه أننا أمة جديدة مطواعة لكل دخيل فإنما يدعونا بهذا أن نعيش ممسوخين وأن نستعير لمقوماتنا في الحياة أساليب لا تتفق وما جبلنا عليه.
إن مثل هذه المحاولة من شأنها أن تقضي على ثقتنا بكياننا وليس كضياع الثقة شيء يهدر الكرامة ويبدد الطاقة ويسلم الأمة إلى الفشل. وإذا كان الجمود عندما ورثنا مضيعة ومزلقاً ينتهي بنا إلى التخلف فإن عصيان الفطرة ونسيان الجبلة التي خلقنا من طينتها إقحام على الطبيعة البشرية لا يستقيم معه بنيان مهما حاول المتطرفون دعمه بالقول المعسول والآراء الزائفة.
لقد مرّ بأمتنا في عصور ازدهارها دور لا يختلف عن دورنا الذي شرعنا ننطلق منه اليوم فلم تجمد على تراثها الصميم ولم تتطرف لتقلد غيرها وتبني من جديد على فراغ بل حفلت بأساسها كتراث وانطلقت تستعير من جيرانها كل ما ينقصها في سبيل أن تزدهر وتتفوق.. احتكت بمدنيات من سبقها إلى الحضارة فندبت من يبحث واستأجرت من يدرس ووظفت من يترجم فمضى روّادها يأخذون من كل شيء أحسنه حتى لقد قيل أن مترجماً ندب إلى الهند فوجد في بعض خزائنهم كتاباً في الطب أبى صاحبه إلاّ أن يبيعه بوزنه ذهباً فلم يبخل المندوب بالثمن وقدمه طائعاً فلما انتهى إليه الكتاب وجد بين بحوثه مصطلحات لا يوجد من يفهمها وبعد لأي طويل استطاع أن يهتدي إلى حكيم كان يسكن قرية نائية فلما قصده كان على الحكيم مقابلته، فرابط عند بابه أياماً طويلة خجل الحكيم في نهايتها ورضي مقابلته وأن يقضي حاجته.
على هذا الغرار بذل أجدادنا من أنفسهم وأموالهم في سبيل بنائهم أنهم لم يكتفوا بما عندهم وما ورثوا رغم القيمة المعنوية التي حققها تراثهم بين القيم السائدة في عصرهم أقول لم يكتفوا بما عندهم بل استعانوا بكل جديد نافع سمعوا به.. كانوا يستقدمون الخبراء ويستعيرون النوابغ ويهيئون طلبتهم لتلقي الجديد ويستخدمون أذكياءهم لتطعيم قديمهم بالجديد المنتقى.
وبذلك تفتق الوعي العام واتسعت آفاقه ولم يتحرجوا عن قبول الأفكار مهما كانت غرابتها إذا ثبت نفعها وتأكد مدى حاجتهم إليها فلا عجب أن يزدهر عصرهم وأن يتفوقوا على كل من نقلوا عنهم من معاصريهم فما يمنعنا أن ننطلق اليوم على غرار ما انطلقوا وأن نطعّم تراثنا بكل جديد نافع يهيئنا للتطوير.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :437  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 46 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج