شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
يزرعون الرؤوس
قال صاحبي لا تعجب لبدعة الطب الجديدة التي شرعت تزرع القلب الصحيح مكان القلب المريض والكبد السليم مكان الكبد المقروح والعين الحادة مكان العين العليلة.
قلت ولكني قرأت أطرف من هذا، ففي الأخبار الطبية أن معهداً يمارس زراعة الأعضاء تراءى له أن يجرب زراعة الرأس فعمد إلى كلبين جزّ رأسيهما ثم نقل رأس الأول إلى جسم الثاني وبالعكس، ويدعي الخبر الذي لم يتأكد أن التجربة تبشر ببعض بوادر النجاح ذلك أن أحد الكلبين وقد نفق بعد يومين من إجراء العملية واستطاعت الدراسات العلمية أن تحدد أهم الأسباب التي عرضت عمليته للفشل، بينما نجحت عملية الكلب الثاني إلى حد. وترى المجلة العلمية التي نقل عنها هذا الخبر أن النجاح الذي قيل أنه قد اكتمل لا يصح اعتماده كبرهان قاطع إلاّ بعد أن يجتاز الكلب دور النقاهة ويستطيع أن يعود إلى سيرته كأي كلب عادي.
وتتناقل بعض وكالات الأنباء التي تهتم بالأخبار العلمية أن المشرفين على تجارب المعهد في زراعة الرأس وبينهم من تشهد الدوائر الطبية بكفاءته يؤكدون أن التجارب ستنتقل إلى زراعة رؤوس الآدميين.. وقد قيل في صدد تجارب رؤوس الآدميين أنها إذا استوفت أبحاثها وتجاربها في المستقبل بشكل واسع فلا يبعد أن تصبح في استطاعتها علاج أعتى أمراض المخ ومنه البله والعته وفقدان الذاكرة وسرطان المخ وما إلى ذلك من أنواع أمراض الرأس باستطاعتها علاج أعتى هذه الأمراض وذلك بأن تستغني عن رأس المريض استغناءً كاملاً تجزه من أصوله عند المرء كما تجز رؤوس الماشية لتزرع مكانه رأساً جديداً تكون قد نزعته من جسم أحد الأموات المتبرعين.
والذي يضحك في الأمر وأضحكني ملء صدري أن مثل هذا المريض إذا صحت تجارب الرأس الذي زرع له هل يفكر نفس الأفكار التي كانت تلوب في تلافيف رأسه المفقود أم تراه سيمثل بكل أفكاره ومفاهيمه وما يلوب في تلافيف دماغ شخصية الميت وينطق بلسانه ولغته وأسلوب الأداء في حديثه.. ترى سننسى أنه فلان الذي كان يشكو من مرض رأسه أو علة في مخه ولا يعود يذكر إلاّ أنه خلق جديد لا علاقة له بماضيه ولا بعائلته التي نشأ بينها ولا بلغته التي كان يتكلمها ولا بيئته التي كان يألفها.
ترى هل يحيا من جديد بالمستوى الذي كانت تبلغه ثقافته إذا كان عالي الثقافة أم سيجد أن مستواه فيها مستوى الرأس المزروع.. كل هذه الأشياء لم تفصح فتاوى الطب عنها وإن كنت أرى أن لها من الأهمية قبل انسياق المعنيين فيما يزاولون من تجارب لا ندري إلى أي مدى سينتهون فيها.. يقول لي أحد العابثين وكنا في صدد هذا النقاش لا أرى في مثل هذه التجارب إذا صحت أخبارها ما ينتهي بالإنسانية إلى خير.
ذلك أن المدارس الراقية ومعاهد الدراسات العليا وكذلك الجامعات ستواجه أزمة عاتية ستغلق غداً أبوابها كرهاً لقلة من ينتمي إليها لأنه لا حاجة لطالب المعرفة أن ينفق طوال سنيه في التحصيل والدراسة حسبه أن ينتظر موت رجل من أعلام الفكر ليتقدم بطلب إجراء عملية جز رأسه ليزرع مكانه رأس النابغة الميت فيصبح وهو ينضح بكل المعارف العالية التي عاش يجهلها.. وإذا علمت أنهم في أكثر البلاد الأجنبية لا يبالون بالتمثيل والتقطيع في أجزاء الميت وتقديمها إلى من يطلبها تبرعاً أو بالثمن عرفت أي منقلب ستنقلب إليه الحياة عندهم.
أنا لا أشك أنها أفكار سابقة لأوانها وأن أخبار العلم لا تتحرى الدقة في كل ما تروي وإن منها ما يساق مساق الجد حتى تنتهي إلى ما يؤكد نجاحها بينما تعبث بعض الأخبار ببعض الأفكار في صور تثير الضحك وليس لنا في مثل هذه المواقف إلاّ أن نتربص بها في أناة حتى نرى ما تتمخض به الأيام وحتى تثبت حقائق الأدلة القاطعة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :434  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 45 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج