الماسونية.. |
هل لها علاقة بحلف الفضول في مكة؟ |
تلقيت من الشيخ أحمد عبد الرحمن الجابري خطاباً يقول فيه أنه استمع إلى محطة أجنبية تذيع باللغة العربية وكان من قولها الذي استغربه أن الماسونية عاشت في مكة في العهد الجاهلي، وأن مبادئها الإنسانية شاعت بين أعراب الجاهلية، فكان منها حلف الفضول الذي قرروا فيه أن لا يقر ببطن مكة ظالم.. فهل يصدق هذا، وهل في التاريخ ما يدل على أن الماسونية كانت تعيش في هذه الأزمان القديمة، وأنها ذات مبادئ إنسانية أثرت في عرب مكة الجاهليين وعلمتهم أن يجتمعوا على حلف كحلف الفضول.. |
* * * |
إلى هنا تنتهي خلاصة ما جاء في خطاب الشيخ أحمد عبد الرحمن الجابري وهو خطاب مطوّل استغرق عدة صفحات، دلت في مجموعها على مبلغ عنايته بالبحث عن الحقائق التاريخية وتجريدها مما يشوبها من خلط وزيف.. |
وللإجابة عما يسأل، يتعيّن علينا أن نعرف تاريخ نشأة الماسونية. وهل كانت موجودة في عهود قديمة، وهل ثبت لها من المبادئ ما يصح أن يقال أنها عاشت تخدم الإنسانية. |
الواقع أن الماسونية كما عرفها الدكتور سيف الدين البستاني، في كتابه ((أوقفوا هذا السرطان)) -مذهب غامض لا تعرف أسراره وقد جاء في نشأتها أنها فكرة يونانية، وهناك من يدعي أنها أنشئت في هيكل سليمان.. ومما يذكر أن اليهود عاشوا يخدمون مبادئها في سرية كاملة ومن يجرؤ من أعضائها على إفشاء شيء من مبادئها بات عرضة للقتل. |
وأنا لا أعرف معنى لمذهب أو ديانة يدعي أصحابها أن مبادئهم تخدم الإنسانية ثم يتسترون على هذه المبادئ ولا يبيحونها ويحكمون بالقتل على من يفشي شيئاً من أسرارها. |
إذن، فهي مبادئ مغرضة لا خير فيها للإنسانية وإلاّ لأعلنت حقائقها كدأب كل المبادئ الشريفة. |
وقد تعددت الأقوال في شأن نشأة الماسونية والأغراض التي أسست من أجلها.. وهنا نستعرض أهم ما قاله عوض الخوري في كتابه ((تبديد الظلام))، فهو يقول: ((إن مؤسس القوة الخفية التي انقلبت إلى الماسونية عند تجديدها هو هيرودس الثاني، والي الرومان على مناطق فلسطين في عام 37-44م، ويلقبه اليهود بالملك.. وكان هيرودس يهودياً مغالياً يرى حق الحياة محصوراً على شعبه المختار، ولا يقبل معذرة إله إسرائيل -كذا- بإيجاد شعوب إلاّ إذا كانت مستعبدة لإسرائيل. بل هو غاضب لأن جدار الرسالة التي جاء بها السيد المسيح لم تهدم بعد أن أقضت مضاجع اليهود وقضت على أحلامهم)). |
ومن هنا يتبين لنا أن الماسونية لا تزيد عن فكرة يهودية، أرادوا بها حرب الأديان ومقاومة كل مصلح، فلا غرابة أن تتستر تحت شعارات مزيفة لتخدم أغراض اليهود. |
ولقد شهدناهم بعد أن قاوموا المسيحية بكل ما يملكون من أساليب ملتوية، استأنف أحفادهم مقاومة الإِسلام في المدينة، فحاكوا ضد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده عشرات المؤامرات والدسائس مما نجده مفصلاً في كتب السيرة، صورة يعافها الضمير الحر وتأباها المبادئ التي يدعون أنها تخدم الإنسانية. |
إن المضللين من أتباع الماسونية يزيفون على الناس بدعاوى باطلة لا تثبت أمام الواقع، وإلاّ لما حرصوا على سريتها.. فما قالوه أن من مبادئها التسامح والتضامن وأن شعارها الحرية والمساواة فأين مكان التسامح اليوم من فلسطين، ونحن نعرف أن صهاينة الأرض المحتلة من أحفاد اليهود القدامى مؤسسي المبادئ الماسونية.. أين التسامح والتضامن، وأين شعارات الحرية والمساواة. |
جاء في كتاب ((أسرار الماسونية)) للجنرال جواد رفعت أن الماسونية هي الاسم الجديد للشريعة اليهودية المقنعة ورموزها وتقاليدها يهودية، وأن ارتباطها مع اليهود والتوراة المحرّفة من الوضوح بحيث أنها تستند على آيات التوراة المحرفة، لتعظيم مثلها.. |
أما علاقة الماسونيين بعهد الجاهلية في مكة، فلا أستطيع نفيه، رغم أني لم أطلع في كل ما قرأت على شيء يدل عليه.. |
أقول لا أستطيع نفيه، لأن مكة كانت بلداً تجارياً يؤوي عشرات الأجناس والمذاهب.. كانت تضم جاليات يهودية ونصرانية ومجوسية وصابئة وعبدة أوثان ودهريين كما كانت تضم من يعبد الله على دين إبراهيم عليه السلام.. فإذا اندست الماسونية بين أنصارها من اليهود فلا يجب أن نستبعد هذا.. |
ولكن الذي أستبعده حاجة العرب الأقحاح إلى من يعلمهم النخوة والشهامة ونصرة المظلوم وهي بعض ما اشتهر من صفاتهم إلى اليوم. |
وعندما أقول أنها بعض ما اشتهر من صفاتهم إلى اليوم، أعني واقعاً محسوساً،.. فالعربي الأصيل لا يزال إلى اليوم في خدره بين حوافي الوديان البعيدة يمتاز بنخوته وشهامته وخفته لنصرة المظلوم، بل إنها صفات لا تزال من مزاياه الأصيلة حتى بعد أن هبط المدن واختلط وأحفاده ببعض شوائبها. |
وبعد، فهل نسي صاحب حديث الماسونية في محطة المذياع -الذي لم يذكر لي اسمه- أن ينسب إلى الماسونية باقي خلال العرب من شجاعة وكرم ومروءة إلى آخر مزاياهم. |
كبرت كلمة تخرج من فم ماسوني يعرف كيف يزيف على السامعين، وينسى مكر الماسونية ودسائسها وآثامها في كل أدوار التاريخ. |
بل وينسى واقعها اليوم في فلسطين العربية، وظلمها الذي قل أن يدانيه ظلم في التاريخ.. |
يقول الأستاذ عمر الحكيم في كتابه ((حاضر العالم الإسلامي)): |
((وتمكن اليهود من تأسيس الحزب الماسوني في الدولة العثمانية)) (وهو امتداد للماسونية القديمة) وكانت غايته استخدام رجالات الدولة العثمانية أنفسهم للحصول منهم على المساعدة اللازمة لفتح أبواب فلسطين لهجرة اليهود في شتى أنحاء العالم، وإقامة وطن يهودي فيها باسم (الأخوة الماسونية) التي لا تعرف وطناً ولا ديناً ولا عنصراً في الظاهر، وهي في الحقيقة مؤسسة يهودية عالمية، ترمي إلى تسخير رجالات العالم أجمع الداخلين في هذا الحزب إلى خدمة مآرب الصهيونية تحت ستار الأخوة الإنسانية ونصرة الإنسانية والتسامي فوق المصالح القومية والعنعنات الدينية أو العرقية.. وقد لعبت المنظمات الماسونية دوراً بالغاً في حرب فلسطين سنة 1948، فقد أوعزت إلى جميع أعضائها في البلاد العربية بتأييد قيام إسرائيل.. وكان لهذه المنظمات مثل هذا الدور في الحركات الوطنية كالثورة السورية سنة 1925م. |
|