حضارة الإسلام |
كنت في حديث في التلفزيون مع بعض شبابنا ممن غرتهم حضارة الغرب فأنستهم أنفسهم وكاد أن يفقدهم ثقتهم بأمتهم وما كدت أنتهي حتى تشعب الحديث واتسعت آفاقه فجئت اليوم أملاً في أن أستوفي بعض جوانب البحث. |
يظن هؤلاء المفتونون بحضارة الغرب من شباب الأمة الإسلامية أن الغربيين صناع الحضارة التي يتميزون بها اليوم وأنهم إنما صنعوها بما ملكوا من حذق وما امتازوا به من كفاءات ما تهيأت لأحد قبلهم ولن تتهيأ لأحد بعدهم من سائر أمم الأرض. |
ترى أين هؤلاء من حضارة البابليين والآشوريين والفينيقيين والسبئيين والمصريين؟ أين هم من حضارة الصين والهند وعشرات قبلهم ومثلهم بعدهم؟. ثم أين هم من حضارة العرب في بغداد وفي الأندلس أين هم منها وقد كانت نواة لأهم الجوانب الفكرية التي تلمح اليوم نتائجها في سائر البلاد التقدمية. |
ليست الحضارة نتاج جيل. لا ولا ملك أمة إنما هي وليدة الحياة من يوم أن عرفت الحياة وهي ربيبة الحاجة من أول يوم شعر فيه الإنسان بضرورة الحاجة. لقد عاشت ألوف الأمم التي مرت بتاريخ الأرض تتوارث الحضارة أمة بعد أخرى لتنميها وتغذي روافدها ومن ثم تسلمها إلى من يليها لترعى نماءها. وظل هذا شأنها حتى أنهت مسيرتها إلى ما نشهد اليوم. |
لا لتظل وقفاً على وارث بذاته بل لتتابع سيرها إلى من يحسن استغلالها جيلاً بعد آخر حتى تحقق أحلاماً لا نكاد نتخيلها.. قد يقال إن الحضارة في مسيرتها الطويلة مرت بمئات الأمم أو مروا بها دون أن تصافحهم أو يصافحوها دون أن تطبعهم أو يطبعوها دون أن يستفيدوا من روافدها أو يتركوا أثراً في جوانبها وهذا صحيح لا يختلف فيه رأيان.. ولو جاز لنا أن نعطي أحكامنا لفصلنا في أمر هذه الأمم بأنها وإن دبت أقدامها في فترة من فترات التاريخ على وجه هذه الأرض لكنها لم تعش لأنها كانت لا تستحق أن تعيش. |
وما كان قرارها فوق الأرض إلاّ قرار ميت عاش يستكين لجدته. |
ذلك لأن الحضارة لا تصافح في التاريخ إلاّ من يستحق أن يعيش، لا تصافح إلاّ أقواماً لهم أهليتهم ولهم قابليتهم ولديهم من الاستعداد والحيوية ما يهيئهم لميراث الحضارة بل ويعدّهم لتطويرها. |
وهنا قد يتبادر إلى أذهاننا كمسلمين أن نتساءل عن دورنا في مسيرة الحضارة.. هل استطعنا في أحد الأيام أن نصافحها وهل رأت الحضارة لدينا في إحدى مراحلها من القابلية ما هيأنا لميراثها وساعدنا على استغلال روافدها وأعدّنا لتطويرها حتى أسلمناها لورثتنا في وضع أفضل. |
إن المفتونين بالغرب لا تتسع آفاقهم لدراسة الفكرة في مثل هذه الأبعاد، حسبهم هذا النظر السطحي الذي لا يمتد إلاّ إلى ما تمتد إليه أنوفهم، وأنوفهم لا تتسع أبعادها إلاّ إلى ما يلمع اليوم من أفانين الغرب. |
أمّا أن هذه الأفانين كانت مخدومة قبل أن يتفتق وعي الغرب وأن مئات الأجيال قبل اليوم كانت قد بذرت بذورها ورعت نماءها وسقت أصولها قبل أن تعطي اليوم ثمارها وأن الإسلام كان له دوره الفعّال في تطويرها فذلك أبعد من أن يتخيلوه.. هل علم المفتونون بالغرب أن بين لابتي شرقهم العربي الإسلامي كانت تعيش أمة دوت لصيتها آفاق الأرض.. أمة استطاعت في أحد الأيام أن تضع يدها على مقدرات الحضارة في أكثر من محيط نصف الكرة الأرضية وأنها عرفت كيف تستغلها لتبني لمجدها صرحاً قليل النظير. |
لسنا من عشاق العظامية لنفخر بأحداث باتت نخرة لكنها دروس مزيدة ليثبت للمفتونين من شباب الأمة الإسلامية أن الحياة دول وأن دواليبها دائبة الحركة حول محورها.. لقد استطاعت أمة الإسلام بما بذل عباقرتها أن تمثل مركز الأستاذية ولم تبخل على الغرب بعلومها وفنونها وألوان بحوثها حتى هيأته للعمل الباهر الذي انتهى إليه اليوم.. ليس عيباً أن يزحف التلميذ إلى مكان الصدارة ليبز أستاذه فتلك سنة الحياة من يوم أن خلقت الحياة.. إنها محور تدور بدورانه دواليب الحياة بين صاعد وهابط ولا يلبث الهابط أن يأخذ دوره إلى السمو ليلحق العالي ولا يفتأ العالي أن ينحدر تحت تأثير الحركة التلقائية ليعطي مكانه للصاعد.. أقول ليس عيباً أن يزحف التلميذ إلى مكان الصدارة ليبز أستاذه ولكن العيب كل العيب أن نغمط جهود الأستاذ أو ننكر عليه ما بذل في سبيل التوعية وما أعطى من نفسه للتوجيه والإعداد. |
ترى هل علم المفتونون أن أبا بكر الرازي كان مصدراً رئيساً للحياة التي تطورت اليوم آفاقها بتطور الأيام؛ هل علموا أنه إلى هذا كان مفخرة من مفاخر الطب العربي..؟ هل علموا أن ابن النديم في كتابه الفهرست أحصى للفخر الرازي مائة وثلاثة عشر مؤلفاً كان أكثرها يبحث في العلوم الطبيعية كما أحصى له ثماني وعشرين رسالة في الكيمياء.. ذكر المطلعون عليها أنها كانت عميقة الأسرار تصور عمقه في الأبحاث العلمية وأن أكثرها نقل إلى أكثر من لغة في أوروبا فكانت منبعاً لمقومات الفكر في أوروبا وأن أكثر هذه الذخائر نقلت لسذاجتنا إلى المكتبات العامرة في فرنسا وإيطاليا وإنكلترا وإسبانيا وأن بعض المستشرقين في أمريكا استطاعوا أن يظفروا أخيراً بعدد وافر منها لمكتباتهم الخاصة وأهدى بعضهم نسخاً منها لا تزال مخطوطة إلى بعض المكاتب الكبرى في جامعات أوروبا.. هل علم المفتونون أن جابر بن حيان كان علماً من أعلام الصيدلة وأنه كان أول من أسس لها مدرسة خاصة بها وأول من ألّف في علم الأدوية وأول من ابتكر إنشاء مخازن عامة للصيدلة يوم كانت أوروبا لا تفهم شيئاً من معاني الصيدلة.. وأنه كان يفرض على الصيادلة أن يجتازوا امتحاناً خاصاً ليتيح لهم تعاطي بيع الأدوية كما يفرض مثل ذلك على الأطباء فلا يتعاطى مهنة الطب إلاّ من أجازه ابن حيان.. هل علم المفتونون أن يُوحَنا الطبيب كان أول من فكر في علم التشريح ونحن إذ نسمي من كان على غير ديانتنا مع من نسميهم من نوابغ المسلمين فذلك لأن بيئة الحضارة يومها كانت بيئة إسلامية وكانت ثقافتها العامة ثقافة إسلامية.. أقول هل علم المفتونون أن يوحنا الطبيب كان أول من فكر في علم التشريح عندما أجرى تجاربه الأولى على جثة قرد وخرج من ذلك بنظريات كان العلم لا يحلم بها.. وأنه أول من عني بعلاج أمراض العين، وألّف في هذا أكثر من كتاب.. هل علم المفتونون شيئاً مما سجل التاريخ لابن بختيشوع وابن سينا ليعرفوا أثرهم في دعم الحضارة التي يباهي الغرب بها وما قدموا من نظريات كانت تجمع هي والفنون والطب والفلسفة والرياضيات في بحوث ضافية تتلمذت عليها أوروبا واستفادت لنهضتها من دروسها ما لا مجال لنكرانه.. أريد أن أؤكد للمرة الثانية أنه لا يحسن أن نميل إلى النظامية التي ترى فخرها فيما صنع الأجداد ولكنها ألوان من الذكرى. حسبنا أن تكون عظة للمفتونين بما يسمونه حضارة الغرب ليدركوا مبلغ جهود هذه الأمة في تغذية الحضارة قبل أن ترثها أوروبا ومدى ما هيأنا لإعدادها لتلمع اليوم بين ظهراني مدعيها في القرن العشرين.. هل علم المفتونون أن أبا يوسف يعقوب بن اسحاق الكندي حبس نفسه على التوفيق بين نظريات أرسطو وأفلاطون وإنه ما لبث أن خرج لنفسه نظريات لا تمت إلى المدرستين بعلاقة ذات بال وأنه إلى جانب عنايته بالفلسفة كان من أبرع من نظر في النجوم علاوة على تعمقه في كثير من فروع الكيمياء وقد جاء في ترجمته أن مؤلفاته في الفلسفة والتنجيم وبعض فروع الكيمياء بلغت نحو مائتين لا يزال بعضها مخطوطاً تحتضنه كبريات المكتبات في العالمين الشرقي والغربي كما أن بعضها نقل إلى لغات أوروبية عديدة فكان أساساً لبحوث فلسفية واسعة ولكن الأكثرية الساحقة من هذه الكتب يعتبرها المحققون مفقودة ولعلّ الدمار الذي لحق بكثير من المكتبات الشهيرة والسرقات تعاونت جميعها على فقدها.. والغريب فيما نحن بصدده أن الجهود التي بذلها أمثال هؤلاء العباقرة في الدراسات والبحوث والتأليف كانوا يسهرون عليها على ضوء الشموع وقناديل الزيت، على ضوء هذه الذبالة الرفيعة التي تتراقص الحروف تحت شعارها الضئيل فلا تكاد تبين وكان ضعيف البصر منهم لا يجد النظارة التي نستعين بها اليوم في قراءتنا.. ونحن وبعد أن ظفرنا اليوم بما يساعد أبصارنا من زجاج النظارات وبعد أن شعت الإشعاعات القوية التي تكشف أدق الحروف أمامنا ماذا فعلنا وما مدى إنتاجنا وهل استطعنا بكل ما حققنا أن نجاريهم في عشر معشار ما حققوا.. نعيب زماننا والعيب فينا. وما لزماننا عيب سوانا. ونحن بعد هذا لا نزال في مكاننا مع عبقرية الكندي فقد ذكروا أن عبقريته لم تقتصر على دراسة نظريات أرسطو وأفلاطون ومن جال مجالهم من فلاسفة اليونان وحكماء الهند وما استنتجه لنفسه من مجموعة ما درس كما لم تقصر جهوده على ما ناقش من بحوث الكيمياء والتنجيم وفصول من فروع الفلسفة بل تعدى ذلك إلى دراسات واسعة في الموسيقى فقد عمل على تحليلها نظرياً وتطبيقاً ثم شرع يحلل الغناء الموزون إلى أوليات كانت نواة لدراسات دقيقة بعده في الأندلس حيث انتقلت منها إلى فرنسا ثم إلى كثير من ممالك أوروبا.. ولبحوثه في الموسيقى أربع رسائل تركت له شهرة واسعة في فن الموسيقى.. ومن الغريب أن بعض هواة الموسيقى في أوروبا يستعينون بترجمة هذه الرسائل على دراسة الموسيقى في عصور الإسلام الذهبية ونحن لاهون لا ندري شيئاً.. وهل علم المفتونون أن أبا نصر محمد الفارابي كان أول من تناول بحوث النفس في فلسفته فكانت بحوثه نبراساً لمن جاء بعده من علماء النفس ثم عنَّ له أن يدرس الآراء الصوفية فتعمق في بحثها وحلل أصولها في عدة مؤلفات، كما تراءى له أن يوضح الفرق بين أحكام المجتهدين في التشريع الإسلامي ليعلل الأسباب التي بنيت عليها تعليلاً منطقياً وأن رسائله في ذلك عمدة لكثير من الباحثين بعده واستطاع النابهون من ورثة المجتهدين والمتفوقين أن يعتمدوا نظريات الفارابي إذا عنَّ لهم أن يجادلوا المنطقيين ورجال الفلسفة في بعض النظريات الفلسفية وتراءى للفارابي أن يدرس بعض الظواهر التي سماها ما وراء التطبيق فأفاض فيها واستحدث من القواعد ما ظل يدرس بعده في جامعات الأندلس. |
كما تراءى له أن نظم الحياة السياسية حرية بأن يفلسفها وأن يُفَنِّن لها من القوانين ما يعتقد ضرورته لنجاحها فألَّف رسالة في ذلك ثم تلاها برسالة عن آراء أهل المدينة الفاضلة وبأخرى عن السياسة المدنية وفي هذه الرسائل كما يقول متتبعو آثاره قرر الأسس التي استوحاها من فلسفته مستقاة من آراء سبعة من فلاسفة اليونان بعد أن نقض كثيراً من آرائهم التي رأى أنه يتعذر تطبيقها عملياً وبذلك انتهى إلى قواعد تفرض التعاون الطبيعي بين أفراد الأمة الواحدة بصورة مثالية لا تتعارض مع قواعد التشريع الإسلامي.. قواعد لو استطاع من سموا أنفسهم بالاشتراكيين أن يتدارسوها لوجدوا في نظرياتها ما يحقق لهم أو في نظام لا يتعارض مع ما جاء به الشرع.. هل علم المفتونون أننا بنينا بيت الحكمة في بغداد وأن أروقتها كانت تموج بأساطين العلم والعقل في أهم فروع المعرفة وكان طلابها من كل جنس ولون يتلقون الحكمة في شتى أنواعها وأننا كنا من أوائل من بني المراصد الفلكية وكان من أهمها مرصد بيت الحكمة في بغداد الذي كان يتناوب العمل فيه جمهرة من كبار الفلكيين يترصدون مواقع النجوم وحركاتها وانحراف دائرة البروج ومواقيت الشمس والقمر وكانت لهم أجهزة استطاعوا أن يحددوا بها حجم الأرض ومحيطها وأن يقيسوا أبعادها بالميل والدرجة لينتهوا من ذلك إلى نتائج لا تكاد تختلف اليوم عما أثبته العلم الحديث بعد جهود مئات السنين إلاّ بالشيء اليسير الذي لا يكاد يذكر.. |
هل علم المفتونون أن من مشاهير العاملين في مرصد بيت الحكمة في بغداد من استطاع أن يصحح بعض النظريات التي كانت مأثورة عن بطليموس؛ ذلك هو محمد البناني وكان من ألمع المفكرين في عصره.. وأن أبا الريحان محمداً البيروني كان من أبرز من اشتغل في الطبيعيات والرياضيات وقد عاشت نظرياته تدرس في أوروبا في أوائل عهدها بالنهضة العلمية وظلت على ذلك زمناً طويلاً وكان له في فرنسا تلامذة يتحمسون له بعد أن حققوا ما ترجم من نظرياته. |
وقد أثر عن البيروني أنه علل الينابيع الطبيعية تعليلاً علمياً دقيقاً بناه على ما ثبت عنده من نواميس السوائل وقد طبق من ذكرت من تلاميذه في فرنسا تعليله هذا تطبيقاً علمياً وأفردت له مؤلفات خاصة كانت متداولة في كثير من مدن فرنسا. ويذكر المتتبعون أن نسخاً منها شوهدت في مكتبة قيّمة بباريس لا أدري إذا كان قد عفا الزمان عليها أم لا تزال محفوظة بين الكثير الذي تحفظه مكتبات أوروبا من تراث العرب. |
وهل علم المفتونون أن محمداً الخوارزمي كان ذا باع طويل في كثير من فروع الرياضيات وأن آراءه تركت أثراً له طابعه في حضارة الأندلس.. وانتقل منها إلى كثير من مدن أوروبا وأن مدرسة كانت معروفة في إيطاليا بدراسة آثار الخوارزمي وقد شهد لكفاءته أكثر من عالم بالرياضيات في أوروبا.. |
وكان الخوارزمي إلى هذا من أقدم من ألف في حساب الجبر والمقابلة وإذا كان قد سبقه بعضهم إلى هذا إلاّ أن ما ألفه في هذا الموضوع قد اشتهر شهرة واسعة وقد نقل مؤلفه هذا إلى اللغة اللاّتينية وظل يدرس إلى عهد طويل بعده في معاهد أوروبا وبنقله عرفت أوروبا أرقامنا الحسابية ولم يكن لأوروبا قبل ذلك قاعدة منظمة لشكل الأرقام أو مراتبها فهي اليوم تستعمل الأرقام التي عشنا وإياهم نستعملها في حساباتنا حتى بدا لنا أن نتركها لاستعمالهم وننشئ لنا أرقاماً جديدة هي الموجودة اليوم بين أيدينا بعد أن اقتبسنا بعض صورها من أرقام الهند. |
وهل علم المفتونون أن جابر بن حيان الذي تحدثنا عن براعته في دراسة خواص الأعشاب وتقطير ما ينفع منها للأدوية لم يكتف بهذا بل شغل نفسه بما حسبه أكسير الحياة وكان أمله فيما روى بعض المؤرخين أن في استطاعته أن يقلب النحاس ذهباً وقد ذكروا أنه نجح بعد لأي وإرهاق ولكن ما كاد أن يواتيه حتى ضاعت منه الوصفة التي نسخها بيده فاستاء لهذا وأبى أن يعاود البحث ولكن خبره فتن الألوف بعده فعكفوا على مئات التجارب وقد قيل إن بعضهم نجح وإن كان الخبر لم يثبت علمياً.. ومن مبتكرات ابن حيان التي تذكر له أنه حسن أعمال التبخر والتبلور والتكليس وكانت نظريات خاصة بعناصر.. المعادن ظلت أساساً لكثير من بحوث المعادن لكثير من كبار المشتغلين بها إلى عهد طويل.. |
وهل علم المفتونون أن الخليفة المأمون هاله ألاّ يجد صورة للأرض تحدد مواقع الممالك وتبين حدودها وبعد أن أعجزه البحث استعان بعدد كبير من علماء عصره ليضعوا خريطة للأرض تجمع سائر مماليكها فتوافروا على البحث والدراسة واستعانوا بكثير من الرحالين الذين ساحوا من مشرق الأرض ومغاربها كما استعانوا ببعض المبادئ التي أثرت عن اليونان ولم ينفكوا حتى انتهوا من رسم الخريطة التي بذلوا فيها غاية ما يمكنهم من جهد. |
وقد عاشت الخريطة مرجعاً لجميع المشتغلين بجغرافية الأرض وتاريخ ممالكها إلى عدة قرون وعني الأصطخري بها فلوَّنها ليحدد بذلك حدود الممالك وتركها ليعتمدها بعده المقدسي وابن حوقل وياقوت الحموي وعشرات من أمثالهم.. وهل علم المفتونون مبلغ الجهود التي بذلها الحسن بن أحمد الهمداني في سبيل أن يخطط لنا جزيرة العرب أقاليمها ومدنها ودساكرها وقراها وحياكها ومواقعها الأثرية ومناطقها التاريخية بشكل قد تعجز عنه لجان تتوافر على تحقيق ما فعل. |
إننا لا نستطيع استقصاء أسماء جميع العاملين في سائر المجالات العلمية فذلك أوسع مما يحتمله الوقت المحدد لمثل هذا البحث وإنما هي شذرات تداعت من هنا وهناك لا ينتظمها استيعاب أردنا أن ندلل بها على أن في مكنة شبابنا ألاّ يفتنوا ببهرج غيرهم حتى يستعيدوا مآثر آبائهم لبث روح المغامرة ولتعدهم للانطلاق الجديد في بلاد الإسلام.. وكان يتعين علينا أن لا نغفل الجهود الجبارة التي بذلها أساطين التشريع الإسلامي وما عاناه رجال الفكر والاختراع وعلوم اللغة ولكنها باتت جهوداً مشهورة حفلت بها مئات من دور الكتب والمدن فأصبحت في غنى عن إشادة مثلي بها والسلام. |
|