شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
طرائف في تاريخ جدة القديم
أجِدَّة هي أم جُدَّة؟
تعود لساني أن يقول جدة بالكسر.. وهذا لا يرضي أستاذي المحقق الشيخ عبد القدوس الأنصاري فقد عني بتحقيق الاسم ودرس ما قيل في شأنه دراسة طويلة انتهى منها إلى أنها جُدَّة بالضم لا جِدّة بالكسر.
وأنا رجل كثير العثار ولا يطاوعني لساني في غير ما ألفت إلاّ بتكلف ومن يعرف أستاذي الشيخ عبد القدوس الأنصاري يعرف قوة إساره فيما يعتقد.. يعرف غضبته لما تقرر عنده وشدة شكيمته.
وأنا رجل أخاف غضبه لأني إنسان بطبعي (خواف) فهل بينكم من يسندني إذا جد الجد.. هل بينكم من يقيل عثاري.. هل بينكم من يستطيع مواجهته إذا ادلهم الأمر..
لا.. لا أريد أن يحتد الأمر إلى نطاق يصل إلى الزعل فهو الرجل الغالي عندي ولا يرضيني زعله بحال إنه محق فيما يغضب فقد تعودنا غضب العلماء وحدتهم فيما لا يعجبهم من آراء الناس.
أذكر مرة وكنت فتى يافعاً أني مررت بالمسجد الحرام وتحت إبطي كتاب المنجد للأب لويس اليسوعي فصادفني فضيلة الشيخ عمر حمدان وليس من يجهل الشيخ عمر حمدان كبير مدرسي المسجد الحرام في وقته فراعه أني أحمل كتاب المنجد وفي المنجد أن عيسى ابن الله.. قلت وما علاقتي بمثل هذه الكلمات وأنا أعرف أن الله لا يلد.. إنه كتاب علم والعلم كالحكمة أو هو الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها، قلت هذا ولكن الشيخ غيور لما يعتقد، غضوب إذا وجد العصى، فما كان منه إلاّ أن شرع عصاه وتحفز ليضربني، كنت يومها خفيفاً لا يثقلني هذا اللحم المكتنز الذي تراكم اليوم ولا يعثرني هذا الترهل الذي يعوقني وكنت إلى هذا مشدود العضلات قوي المفاصل وكنت خفيفاً في الهزيمة كالغزال فلم ينلني من عصا الشيخ ما أخاف أن ينالني اليوم فيما ترون.
ومع هذا فأنا إلى جانب إصراري على ما ألفت أجدني أستطيع أن أستأنس في شأن جدة برواية ذكرها أبو الوليد الأزرقي وأيدها تقي الدين الفاسي.. تقول هذه الرواية أن الميناء قبل جدة كان في الشعينة أو الشعيبة كما في رواية أخرى وأن سكان الشعيبة وهي على مسافة ليست قصيرة من جنوب جدة شكوا إلى الخليفة عثمان بن عفان ما يلاقونه من صعوبة مينائهم وكثرة صخوره ونحن لا ننسى أن العشيبة في اللغة من تشعب عن البحر أو النهر أي تباعد.. شكوا إليه الشعيبة وقالوا إن بالقرب منها شاطئاً أسهل مورداً وطلبوا إليه أن يأذن لهم في الانتقال إليه فشد الخليفة عثمان رحله حتى انتهى إلى الشاطئ الذي اختاروه فسر به. تقول الرواية أنه اغتسل في مائه ودعا له بالبركة وأذن لهم أن ينتقلوا إليه فكانت جدة هنا لا أستبعد ما يقال في اللغة جد الشيء جدة صار أو كان جديداً وما يقال لجدة شاطئ البحر أو النهر.
رواية قرأتها أترك أمر التعليق عليها للأستاذ عبد القدوس الأنصاري لعلّه أن يأذن لي بها لتكون مستندي وأنا أقول جدة بالكسر.
وإذا كان المفهوم مما حققه الأستاذ في شأن جدة أنها أقدم من عهد عثمان وأنها كانت موجودة لعهد الرومان أو قبله فأنا لا أستبعد أنها كانت موجودة بدليل الحفر التي كانت تتجمع فيها الأمطار لسقيا البلدة إلى عهد قريب وهو تقليد روماني قديم ولكن هذا لا يمنع من يقول ربما كانت قديمة ثم درست ثم أعيدت إليها الحياة في عهد الخليفة عثمان فهي والحال هذه جد الشيء فهي جدة في رأيي وهي أقرب إلى ما ألفت.
لعلّ بينكم من يشايعني على هذا الرأي ولعلّ بينكم من يتراءى له أن يسميها جَدَّة بالفتح والجَّد هو الحظ ولو جاز لي اليوم أن أخترع لها اسماً له نصيب من واقعها الحالي لسميتها جَدّة لا لما زعموا من قبر حواء بل لأن الجَّد هو الحظ وهي اليوم محظوظة بمن اجتذبت من أصحاب الكفاءات في مكة والمدينة ومن امتصت من رجال حتى تركت مكة وتركت المدينة تأسى لفراقهم وتتحسس بعدهم ما تركوا من فراغ.
أحسب أن توطئتي طالت إلى أكثر مما كنت أقدر وأخشى ما أخشاه أني فيما فعلت أثقلت عليكم.. دعوني أستميحكم العذر رغم أن الذنب ذنب ناديكم المحترم قبل أن يكون ذنبي فقد كان يتعين عليه أن يحسن اختيار المحاضرين لهذا المنبر.
وبعد هل لنا أن نشرع في قصصنا عن بعض ما صادف جدة في قرونها الأخيرة.
لا نريد أن نسلسل الحوادث بتسلسل السنين فليس هذا من طبيعة هذا الموقف وإنما هي شذرات من هنا أو هناك تتداعى بتداعي المعاني والسياق.
نحن الآن على أبواب القرن العاشر الهجري وإذا أبينا إلاّ التحديد فنحن في عام 908.
ماذا حدث؟
لقد مضى نحو أسبوعين لم يستقبل ميناؤنا فيها مركباً واحداً من مراكب الجنوب أسمعت؟
قيل من أيام أن مركباً لرجل من الحوراء شمال ينبع رسا في جدة ثم أبحر منها متوجهاً إلى عدن فما لبث أن عاد وقد سئل الناخوده فقال إنه ما كان يشرف على القنفذة حتى وافته أخبار سيئة أن القتال يستعر في المحيط الهندي وأن مداخل البحر الأحمر ابتداء من خليج عدن إلى ما يلينا من جنوب الجزيرة تعج بالاستعداد للدفاع بعد أن ترامت إليهم هجمات البرتغاليين واكتساحهم بعض البلاد الهندية في طريقهم إلى البحر الأحمر.
أسمعت؟ -رسا اليوم في الميناء مركب مصري مثقل بمئات الجند من الشراكسة والأتراك والمغاربة قيل إنهم طلائع جيش لجب استنفره ملك الشراكسة في مصر دفاعاً عن جدة- سيتوالى وصول المراكب في مدى الأيام الثلاثة الآتية.
أسمعت؟ -صدرت اليوم أوامر قائد الجيش حسين الكردي بترحيل الشيوخ والصبيان والنساء إلى مكة ليستعد شباب جدة للدفاع عنها في جناح الجيش المقاتل.. لقد شهدت بعيني زحام الأسر في سوق الحمّارين وساحة الجمال وقد تفاقمت أسعار أجور المركوب إلى مكة بصور لا تطاق.
ولو كانت لهم صحف يومها وصحفيون من أمثال إخواننا أصحاب الضجة إياهم لقرأنا في الصفحة الأولى هذه المنشتات -البرتغاليون يزحفون إلى البحر الأحمر -مذابح رهيبة في جزر المحيط الهندي -شهود عيان يصفون وحشية البرتغاليين في البلاد التي اجتاحوها.
وكأني تعرضت لما لا يحسن أن أتعرض له من أمر الصحفيين.. فعفواً.. ولنمضِ.. فهذه جموع الأهالي من مختلف الطبقات في جدة تساق قسراً إلى بناء سور لجدة يحصنها من غارة البرتغاليين طبقاً لقرار الجيش كما تقرر أن يجند الأهالي من كافة الطبقات للعمل في البناء.
أسمعت؟ -لقد فاجأ العمل اليوم قائد الجيش حسين الكردي فلاحظ أحد البنائين يصل متأخراً عن موعده فأمر به أن يقيد إلى السور ويبني عليه فمات في جوف السور.. إنها قسوة جبار.. فهلمّ نسرع إلى عملنا في السور.. وإذا رأيتم أن تسرعوا فهيا بنا.
لكن الأخبار ما فتئت وافت بتراجع البرتغاليين عن البحر الأحمر وكفى الله المؤمنين القتال ومع هذا ظل حسين الكردي صاحب الكلمة في جدة حتى سقط حكم الشراكسة في مصر ودخلها العثمانيون وانتقلت طلائعهم إلى جدة، فأسلمت جدة قيادها إليهم فدخلوها وأمروا بقائد الشراكسة حسين الكردي فأغرق في البحر حتى مات وترك جسده طعاماً للأسماك.
نحن الآن في مستهل عام 923هـ، وكان مندوبو سليم الفاتح قد اتصلوا بمكة يحملون رسائل السلطان إلى شريف مكة بركات بن محمد بإقراره إمارة مكة إذا وافق على -الدعاء له كخليفة للمسلمين فوق منبر مكة وكان قد رأى أن لا مانع إذا ظلت التبعة غير مباشرة واستطاع أن يستفيد من معوناتهم لنفسه وبلاده.
صك الحجل في الرجل بركات في دست إمارته يديرها كما يشاء وظل ابنه أبو نمي بعده على مثل منواله وظل الأشراف بعدهما متعاقبين على الحكم بالوراثة أو يتغلب بيت منهم على الآخر.
وندب العثمانيون فرقة عسكرية ترابط في جدة لحماية الثغر ولم يبيحوا لقائدها أن يتدخل في شؤون البلاد الداخلية بل تركوا أمر ذلك إلى حاكم مفوض من شريف مكة كانوا يسمونه وزير جدة كان يفصل في قضايا الأهالي ويضطلع بسائر الشؤون الإدارية.
ولكن العثمانيين ما لبثوا أن أضافوا إلى قائدهم في جدة وظيفة مشيخة الحرمين ليشرف عن كثب على شؤون التعميرات في المسجدين.. اهتبلوها فرصة جرياً على العادة المعروفة.. ولمَ لا يفعلون ما داموا قد استطاعوا بخبراتهم أن يتعهدوا الحرمين بالإصلاح في بلاد فقيرة.. (أدهن الفم تخجل العين!!). كان الأمير في مكة يتسلم زمام الإمارة عن وراثة أو شطارة ثم يكتب إلى الخليفة فلا يملك الخليفة العثماني إلاّ أن يؤيد الواقع. حسبه أن يوافق الأمير الجديد على الدعاء له فوق المنبر.. ثم (تشقى لما تلقى!!) ما دام الدعاء مضموناً له فوق منبر مكة.
ظل قائد الجند المرابط في جدة لا يريم عن جدة ولا يتوسع في اختصاصه إلى أكثر من الإشراف على تعميرات المسجدين ولكنه ما لبث بتوالي السنين أن توسع نفوذه فأصبح يراقب الأعمال الإدارية ويكتب إلى السلطنة بمقترحاته.
واتسعت الخطوة عندما كتب ((قانصوه)) قائد الجيش في جدة في عام 1040 إلى الخليفة العثماني يشجب النظام السائد في شأن واردات الحجاز من المكوس والحجاج التي كان يتولاها شريف مكة فينفق منها على شؤون إمارته ويوزع الباقي على بني عمومته من الأشراف، ويقترح أن تضم إلى خزينة الدولة.. وأن يخصص للموظفين رواتب معينة يتقاضونها فصدرت الشاهانبية بذلك وامتثل لها الشريف مسعود بن إدريس فقد كان محباً للسلام.
والذي يلاحظه المتتبع لتاريخ علاقة الحجاز بالعثمانيين أن نفوذ العثمانيين عاش نحو مائتي سنة يتراوح بين المد والجزر تحت تأثير القصور الحاكمة في مكة.. كان الشريف القوي المراس يقف حائلاً دون شيوع النفوذ العثماني ويحدد صلاحية قائد الجيش في جدة حتى إذا تولى شريف مسالم أو ضعيف عاد النفوذ إلى مده وشرع القائد في جدة يتوسع في اختصاصه إلى أبعد حد تواتيه فيه ملابسات الضعف.
وكان بعض أمراء مكة من الأشراف يستعينون بقائد الجيش في جدة ضد من يناوئهم من بني عمومتهم فيغتنمها القائد فرصة له ولمركزه ويعرض جدة لاضطرابات لا نهاية لها.
حدث في عام 1116 أن اختلف أمير مكة الشريف سعيد بن سعد من آل زيد مع جماعة من بني عمومته فخرجوا عليه.. تجمعوا في وادي فاطمة وأعلنوا عصيانهم ثم ندبوا من يفاوض قائد الجيش في دخولهم جدة فاغتنمها القائد فرصة وأباح لهم أن يعلنوا إمارة من اختاروه في جدة فدخلوها ونادوا بإمارة عبد المحسن من آل زيد فيها وكتبوا بذلك إلى قبائل حرب وقبائل الجنوب والشمال فأطاعوا فتقدمت جموعهم ونشط سعيد للدفاع فاستنفر الأهالي والقبائل الموالية وطلب إلى قاضي مكة ليصدر فتواه في شأن العصاة في جدة فصارت فتواه بأنهم ملزمون بالطاعة وكتب إلى قائد الجيش يطلبه إلى مجلس الشرع ليقيم عليه الدعوى لمساعدته قطَّاع الطرق إلى أن يقول: فإذا لم تمتثل بالحضور إلى مجلس الشرع كفرت!!
وليس هذا الكفر هو الأول من نوعه فقد عاش يدور بيننا.. عشنا حقوباً طويلة نسمي حكام الأمس قطاعاً كما نسمي القطاع غداً إذا انتصروا حكاماً شرعيين ونجد في مجالس القضاء مجالاً لإقرار ما نفيناه ونفي ما أقررناه.
وتقابل الفريقان في ذي طوى على مسافة كيلومترات من مكة. مقاتلة جدة على رأسهم سنجق جدة أو قائد جيشها، ومقاتلة مكة وفي جيشها فرقة مصرية وأخرى يمنية وثلة من الأتراك الإنكشارية وبعض الموالين من القبائل وأهل الحارات وبعد أن دام القتال أربعة أيام استطاع جيش جدة المهاجم أن يقضي على إمارة سعيد وأن ينادي مناديه في مكة بإمارة عبد المحسن فمضى عبد المحسن إلى المسجد في موكب حافل وبعد أن طاف بالكعبة قرئ مرسوم سلطاني جاء فيه أن السلطنة فوضت القائد سنجق جدة سليكان باشا فاختار عبد المحسن ثم نهض الشيخ عبد المعطي الشيبي فدعا للأمير بالتأييد وصوْت المبلّغ فوق قبة زمزم يؤمّن على ما يقول.
ولم ينته الأمر عند هذا الحد فإن عبد المحسن أميرنا الجديد ما لبث أن اختلف مع مشايعه سنجق جدة فتنازل عن الأمر لأحد بني عمومته عبد الكريم وما كاد يستقر الأمر لعبد الكريم حتى فاجأه جيش سعد بقوة جديدة في مقدمتها ثلة من الأتراك الإنكشارية وبعض القبائل على رأسهم والده الشريف سعيد فأعلن سنجق جدة النفير العام واستطاع أن يستصدر حجة شرعية بوجوب الدفاع واعتمدتهم الحجة طبعاً أصحاب البلاد الشرعيين كما اعتمدت خصومهم قبلهم وأفتت بوجوب قتال قطَّاع الطرق الذين كانوا قبل أيام شرعيين -وهكذا تدور صكوك الشرع بدورات الأيام وتؤيد اليوم ما رفضته بالأمس أو حكمت بكفره، واستطاع جيش سعد أن يعيد الأمر إلى نصابه بعد أن بذلت القبائل وبذل الأتراك الإنكشارية من الجهد ما لا يقدر.. بويع لسعد بالإمارة فدعا الناس إلى اجتماع عام في المسجد ونادى فيهم: ماذا ترون في أعمال العصاة في جدة فصاحوا باطل.. باطل.. في أسلوب جماهيري تعودته الحياة فالجماهير إذا تجمهرت لا تصدر في صياحها الكثير السائد إلاّ عن غوغائية لا تعقُّل فيها ولا روية.
ونحن هنا إذا أشرنا إلى جهود الأتراك الإنكشارية وما تميزوا به من إقدام في انتزاع النصر، رب سائل يسأل ما الإنكشارية هذه وهل الإنكشارية أتراك من نوع خاص؟ الواقع أننا نسميهم أتراكاً مجازاً هم أجناس متفرقة جمعتهم تربية تركية خاصة هي فرقة أسسها ثاني سلاطين آل عثمان (أورخان بن عثمان).. كان يأتي بالأحداث من أسرى النصارى فيربيهم على الإسلام تربية ينشأون فيها على خدمة الدولة والعناية بحمايتها عسكرياً والتفاني إلى الموت في سبيلها وكان السلاطين في ذلك العهد يكلون إلى هذه الفرقة أهم نواحي الدفاع في سائر أقطار الدولة واعتماداً على ما يبثونه في أفرادهم من روح وهو تقليد روماني قديم.. تألفت الفرقة أول ما تألفت من ألف جندي ثم ما لبثوا أن نموا وتكاثروا وأصبحوا أصحاب كيان خاص في الدولة يعتزون به كما كان العثمانيون يباهون بهم ويرهبون بشدة بأسهم دول العالم وربما استدعت بعض القبائل في بعض أقطار الدولة الاستعانة بهم فكانوا يندبون ثلة منهم لتثبيت قواعد الحكم وبذلك كان للحجاز نصيب منهم في بعض سني العهد العثماني.. كانوا يندبونهم للإقامة في جدة أحياناً وفي مكة أحياناً أخرى حسب مقتضيات الأحوال.
وقد ظلت هذه الفرقة عماد العثمانيين قروناً طويلة ثم رُئي أن أمرها قد استفحل وأن تربيتها الخاصة علَّمتها التعصب لما أنشأوها عليه من مبادئ وأنها ربما عصت أمر السلطان في سبيل ما اعتقدت.. ذكروا أن السلطان سليم رأى في عام 1203 أن حاجة العصر تدعو إلى تحسينات جديدة في الشؤون العسكرية فأسس نظامه الجديد الذي عصاه فيه الإنكشارية وهم معذورون فالمتعصب لا يستطيع أن يتعقل كل جديد على ضوء ملابسات العصر وهو في أكثر أحواله ينسى أن قديمه كان في أحد الأيام جديداً وأنه نشأ مرفوضاً من قيم اجتماعية كانت أقدم منه.. ينسى أن قيم الحياة لا تستقر على ثبات وأن كل قيمة نشأت على وجه الأرض من يوم خلقت الأرض كانت يوم نشأتها جديدة وكان في الميدان من أصحاب القيم القديمة من يستنكرها في حماس ثم ما لبث هذا الجديد أن أخذ مع الأيام دوره في الصدارة بين القيم التالية واستطاع أن يكتسب صيغة القديم لينشأ عليه من يغضب لتغييره وربما وصفه بأشنع الأوصاف المنكرة.
هذا الغضب للقديم في غير روية ولا تعقل ولغير داع إلاّ أنه موروث أثار ثائرة أصحاب السلطان في الدولة فصدر الأمر بقتالهم فقاتلوهم حتى أفنوهم وفناؤهم كلف الدولة أموالاً ورجالاً لا يحصى عددها.
والتعصب ضد الجديد يذكرني بقصة القهوة وما كان لها من شأن في جدة وكيف انتقلت إلى مكة؟ فأثارت ثائرة القدامى فأعلنوها حرباً عواناً ضدها.
ذكروا أن عادة شرب القهوة انتقلت من القطر اليمني إلى الحجاز في أوائل القرن الحادي عشر الهجري.. انتقلت إليه عن طريق جدة.. ذلك لأن جدة سباقة فيما يبدو إلى كل جديد جريئة في اصطناع كل (موضة) وطالما جرينا وراءها وتعثرنا فيما سبقنا من مودات بينما مضت في (مودتها) لا تلوى ولا ترتد.
هذه شيش الجراك عهدنا بمكة في صبانا لا نعرفها كما لا نعرفها إلاّ إذا نزلنا جدة ورأينا شيش الجراك طويلة النجاد يكاد ليّها لفرط طوله أن يصافح باب الزقاق وبالمناسبة كنا يومها لا نعود من جدة إلاّ مثقلين بأنواع من الهدايا حلاوة ديبة، حبال من السلك، شكة من الحوت، هذه قيم لا بد منها ولا يزال شيوخ جدة يعرفونها فأين ذهبت.. إنها قيم اقتضتها ظروف العصر وحاجات العصر ثم ما لبثت حاجات وظروف عصر آخر أن قضت عليها دون أن تتكلف لها أي عناء. ما لنا ولهذا الاستطراد.. كنا في موضوع القهوة التي فشت أول ما فشت في جدة كمودة جديدة ثم ما لبثت أن انتقلت إلى مكة نتعثر في عواقبها ونقاسي من أجلها بينما تمضي جدة لتتمتع بما فَنّت دون اعتراض.
أفتى علماء مكة أن القهوة شراب مسكر واستطاعوا أن يستصدروا أمراً بجلد بائعها وطاحنها وشاربها فكان الناس يتعاطونها في أقبية بعض البيوت فإذا هاجمهم المكلفون سحبوهم بالعنف إلى ساحة عامة وضربوا رؤوسهم بأوانيها وكانت من الفخار حتى تدميهم وربما قضى بعضهم من هول الضرب وربما اكتفوا في ذلك بجلدهم بالسوط.
ومما يذكر للعثمانيين في تاريخ جدة أن أوامرهم صدرت بجلاء النصارى عن جدة في بعض السنوات، تبلَّغ الأمر قائد الجيش في جدة عام 1100 فنادى مناديه بألاّ يبقى في جدة غير المسلم، وأمر من يتعقب ذلك فغادرها غير المسلمين من سائر الملل إلاّ بعض الشطار الذين اقتضت مصالحهم أن يعلنوا إسلامهم ليعيشوا في جدة.
كانت جدة يومها لا تعرف التمثيل الأجنبي فإن أول ممثل سياسي عرفته جدة كان في أوائل القرن الثالث عشر الهجري وإذا أردنا التحديد ففي عام 1216هـ فقد وصل أول قنصل إنكليزي لمباشرة أعمال القنصلية في جدة فاتخذ داراً خاصة بذلك رفع فوقها راية البريطانيين.. فكانت أول راية أجنبية ترفع في أفق جدة ما أثار دهشة المحافظين في جدة ودعا إلى استنكارهم وسياق التمثيل الأجنبي هنا يذكرني بحادثة مهولة لا أرى بأساً من أن أتخطى عشرات الحوادث في عشرات السنين لأروي حكايتها المروعة قبل فوات مناسبتها.
بدأت قصة الحادث في عام 1274 بتاجر من جدة اسمه صالح جوهر.. كان صالح هذا يملك مركباً بحرياً وكان يرفع على ساريته علماً إنجليزياً لأسباب لم توضحها رواية القصة.. قصارى ما روته القصة أن صالحاً هذا عنّ له في أحد الأيام أن يستغني عن العلم الإنكليزي بعلم عثماني فما كاد يفعل حتى بلغ القنصل الإنكليزي ما حدث فاندفع إلى المركب مستشيطاً على غير عادة الإنكليز، ولعلّ للبيئة أثرها أو لعلّ إحدى جداته كانت من سلالة عربية.. اندفع إلى المركب فأنزل العلم العثماني وأهانه وأعاد في مكانه العلم الإنكليزي.. وهنا جاء دور الدم العربي في أعلى فورته فقد تسامع الناس في جدة بالخبر فثارت ثائرتهم وهجموا على بيت القنصل فقتلوه ونهبوا بيته.
ترى كم يساوي دم صاحب السعادة.. لا سيما إذا عرفنا أن الدولة العثمانية بدأ ميزانها الدولي في هذا العهد يتضاءل عما كان بينما شالت الكفة الأخرى بشكل محسوس.
تقول القصة أن المولى العثماني نامق باشا ما كاد يتبلغ الخبر حتى أسرع إلى إلقاء القبض على المتهمين بالحادث وسجنهم ثم كتب إلى دار السلطنة بما حدث.
ومضى شهر وبعض شهر.. طبعاً لا رويتر.. ولا وكالة صحف ولا مذياع.. وكدت أقول ولا تلفزيون ولا طيارات ولكني خفت أن تتهموني بالمبالغة؟
مضى شهر وبعض شهر فإذا الناس يستيقظون في أحد الصباحات على أصوات قنابل يدوية فلما استوضحوا الأمر علموا أن مركباً حربياً إنكليزياً -كده وإلاّ بلاش- على كثب من الميناء يقذفه بقنابل مهلكة ففزع الأهالي بجدة وخرجوا هاربين في جموع كثيفة إلى مكة.
واتصلت الأخبار بالناس وهم في منى أيام التشريق فعم الفزع واشتد القلق ودعا نامق باشا كبار الأهالي والأشراف إلى مجلس لبحث الأمر فأشار المجتمعون عليه فاستنفر القبائل من كل نواحي الحجاز لقتال المعتدين.. (يحسبوها هوشة) فلم يعجب نامق هذا الرأي وأشار بأن تصحبه لجنة منهم إلى جدة لمقابلة قائد المركب الحربي ومفاوضته في الأمر فقبلوا.
وانتهت اللجنة إلى جدة واجتمع أعضاؤها بالقائد واستطاعت إقناعه بتأجيل الأمر حتى تصدر أوامر الخليفة بما يجب.
ومضى شهر وبعض شهر -طبعاً ما في طيارات- فإذا لجنة مختلطة من بعض الأتراك والإنكليز والفرنسيين تصل إلى جدة تحمل أمراً من الخليفة إلى نامق باشا بتفويضها في تحقيق الحادث وتنفيذ ما تحكم به حكماً قاطعاً دون أن يراجع فيه الباب العالي.
وأظهر التحقيق أن باعث الحركة هو الشيخ عبد الله المحتسب وكبير الحضارم سعيد العامودي -وهو طبعاً غير أستاذنا اليوم- وقاضي جدة عبد القادر شيخ والشيخ عمر باديب والشيخ سعيد بغلف وشيخ السادة عبد الله باهارون والشيخ محمد عبد الغفار والشيخ يوسف باناجة فحكمت اللجنة بقتل المحتسب والعامودي كبير الحضارم ونفي بقية الأشخاص إلى خارج البلاد كما جرى الحكم بقتل (12) شخصاً من عامة الناس أدينوا باشتراكهم في إثارة الفتنة.
وبموجب هذا نفذ الإعدام فيمن ذكر على ملأ من الناس في أوائل ربيع الأول عام 1275هـ كما نفذ حكم النفي في الباقين.
ومما يذكر على هامش الخبر أن اللجنة ما كادت تغسل يدها من دم القتلى حتى قابلت أمير البلاد لتستأذنه في زيارة مكة فلم تظفر منه بطائل.
وتتداعى المعاني الدامية أمامي فأتذكر من حوادث جدة قصة أخرى مثل هذه الروعة القصة التي نحن بصددها من قبيل (يفعلوها الصغار ويقع فيها الكبار).. تبدأ القصة في المدينة المنورة بين أغوات المسجد النبوي وتنتهي هنا في جدة وبالتحديد في حارة المظلوم.. وبهذه النهاية سميت الحارة حارة المظلوم.
تقول القصة أن رجلاً من توابع الأغوات أراد الانخراط في الجندية فحيل بينه وبين ذلك فغضب لأجله أغوات المسجد (كدا من الباب للطاق) غضبوا له وأغلظ بعضهم القول لرجال الحامية فثارت الفتنة كان ذلك في عهد الشريف مبارك بن أحمد بن زيد حوالي عام 1330 هجرية.
ثارت الفتنة وتحصن الأغوات بالمسجد النبوي فأراد قاضي المدينة أن يتلافى الأمر ويتوسط للصلح.. ولكن أغواتنا أبوا ذلك عليه. طلب إليهم أن يندبوا من يحضر مجلس القضاء فأبوا ذلك عليه فاستاء القاضي واعتبر امتناعهم عصياناً للشرع وأمر بقتالهم في المسجد فقاتلوهم فيه ولذلك عطلت صلاة الجماعة. ثم ما لبث الأغوات أن طلبوا الأمان فأبى رجال الحامية التركية إلاّ أن يقدموا كبارهم إلى مكة ليرى الشريف مبارك رأي الشرع فيهم فقبلوا ذلك وتقدم كبارهم خمسة أو ستة أشخاص اعتقلتهم الحامية وأرسلتهم إلى الشريف في مكة فثبتت إدانتهم وحكم على بعضهم بالعقوبة وعلى البعض الآخر بالنفي.
وأراد الأغوات أن يثأروا لأنفسهم فاتصل بعضهم بعاصمة الخلافة في تركيا وأقنعوا المسؤولين بأنهم كانوا مظلومين وأن أسباب الفتنة كانت سعاية بعض أهل المدينة على رأسهم عبد الكريم البرزنجي وكان من جملة علمائها فصدر أمر الخليفة بقتل المذكور وبعض المتهمين معه ففر البرزنجي إلى جدة وقبض حاكم جدة على عبد الكريم البرزنجي ونفذ فيه حكم الإعدام شنقاً ثم تركه مسجى في بعض الشوارع حتى توسط له بعض المقربين ودفنوه في الجهة التي تسمى اليوم باسمه حارة المظلوم نسبة إليه.
والحادثة التّالية تروي لنا لوناً مما كانت تقاسيه جدة من جراء احتكاكها بأحداث مكة أو بأحداث حكام مكة بوجه أصح.. تتلخص الحادثة في أن مساعد بن سعيد وهو من أشراف ذوي زيد وكان قد تولى أمر مكة في عام 1182 اشتد خلاف مساعد هذا مع جماعة من أشراف ذوي بركات وهما بيتان عريقان في مكة كانا يتناوبان إمارتها بالتغلب أو التعيين وهما غير أشراف العبادلة فالعبادلة بيت ثالث آل إليهم الأمر في أواخر أيام العثمانيين وكان منهم الشريف عون جد صاحب النهضة الحسين بن علي وهو جد الحسين ملك الأردن اليوم.
ما لنا ولهذا اشتد الخلاف بين مساعد وآل بركات فأصر آل بركات على إجلاء مساعد وآل بيته من ذوي زيد فجمعوا جموعهم في وادي فاطمة وقرروا الهجوم على جدة ليحتلوها كخطوة نحو القضاء على حكم مساعد أحاطوا بسور جدة فتحصن أهلها فرموهم بالكبريت المشتعل جعلوه في نشابات وأخذوا يقذفونهم به فاحترقت العشش حول السور ومع هذا لم يظفروا بطائل.
قرّ قرارهم أن يستعينوا بثائر مصر يومها محمد علي بك بلوط.. وأقول ثائر مصر لأن محمد علي بك بلوط كان قائداً للحامية العثمانية في مصر فعن له أن يثور على العثمانيين ويستولي على مصر وقد فعل وكتب له نجاح الاستيلاء ووجد في مندوب الأشراف من آل بركات فرصته ليستولي على الحجاز لهذا أجاب طلبهم على الفور ولكن حملته لم تظفر بطائل وعن له أن يستأنفها بعد سنوات فمضى قائده أبو الذهب إلى ينبع فاحتلها والي جدة فتحصن أهلها بسورهم واستماتوا في الدفاع فتركوهم وسورهم ومضوا إلى وادي فاطمة ثم انحدروا إلى مكة فأجلوا ذوي زيد.
ثم ما لبث ذوو زيد أن استأنفوا الكرَّة ففر المصريون إلى جدة وقد قيل إنهم وجدوا في جدة من أعانوهم على دخولها ليتحصنوا بسورها فما انتهى الخبر إلى ذوي بركات حتى جمعوا جموعهم ومضوا حتى عسكروا في غليل واستطاعوا أن يقتحموا جدة وما أن احتلوها حتى هاجموا بيوت التجار ومخازنهم فنهبوها فباتت جدة لا تجد تموينها واشتد غلاء الأسعار وعم الكرب معظم البادية حول جدة حتى أكل بعض أهل البادية الهررة والدم المسفوح من شدة الجوع وكان الرجل في جدة يقضي يومه بحثاً عن رغيف في أسواقها فلا يجده، كان ذلك في جمادى من عام 1184 وقد دامت الشدة إلى نهاية ذي الحجة من ذلك العام قاسى فيها أهل جدة ما لا يوصف من أنواع الكروب علاوة على القتل الذي استعر بين أعيانها وخاصة أهلها بصورة لم ينج منها إلاّ الفارون الذين استطاعوا ركوب البحر إلى البلاد الآمنة.
وبهذا استقر الأمر لذوي زيد في الحجاز وكان على رأسهم الشريف أحمد بن سعيد ولكن الخلاف ما لبث أن نشب بين أحمد وابن أخيه مساعد بن سرور، وكان لجِدّة دورها فيما ترتب على هذا الخلاف من نتائج كان وزير الأمير في جدة الشيخ يوسف قابل وكان قد ارتاب عندما فتحت جدة بابها للمصريين فرأى الشريف أن يعزله ولكن لا يتم بالسهولة التي يتوخاها لمكانته بين أهل جدة فماذا يفعل.
كتب كتاب العزل وسلمه إلى شريف من خاصة بيته وعززه بقوة تقبض على الشيخ وتقوده مكبلاً إلى مكة في غفلة من أنصاره.
ترامى الخبر إلى الشريف سرور بن مساعد فوجدها فرصة سانحة يستطيع أن يخدم بها نفسه فامتطى دابة مسرعة سبقت مندوب الأمير إلى جدة بوصوله أسر الأمر إلى الشيخ يوسف واستطاع أن يهيئه للأمر، سأتولى يا يوسف حشد الجموع.. وتتولى الإنفاق عليها.. سنقضي على إمارة أحمد في مكة ونستولي على زمامها ولقد كان.. فقد تركا في جدة بعض أنصارهما وأخذا طريقهما إلى وادي فاطمة حيث حشدا كثيراً من رجال البادية واستنفرا بعض القبائل من عتيبة وتابعا بهم السير إلى العابدية على كيلومترات من عرفة ثم دفعا إلى المنحنى.. وهاجما مكة فاستوليا عليها ونودي بسرور أميراً فيها في نحو منتصف القعدة عام 1186هـ.
ومع هذا لم يستقر الأمر بالشريف سرور طويلاً فقد كان أحمد عنيداً طويل النفس ظل يحشد القبائل فيكر على سرور المرة تلو المرة لجليه عن مكة حتى بلغت كرَّاته نحو عشرين مرة دامت نحو سبع سنوات قاسى خلالها أهل مكة كما قاسى خلالها أهل جدة من الآلام ما يجل عنه الوصف ولم يهدأ الأمر حتى ظفر سرور بعمه أحمد وأودعه السجن في جدة تحت إشراف الشيخ يوسف قابل وظل في سجنه حتى وافته المنية.
ومن الحوادث التي روعت جدة حادثة قتل الحسين الشهيد أمير مكة وهو يترجل عند باب الشيخ محمد عمر نصيف. والحسين الشهيد هو أمير مكة الشريف الحسين بن محمد بن عون تولى أمر مكة في عهد الدستور العثماني وعندما استطاع السلطان عبد الحميد أن يلغي الدستور قيل إنه أراد أن يضع حداً لإمارة الحسين الشهيد فقد كان من أنصار ثورة الدستوريين فأوعز -كما تدعي الرواية- إلى بعض جواسيسه ليقضي على الحسين فتربص به حتى علم أنه مدعو لوليمة خاصة في جدة في بيت الشيخ عمر نصيف فاندس في زي درويش بين المستقبلين عند باب آل نصيف وتقدم إليه يطلب تقبيل يده وما كاد حتى طعنه بخنجر مسموم كانت فيه القاضية كان ذلك عام 1294هـ.. روّع الحادث جدة وروّع أهلها ووجهاءها وأعيانها بشكل خاص فقد كان المظنون أن تحوم الشبهة حولهم فيقال إنهم دبروها مكيدة ضد الأمير.. دعوه إلى وليمة أحد أعيانهم ودسوا له من يقضي عليه وزاد الإيقاع واشتد أساه عندما علموا أن السلطة الحاكمة شرعت تذيق القاتل ألواناً من التعذيب ربما حمل القاتل على اتهام أقرب جهة يتراءى له أن يتهمها ليتخلص مما يقاسي وليس أمامه أقرب من أهل البلدة التي دعي إلى وليمتها ولكن الرجل كان أصلد من أن ينبس بحرف كاذب كان قراره رغم ما قاسى من أنواع التعذيب أنه ليس ثمة دوافع إلاّ من نفسه وأنه لا شريك له فيما أجرم وعندما حكم على الرجل بالإعدام بعد أن ثبت أنه المسؤول وحده عن فعلته شملت الفرحة سائر الطبقات في جدة وشوهد أعيانها يحتفلون بفرحهم في ولائم أقيمت في أكثر حاراتها ووزعت الصدقات بشكل واسع وظل ذلك دأبهم طوال أسبوع كامل.
وقد تراءى لي وأنا أكتب عن الحسين الشهيد في تاريخ مكة أن باعث الجريمة فكرة مغلقة وأنه ربما ترتب عليها سبب سري يحسن أن يكشف عنه التاريخ فعنّ لي أن أزور كبير جدة ووجيهها فضيلة الشيخ محمد نصيف لعلي أجد عنده ما يفسر معميات الأمر وهو دون شك خير من يستطيع تفسيره فقد كانت الوليمة في بيت عمه عمر نصيف وإذا كان هناك ما يمكن استنتاجه فإن آل نصيف أقرب لصحة الاستنتاج من غيرهم.
ولم يبخل الشيخ محمد عليَّ برأيه في الموضوع وشرع يحدثني بما يعتقده باعثاً للجريمة كما فهمه من بعض المختصين قال:
إن عبد الله بن محمد بن عون شقيق الشهيد كان في عهد إمارته قد اغتال محمد شرواني باشا الداغستاني والي مكة فأراد أخو المقتول أن يثأر لأخيه فلما انتهى إلى مكة كان عبد الله بن محمد بن عون قد توفي فطعن أخاه الحسين أخذاً بالثأر.
أحسبني أطلت ومشائخنا القدامى رحمهم الله كانوا يقولون في التطويل كلت الهمم وعجائزنا -وما أحكم عجائزنا- أحياناً يقولون: خف تعوم. ما أحلى أن أعوم والسلام عليكم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :909  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 27 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج