شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
جزيرة العرب بين المد والجزر
من أبرز ما تميز به الإسلام أول ظهوره في جزيرة العرب توحيد أقطارها الشاسعة وضمها إلى علم واحد تحت قيادة رجل واحد.
كان العربي الأصيل لا يدين بولائه لأكثر من مجموعة خيام تحدها عشيرته أو سلسلة هضاب تمثل منازل قبيلته.. ثم لا يمتد بصره بعد هذا إلى ما وراء التخوم إلاّ إذا أراد أن يهجو منافسيه أو يتطاول عليهم يمتدح قومه، وسموق جبالهم التي تعز على من رامها وتطول.
كان لا يفهم من معاني العروبة ما فهمه حفيده بعد الإسلام. وكان لا يدور بخلده شيء عن حدود الجزيرة التي عرفها خَلفَهُ بعد الإسلام.. ولا أدلّ على هذا من تراثه الخالد في الشعر فقد تغنى فيه بكل شجونه في الحياة دون أن يذكر العروبة أو يشير إلى حرف من معانيها.
ولا عبرة بما وضعه القصّاصون عن مجالس العرب في بيت كسرى. وما أوردوه عن حكايات مشابهة.. تبدو فيها الصنعة وتتهافت حقيقتها عند الإستقراء.
وجاء الإسلام فمضت بنوده تتخطى الحواجز بين القبائل وتدك الفوارق الفاصلة بينها واستطاع النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته بعده أن يحيلوا تلك الأشلاء إلى جهاز له كيانه وله آفاقه المترامية من قلب الجزيرة إلى أبعد من حدودها.
وورث خلفاء بني أمية هذا الكيان المتّسع -كيان العرب- وحافظوا على مجده وبالرغم من انتقالهم إلى مشارف الجزيرة في الشام ظلوا وثيقي الصلة بمواطن أجدادهم في داخل الجزيرة حفيين بمقدراتها إلى حد.
وانتصرت مبادئ الفرس على أثر هذا في حدود العراق وربح العباسيون المعركة بسيوف أخوالهم من العجم فبدأت إبرة الميزان تتأثر بحركة التيار وشرعت كفة العرب تشيل بفعل الثقل في حدود الفرس وشرع نفوذهم في الدولة يتقلص في تدريج بطيء.
مضى العباسيون في عهدهم الأول يحتفون بأخوالهم في فارس أكثر مما يحتفون بأعمامهم في جزيرة العرب وما انتهوا إلى عهدهم الثاني حتى صاهروا الأتراك.. فأحلوهم المكان الأول قبل الفرس واستغنوا عن العرب فأدرجوهم في ذيل القائمة.
وعرف العرب في الجزيرة مركزهم من بلاط الخلافة في بغداد فبادلوهم الاستهتار وشرعوا يناوئونهم باسم العلوية مرة والقرامطة أخرى وغيرها في غير ذلك حتى ألفوا الاستهتار بالسلطان واستمرؤوه وعادوا إلى سيوفهم يحكمونها في كل خلاف. وبذلك نسوا جامعتهم في الإسلام وعادوا إلى ما يشبه الجاهلية الأولى يمعنون في الفوضى ويشيعون الفتنة فتفككت عراهم ونسوا سلطان الخلافة فيهم وشرع انقسامهم على الخلافة يعلمهم الانقسام على دينهم وعلى أنفسهم.
وقضت الفوضى التي تردوا إليها على كثير من مميزاتهم فنسوا فضائلهم وعلومهم وآدابهم ونسوا قيامهم في مستوى الحياة.
وتلك فرصة كانت تستحق اغتنامها فقد وجد الترك من قبائل السغد والفراعنة والشاس وما وراء النهر أن الظروف تواتيهم وأن هجرة السابقين منهم إلى بلاط بغداد هيأتهم لأخطر المراكز في بلاد العرب.
فشرعوا يعبرون بحر الخزر إلى أذربيجان والجزيرة أو نهر بخارى إلى خراسان وفارس ثم يتجهون إلى تخوم العرب ويتغلغلون في أنجادها فيجدون الطريق أمامهم معبداً إلى مناصبها في قصور الخلافة والجيش.
وبقدر ما تكللت هجرتهم بالظفر، مُني العرب في أوطانهم بالخسران.. استطاعت قبائل الترك أن تمد نفوذها إلى قصور الحكم ثم ما لبثت أن هيمنت على الحاكم نفسه، فأصبح الخليفة العربي في بلاطه رهن إشارتهم لا يضع توقيعه إلاّ على ما يكتبون ولا يصدر أمره إلاّ بما يرتأون.
وتتابعت فصول الرواية حتى رأيناهم ينشئون الدويلات ثم الدول ورأينا جحافلهم تبني عروشاً لمماليكهم من الأتراك والشراكسة من أبناء عثمان.
كل هذه الانتصارات كانت على حساب العرب وما ظلم الترك العرب، بل ظلم العرب أنفسهم، فالحياة سباق لا يظفر فيها المتواكل إلاّ بقدر ما يظفر الراعي إذا نام عن قطيعه من الماشية وترك الذئاب ترعاها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :604  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 14 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج