شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(9)
حفظ متقن
وما كدنا نبدأ حصتنا في اليوم الثاني حتى صافحتنا قامة المدير المديدة تتبعها قامة لا تقل عنها طولاً، وسمعنا المدير يقول: (تفضل يا سي الشيخ.. يا واد إنت وهو.. لا يوصلني خبر عن أي واحد يقل الأدب منكم!.. سامعين والا لا.. تفضل يا سي الشيخ).
وتفضل الشيخ أحمد زهر الليالي، وجلس في صدر الفصل مكان الشيخ إسماعيل وبادره صاحبنا عباس: صبحك الله بالخير يا سي الشيخ. (احنا هنا تحت أوامرك). ولكن الشيخ لم تعجبه الكلمة وداخله الريب في جرسها، فالتفت في هدوء إلى حيث كان يجلس عباس؛ وحدجه بنظرة طويلة شعر بنفودها إلى أعمق أسراره فاختل توازنه، واستشعر الفتور في كل عضلة من أعضائه.
وبدأ الشيخ يسألنا عن القدر الذي استظهرناه من المصحف فإذا أجابه أحدنا أمره بالجلوس بين يديه، وكلفه بقراءة آية، أو آيات مما حفظ. فأغلق على جميع من في الفصل، ولم يستطع أحدنا أن يثبت أنه مر بآية واحدة من الآيات التي يجري الامتحان فيها.
أما عباس عميدنا الشقي فقد شعر أنه في حاجة إلى أن يتقلص وأن يكتم أنفاسه حيث يجلس؛ حتى لا تنم عنه نأمة، أو تدل عليه حركة.
وانتهى الشيخ من فحصه في لحظات كانت جديدة في حياة فصلنا بما شاع فيها من وجوم، ثم استوى واقفاً وشرع ينقل خطاه في تؤدة بيننا، ويسدّد نظراته الثاقبه إلى كل جماعة منا كأنه يستنبىء الملامح ما خفي من حقائقها، ويستنطق العيون ما دق من أسرارها.
وعندما أولانا ظهره ليعود إلى مجلسه لم يجرؤ أحد منا على متابعته بالنظر كما لو كان لظهره عين تحصي علينا الحركة والإشارة.
وأخذ مكانه من المجلس، وطفق يملي أوامره الجديدة (نحن لم نحفظ إلى اليوم كلمة واحدة من القرآن سنبدأ دروسنا من (بكرة) من أول سورة البقرة.. يجب أن يحفظ كل واحد منا صفحة كاملة حفظاً متقناً.. أتسمعون!.. حفظاً متقناً!..! يا ولد! أنا لا أقبل أكثر من غلطة واحدة في جميع الصفحة.. أتسمعون؟!!).
وقد سمعنا.. سمعنا مرغمين وعلمنا الإرغام كل معاني الإصرار فأصبحنا نبكر إلى الفصل وفي أعماقنا حركة دائبة أما شفاهنا فلا تتحرك إلا بتلاوة الصفحة المطلوبة منا.
وتقاعس بعضنا، فعلمهم الشيخ أدق المعاني التي تحويها معاني التقاعس وأذاقهم من وطأته ما بدد أحلامهم في الحياة التي كانوا يعيشونها قبله.
أما عباس فقد تقلصت عمادته، وتضاءلت جرأته، وتبخرت قدرته على التفكير في كل الحيل التي كان يزاولها، وأصبح يُرى وهو يتخطى عتبة المدرسة داخلاً إليها يتمتم بكلمات يتحصن ببركتها من بأس الشيخ، أو يكرر في سره حصته من القرآن في ذلك اليوم.
أما بعض (البلداء) فقد آثروا كي أقدامهم في بلاط المسجد الحرام وقت القيلولة ليدمغوا جلدتها السفلى ويعدوها لتحمل وطأة الخيزران كلما جدّ أوان الجلد.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :452  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 83 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الأول: من المهد إلى اللحد: 1996]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج