شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
هذا عهدٌ يلزم المرأة أن تدفع ابنها إلى حظائر الصَّواريخ
رحم الله جدتي!!
لقد كانت تحفظ الكثير من تخصص أصحاب الخطوات الذين يؤدون فريضة الصبح في حرم مكة، فإذا وافاهم الظهر صلّوه في المدينة فلا يمسي يومهم حتى يكونوا قد أدوا فريضة العصر أو المغرب في بيت المقدس على خلاف في الروايتين في ما انتهى إليه سند جدتي.
ليت جدتي تعلم اليوم أني أمسيت أبعد شأواً من أصحاب الخطوات لأنني استطعت أن أصلي فريضة الصبح في مسجد مكة، وأن أصافح بيت المقدس قبل حلول موعد العصر إذن لالتمست بركاتي، وربما وهبتني نفيس ثروتها التي تقاسمها أحفادها من آل العنقاوي والبناني والمالكي وتركوني (أمص الحميض!!).
لعلّ القارىء لا يهمه من أمر جدتي أو ثروتها وما نالني منها أو لم ينلني، ولكن يهمه أن يعرف مبلغ ما كان يتمتع به جيل جدتي من سذاجة ليستطيع أن يلمس مبلغ الخطأ الذي يتمسك به خصوم تعلم المرأة بعد أن مضى العهد الذي كان يبيح للجدات أن يربين أولادهن على مثل هذه القصص، وحل محله عهد آخر يلزم المرأة بأن تدفع ابنها إلى حظائر الصواريخ ليختلط بأحدث ما أنتجه العقل البشري الجبار.
ربما حسب بعضنا أننا نسينا قصة الرحلة، وساقنا الاستطراد إلى أفكار ليس لها كبير علاقة بما نحن في صدده، ولكني لا أشارك هذا البعض مثل هذا المذهب، لأنه لا يهمني أن أكتب رحلتي في يوميات تصف تحركاتي وما لقيت فيها ومن عرفت بقدر ما يهمني أن أناقش جميع المعاني التي تتداعى بمناسبة ما أكتب.
نحن الآن نحلّق فوق جبال القدس، وكان يتعين عليّ أن أحتفي حفاوة الأستاذ المزروع بتسجيل كل دقيقة في مفكرة الجيب التي يحملها.. إذن لاستطعت أن أعيّن لكم بالأرقام مبلغ الارتفاع الهائل الذي تحلق فيه الطائرة في ضوء ما أعلنه مذياعها، ولست من غواة حمل المفكرات، وإني لأعجب شديد العجب لأستاذنا المزروع كيف يتسع صدره لهذا الإلزام الذي يأخذ به نفسه كما أعجب للمفكرة نفسها لم لا تضل أو تضيع؟ إني أشاهدها ومئات قبلها لا تفارق جيبه قط، ولو كنت مكانه لسئمت صحبتها وتمنيت أن أنطلق بعيداً عن لزومياتها وما تقيدني به.
لقد حاولت أكثر من مرة أن أتقيد بمفكرة تساعدني على تسجيل كل دقيقة تصادفني ولكني فشلت.. كان يغيظني منها في كل مرة أنها لا تذكرني بنفسها، وأنها على الدوام تتعرض للنسيان والضياع، وإنني إذا استطعت أن أحتفظ بها إلى أن أملأ صفحاتها فلا ألبث أن أعجز عن صيانتها.
ليت الأستاذ المزروع يعلمنا كيف تصان المفكرات من الضياع، وما هو النظام المقرر لجمعها إلى المفكرات التي سبقتها، وما هو أخصر طريق للاستفادة من محتويات كل هذه الملفات إذا بلغت صفحاتها الألوف؟
إنه وصب لا قبل لي بمعاناته فإني إنسان لا يلذ لي شيء ما يلذ لي الانطلاق الذي لا يقيدني فيه إلزام.
إذن فليس للقارىء أن يطالبني بنسبة الارتفاع فوق جبال القدس، وحسبه مني أن يعرف أن ارتفاعنا كان شاهقاً، وأننا كنا نجتاز في الفضاء طبقات تزيد مئات الأقدام عن الطيران العادي، وأن ضغط الجو أطبق على أنفاسنا في صورة لا يعرف قسوتها إلاّ من عانى مشاق الطيران فوق الجبال السامقة.
وإذا كان المفروض أننا نحلق فوق قمم عالية إلاّ أن الطريف أنها قمم ليست من النوع الذي ألفناه في بلادنا، لأن على أكتافها تنبسط سهول مستوية تترامى إلى مسافات شاسعة.. كل سهل منها صالح لأن يتسع لبناء مدينة كاملة بأرباضها وميادينها وساحات اللعب والمطارات فيها.
وهي سهول تلمع فيها أعشاب ريانة، وتكتنفها مهابط تلتوي بالتواء السيول في مخارفها.
والقدس نفسها تستوي على أكثر من كتف تتصل أطرافها بين مصاعد الجبال ومهابطها، وتتناثر قراها على هضاب شتى تتسامى في طمأنينة أو تنحدر في هون.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :781  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 89 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج