نحن كسَالى في أفكارنا وأعمالنا |
لا أعتقد أنك تجادلني في هذا!! |
أنا كسول.. وأنت لا تقل عني كسلاً!. |
ويشترك معنا في هذا الكسل أبوك وأخوك وحموك.. وذو مال!! |
أترتاب في هذا؟ |
إذن فخذ على يديك.. وثق أنه من الخير لي ولك أن نتكاشف، وأن نشير إلى عوراتنا بصراحة واضحة؛ لندلل على أننا أمة تستحق أن تعيش. |
أتسمعني.. خذ على يديك: |
نحن -وقبل كل شيء- كسالى في أفكارنا.. فأنت إنسان راعتك خزانتك التي اكتظت بالمال، فرأيت أن تفتح منها نافذة إلى النور، فماذا تصنع؟؟ |
بدأت تبني محطة لتوزيع البنزين، ورأيتك تفعل هذا فما لبثت أن قلّدتك.. وإذا محطتي تواجه محطتك، ورآنا أبوك وأخوك وحموك وذو مال فما لبثوا أن أنشأوا مثل محطاتنا، فلا تتكامل السنة والأخرى حتى تكون المحطات قد تزاحمت في أضيق حيز!! |
أتريد تفسيراً لهذا؟ |
لا أعتقد فليس في المسألة ما يستحق أن تتكلّف له التفسير!! |
ليس في المسألة إلاّ أننا كسالى في أفكارنا.. إن نشاطها محدود لا يتسع مداه إلى أبعد من أنوفنا، وليس تحت أنوفنا اليوم إلاّ محطة بنزين فلنبنِ مثلها. |
لا يتسع نشاط أفكارنا لصنع مادة للحبر، أو فرن للقزاز، أو مخرطة للدبابيس، أو أي شيء يقصينا عن المضاربة ويفرد لنا فرصة لا نزاحم نحن فيها ولا يزاحمنا أحد. |
لا.. إن أفكارنا لا يتسع نشاطها إلى مثل هذا المدى، فلا تستغرب زحامنا في بناء محطات للبنزين، ومصانع للكولا ومشتقاتها.. |
لا تستغرب زحامنا في أسواق البقالين والعطارين والقماشين والمطوفين.. |
لا تستغرب زحامنا على صنف من الحرير نستورده، أو نوع من الكراسي نعرضه، أو نموذج من الدواليب نزاحم به غيرنا.. |
لا تستغرب هذا فنشاط الأفكار محدود لا يتسع لابتكار الأعمال صناعية كانت أو تجارية، ولا يقوى على اختراع المجالي وتنويعها. |
وهل تريد بعد هذا لوناً آخر من الكسل؟؟ |
إن البقال في بلادنا والعطار والقمّاش لا يرضيه أن يخدم دكانه أو تجارته أو حتى صناعته المحدودة كالسمكرة والحدادة حتى يستخدم (صبياً) أو أكثر. |
إنه إنسان يحب أن (يتسلطن) فوق كرسيه في صدر الدكان أو على حاشيته، وعلى صبيه أو صبيانه أن يباشروا أعمال الدكان الهامة. |
ثم.. أليس لنفسك عليك حق؟. إذن فما يمنعنا أن نترك الدكان للصبي آناً من النهار أو طرفاً من الليل ما دام يعرف كيف يقابل الزبون ويتقن تصريف البضاعة؟ |
وتسمع صاحب الدكان يتألم لأن وارداته لا تغطي نفقاته، بالإضافة إلى أجرة الدكان وراتب الصبي أو الصبيان.. فتسأله: وما شأنك بالصبي أو الصبيان؟ فلا تجد لديه إلاّ ما يسكتك ولا يقنعك! |
وعلى مثل هذا المنوال يجري الأمر في بيوتنا.. فسيداتنا اليوم يهزأن بذكرى جداتهن اللاتي كن يباشرن بأيديهن كل شؤون البيت.. إنهنّ اليوم يأبين ألاَّ يكلن خدمة البيت إلى مَن يتولاها.. وربما توسعن في هذا، فأفردن المطبخ لخادمة، والغسيل والكي إلى أخرى!! وربما أستعن بغيرهما لكنس الدرج أو تلميع الأواني.. وتفرغن استعداداً للخروج.. أو انتظاراً لزوّار كريمات (وهات يا متولي.. خد يا حسنين!!). |
أرجو ألاّ تغضب سيداتنا لما أقول.. وإذا أبين إلاّ أن أعتذر فيما فرط فسأبادر إلى ما يطلبن لأني عشت أخافهن خوفي من أمي يوم كانت تضربني بمكنستها. |
ومع هذا فلا بد لي من أن أعض على كفي، وأصارح سيداتنا كما صارحت سادتي. |
إن الإنسان المتمدن اليوم قلّ أن يعرف هذا التواكل.. إنهم هناك يخدمون أنفسهم في أكثر مجالي الحياة، وإنهنّ هناك يضعن أيديهن في الغالب الأعم في أكثر شؤون البيت ابتداء من فرن الفطائر إلى مغزل النسيج.. |
والطريف في أمر أصحاب الدكاكين والمتاجر عندنا أن بضائعهم لا تقبل قيداً أو تسجيلاً، وأن صبيانهم على الدوام موفورو الأمانة، نظيفو الذمة لا تشوبهم أو بعضهم إلاّ شوائب بسيطة تظهر نتائجها يوم تبرز ثرواتهم على أنقاض متاجر (أعمالهم). |
ربما تسأل: لماذا كان الصبي موفور الأمانة.. وهنا لا أبعد بك طويلاً فأنت تعلم أن الكسل حتى في تدقيق الحسابات أو مراقبتها يغرينا بافتراض الأمانة ويلزمنا الثقة حتى بمن نخافهم. |
ويصطنع أحدنا بعض المهن فلا يستغني عن الخادم يكل إليه (الدقة) بعد الأخرى ثم لا يتركه حتى ينفرد بسائر أعمال المهنة ويبقى العم عن كثب يتفرج فلا يحول الحول أو أخوه حتى يكون قد استعاض بما فرط من أسرار المهنة كثيراً من أرباح النوم. |
ويلازمنا الكسل على هذه الصورة في أكثر مناحي حياتنا، لهذا فنحن نتهالك على الوظيفة ولا نجيد من الأعمال الحرة إلاّ أيسرها، فنتزاحم على الاستيراد ولو أردنا أن نستقصي مآسي الكسل في مجتمعاتنا وبين طبقاتنا لطال أمد الاستقصاء. |
ليت مدارسنا تحارب الكسل قبل أن تحارب أبشع الرذائل، فالأمم لا تعيش ما عاش الكسل يتخلل صفوفها. |
تعالوا نبدأ الطريق.. فمن هنا بدأ الناس.. ومن هنا كان الطريق!!. |
|