سنمضي.. |
سوف نمضي!! |
لا تسألني إلى أين؟ |
لا تسألني فالدرب أوضح من أن نناقش مسالكه. |
إنه واضح المعالم، ظاهر السمات. |
وإنه ليس بيننا وبين العدوة القصوى من مشارفه إلاّ أن نؤكد العزم في دأب بالغ وإصرار واكد. |
أتسألني بعد هذا علام نمضي؟ |
وهل تسألني إلى أين؟ |
لا أحسبك ستستمرئ تجاهل العارفين وأنت سيّد مَن يعلم أن بلادنا عاشت مئات السنين قائمة تلقائياً محكوماً عليها بالاسترخاء المغناطيسي إذا صح مثل هذا التعبير. |
ألم تكن سوريا أريكة أجدادنا في عهد الأمويين؟ |
ألم يكن العراق عاصمة لنفوذ قومنا في عهد العباسيين؟ |
ألم تكن الأندلس تختاً لبني أبينا في عهد الفاطميين؟ |
هوّن عليك فلست أنوي فيما أدّعي أن أنابزك أو أباهلك ولكنها فكرة!! |
إنها فكرة أتمنى إليك أن نناقشها في هدوء.. فهل تسمعني؟ |
وإذا سمعتني فهل تفهمني؟ |
|
لقد اتفق لسوريا في عصور الإسلام حضارة ربما ظلت آثارها إلى يومك هذا ناطقة في وعيها العام اليقظ وسماتها الحية التي نشهدها. |
كذلك كان شأن العراق!! |
ومثله كان دأب الأندلس!! |
وعلى غراره كان حظ مصر، ألا ترى أن بني جلدتنا -ودعني أقولها واضحة- بذلوا أنفسهم في سبيل كل هذه الحضارات التي بات الإسلام يفاخر بها، ونسوا علاقتهم ببلاد الحرمين رغم أنهم من طينتها. |
لا.. لا أريد أن أنابزك.. ولا أريد أن أباهلك.. ولكنها فكرة تأبى إلاّ أن تلحَّ، وأن ترسم عشرات العلامات في سبيل الاستفهام. |
لا.. ليست هي دعوة للعصبية.. أو بعثاً لشيء لا تقره سواسية الإسلام، ولكنها مفارقة تأبى إلاّ أن تدلك على وجودها. |
أتسمعها صارخة؟ |
إنها تريد أن تستبين الدوافع التي بررت لهم نسيان البلاد التي أنبتت أصولهم، بينما عاشوا يحفلون في عناية فائقة بعواصمهم الجديدة، بل وبأكثر ممالكهم في أكثر أطراف الأرض. |
لا أريد أن ألحاهم ولكني..!! |
يا صاحبي: لكأني ببعضهم ينغصون إليَّ.. رؤوسهم ويقولون متى كان لهذا أن يتطاول ليناقش خلفاءنا حسابهم. |
لا.. أنا لا أتطاول.. ولكني أعاتب.. والعتاب (صابون) القلوب.. وهو قبل هذا شرعة سنَّها القرآن في نقاش أفضل الخلق وسيدهم: عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَآءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (عبس: 1-3). |
ترى لِمَ تركوا أمهاد آبائهم ومصدر قبلتهم لا تعتمد غير الصدقات ولا تعيش إلاّ على الأعطيات. |
لِمَ هيأوا أهليها ليقتصروا في معاشهم على التطويف، والزمزمة، وحراسة القبور، ودعاء المنابر لتأييد السلاطين بعد السلاطين؟ |
أيُقال إن ملابساتنا من الجدب والجفاف فرضت عليهم أن يسلمونا لظروفنا القاسية؟ |
إذن فأين فضول الأموال التي كانت تتلألأ بها قصورهم؟ |
وأين خزائن بيوت المسلمين التي كانت تشكو الامتلاء والتخمة؟ |
لقد كان في استطاعتهم أن يحفروا في كل متر بئراً، ويدفعوا لكل بئر دلواً، ويفرضوا على العاطلين والمتبطلين أن يغادروا تكاياهم إلى ميادين العمل الناصب في مختلف المهن. |
إذن لنشأنا نشأة جيراننا من أقاصي الشرق العربي إلى أقاصيه، وتهيأ لنا وعي يجاري الحياة في أدق معانيها وأحدث أساليبها. |
يا صاحبي: أترى في هذا ما ينابزك أو يباهلك؟ |
لا.. فهي ليست دعوة للعصبية، أو بعثاً لشيء لا تقرّه سواسية الإسلام، ولكنها فكرة تأبى إلاّ أن تدلك على وجودها. |
أو فقل إن شئت مفارقة تأبى عليك.. إلاّ أن تسمعها صارخة.. فهل فهمتني. |
وبعد.. |
أترى من حقنا بعد كل هذا أن نقف أكثر ممّا فعلنا؟ |
وترى كأنني أسمعك تهيب بي أن نمضي وحسبنا ما كان!! |
سوف نمضي.. |
لنمضِ يا أخي.. فالوقت لا يتسع لغير المضاء. |
دونك الدرب واضح المعالم، ظاهر السمات لا مكان فيه لجدل الرواقيين، ولا عنعنة المترددين. |
لنمضِ يا أخي.. فلا متسع لإقناع خصوم الحياة بعد أن اندس في دمائهم ما أطفأ وعيهم، وحدد أفهامهم. |
لنمضِ يا أخي: فليس بيننا وبين العدوة التي بات يتربع فوقها أسياد الأرض إلاّ أن نؤكد العزم في دأب بالغ وإصرار واكد. |
|