شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
طبيب الغابات
إلبرت شفايتسر أحد الرجال الذين فازوا في السنوات الأخيرة بجائزة نوبل.
وهو طبيب عاش حياته شريداً بين الغابات في مجاهل إفريقيا.. وفي أسلوب هذه الحياة التي عاشها ما يصح أن يكون درساً بالغ التأثير بالنسبة لما درجنا عليه من (التنبلة) والاستنامة للعيش الوادع الخفيض.
ما كاد شفايتسر يتسلّم شهادة الطب قبل ستين عاماً حتى نزعت به إنسانيته، فطوحت به إلى البعيد من مجاهل إفريقيا.. وفي رأيه أنه إذا استطاع أن يحسن إلى المرضى والمتألمين من الفقراء بين الغابات المجهولة في إفريقيا فإنه بذلك يلبي أفضل الواجبات الإنسانية التي تلح على ضميره الحي.
وبذلك شد رحاله إلى إفريقيا وشرع يتوغل في الغابات بين القبائل شبه المتوحشة، وظل على هذا أكثر من ثلاثين سنة يحمل ما يستطيع من صناديق الأدوية بمساعدة من يقنعه بالخدمة من الزنوج.
ولما شاعت خدماته الطبية، وما جناه المرضى من عنايته الممتازة، وثق الزنوج به فكانوا يتتبعون خطواته من قرية إلى أخرى، عارضين أمراضهم وما يقاسون من آلامهم فيجدون من مواساته ما يشفي عللهم ويعالج شكاواهم.
واستطاع وبعد طول الممارسة في تلك الأصقاع الفقيرة من كل شيء أن يستخرج من أعشابهم ما أغناه عن كثير من مستوردات أوروبا، فتوسعت أعماله. وعندما اشتد عليه الطلب تعلم أن يجالد في المشي من أميال، إلى أميال، كما تعلم أن يستغني عن مائدته المترفة في أوروبا بأي عصيد يصادفه مما يأكل الزنوج في أدغالهم.
وعندما تقدمت به السن أبت نفسه عليه أن يعود إلى بيته الجميل وحياته الناعمة، فألقى عصاه على نهر أو جوفه من منطقة جابون ليكون على مقربة من متوسط الخطوط التي يتفرع منها عشرات الطرق إلى مساكن القبائل.. وأنشأ هناك مستشفى كان يستقبل فيه يومياً مئات المرضى قادمين من وراء الغابات.
وعاش في خدمة مستشفاه سنوات طويلة.. حتى بلغت سنوات أعماله في تلك المناطق 51 عاماً.
وهو اليوم وقد أوفى عمره على التسعين يأبى أن يفارق أصدقاءه في تلك الأصقاع؛ لأنه يشعر بحاجتهم الملحّة إلى مساعدته، ولا يرى في صحته ما يقصر به عن متابعة العمل في سبيل خيرهم.
والطريف في أمره أنه من هواة الموسيقى علقها في شبابه، والتحق بدراستها فاشتهر أمره فيها إلى جانب ما بلغه في الطب، ولو بقي على ما نشأ عليه في بلاده لكان له شأن بين مشاهير الموسيقى.
ولكنه اكتفى بما حذقه من آلاتها، واصطحب الآلات معه لتكون سلوته الوحيدة في أوقات فراغه بين تلك الأدغال.
واتصلت أخبار جهاده ببعض المجلات العلمية، فكتبت عنه الفصول الطوال تثني على ما يبذل للإنسانية وما يقاسي في سبيل إسعادها فاستحق في نظر المعنيين بجائزة نوبل أن تمنح له اعترافاً بأريحيته بعد تحقيق طويل أثبت جدارته.
إنه درس بعيد في مثاليته.. ليتنا نتعلم فيه كيف تثبت الرجولة مستواها الصحيح فتنسى جميع المغريات في الحياة في سبيل أن تسعى لخير الناس وإسعادهم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :412  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 12 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.