شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لنتدبر كل مقروء
الحياة ألوان.. فما يمنعنا اليوم أن نستطرف ونستلمح؟
سألني صاحبي وهو يضع يده على الكتاب ويضحك للمفارقة الغريبة التي قرأها.
ما رأيك في أم عمرو هذه؟ عشقها غريمها على السماع، والسماع فقط دون أن يراها. وبعد أن تصبب بها طويلاً وتدله في حبها.. بلغه أنها ماتت فأعلن الحداد لموتها وعاش يبكيها!
قلت: إنها من خرافات القصّاصين.. وإذا أبيت إلاّ أن تجعل لحديثها أصلاً فيصح أن تسمّي الغريم مجنوناً أو رجلاً شذ على قواعد البشر وليس لشواذ الحياة ما يعتدَّ به.
إن الرؤية يا صاحبي أول عناصر الحب، فلا بد لإثارة عواطفك من أن ترى!!.. وليس معنى هذا في رأيي أن تطيل النظر، فاللمحة الخاطفة ربما كانت أبلغ إثارة من النظر المطمئن لأن النظر المطمئن؛ يدقق المساحة فلا يستنسب نتوءاً قد يبدو له في الصدغ أو بروزاً في الأنف أو جموداً في الملامح على عكس النظرة الخاطفة التي تسترق نظرك فتنفعل وتتوقد حواسك فجأة.
والنظرة المطمئنة تستطيع تدقيق المقاييس. فمقاييس الجمال كما تعرف تختلف باختلاف الأفراد وإن كانت تتفق باتفاق البيئات في بعض أحوالها.
بعض البيئات قد تتفق في لون العين أو لون الشعر أو بروز النهد أو طول القامة، كما يتفق بعضها في الأنف المحزوم أو الشفة المتدلية أو الخد والذقن يحليها خطوط الوشم (المشالي) أو رسوم الوشم بالأخضر والأزرق.
قد تتفق البيئات على بعض المقاييس في الجمال، ولكن أفرادها لا بد أن يختلفوا في بعض المعايير: استدارة الوجه أو استطالته، دقة الأنف أو استقامته، أو امتلاء الجسم أو تهالكه.
قد يكون لنبرة الصوت أو رخامته جاذبية تستثير الأذن، ولكنها استثارة لا تكفي -في رأيي- لأن يثير له المغرم وتتوقد حواسه فيعلن الحداد إذا فقد الصوت.
فما بالك بعاشق أم عمرو؟ هل راشته نظرة أو استثارته نبرة؟
إنه خبر لا أكثر، تحدث له عن جمالها مصادفة، فما معنى أن يتدله في غرامها إلى هذا المنتهى المتطرف.. وما معنى أن يعلن الحداد إذا ماتت أو بلغه أنها ماتت..!
ربما استطعت قبول الرواية إذا اتسق سياقها مع حكايات الممرورين والمجانين، وإلاّ فهي عندي لا تزيد عن خرافة ممّا يلفّقه القصّاصون.
والقصاصون في الأدب العربي لذَّ لهم الإمعان في أوسع آفاق الخيال ولا أستبعد أن أسلافنا كانوا يعرفون من شأنهم أكثر ممّا نعرف، وأن رواتهم ما كانوا يتناقلون أمثال هذه القصص على أنها حوادث يجوز وقوعها، بل طرائف يصح أن يتفكهوا بها في مجالسهم كما نتفكه اليوم بالنكت الضاحكة.
ولعلّ من أهم ما يغرينا اليوم بتصديقها أننا نقرؤها مطبوعة، وللمطبوع أثره في الإغراء، ونقرأ في ثناياها شعراً رصيناً يمثل حوادثها ولم يكن الشعر الرصين معجزة عند أصحاب الإبداع من القصاصين.
ليتنا نتدبر كل مقروء!! ولا يستغرقنا كل مطبوع!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :447  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 7 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.