(( كلمة الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الطيب الأنصاري ))
|
- بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. |
تحدث الدكتور منصور حديثاً جميلاً عن الزميل العزيز الأستاذ الدكتور أحمد خالد البدلي، ولعل هناك أشياء مشتركة بين ما يمكن أن أقول ما قاله الزميل الحازمي، الدكتور البدلي عندما كنا في القاهرة، أنا من المدينة، ولذلك ابتُعِثْنا بعد الدكتور الحازمي وبعد الدكتور أحمد خالد إلى القاهرة، وذهبنا إليها في سنة 56 سنة أي سنة الحرب الثلاثية، العدوان الثلاثي على مصر، وسكنت وزميلاً لي في شارع مخلوف بالدُّقِّي، ومن حسن الصُّدف أن كان شخصاً عرفت أنه سعودي ما شاء الله كما قال الدكتور منصور مفتول الجسم قوي العضلات رياضي من الطراز الأول يسكن هو وزميل آخر من مكة في شقة أمامنا، وكنت وزميلي ونحن الذين أتينا من المدينة بشكل لا يختلف كثيراً عما ذكره الدكتور منصور في وصفه لنفسه، وكنا لا نستطيع حتى لبس البنطلون لصغر أحجامنا، وعندما نرى أمثال الدكتور أحمد خالد نشعر أننا يجب أن نهرول حتى لا نصاب بشيء مما يكن أن يصيبنا به الدكتور أحمد خالد، ولكنني عرفت فيما بعد أنه شخص رقيق القلب وزميل لنا في قسم اللغة العربية. |
ومضت الأيام، لم تبدأ العلاقة بيني وبين الدكتور أحمد خالد إلا بعد أن عُيِّنت معيداً بجامعة الملك سعود، فوجدته هو والزميل الأستاذ الدكتور محمد سعيد الشعفي معيدَيْن قبلنا في جامعة الملك سعود، وبدأت العلاقة تتحسن بشكل جيد، وتتطور بشكل أجود، وذهبنا بعدها إلى بريطانيا أنا في جامعة ليدز وهو ذهب مع الدكتور الشعفي والأستاذ محمد الباز إلى جامعة لندن، وبدأنا نتبادل الزيارات في بريطانيا، نذهب إلى لندن خلال رأس السنة ونمضي بعض الوقت، وكنت ألقى الدكتور أحمد خالد بكثير من الشوق والتعرف إليه عن قرب، ومع ذلك لم تَقْوَ هذه العلاقة بشكل جيد ربما للبعد المكاني أيضاً، فنحن نسكن في الشمال وهو يسكن في الجنوب. |
وانتقل بعد ذلك إلى ايران وبقينا في بريطانيا، وعدت إلى الرياض فوجدت أحمد خالد سبقني في العودة بأسبوعين، فهو حاز بالأولية إذ يعتبر الدكتور أحمد خالد أول سعودي بعثته جامعة الملك سعود في كلية الآداب وعاد بدرجة الدكتوراة، ونعتبرها له أوليَّة من الأوليَّات. |
الدكتور أحمد خالد هو السعودي الوحيد في المملكة العربية السعودية المتخصص في اللغة الفارسية والأدب الفارسي، كان له ثانٍ ولكن انتقل إلى رحمة الله هو الدكتور محمد العوضي رحمه الله، وليس لدينا في الوقت الحاضر سوى الدكتور أحمد خالد البدلي أطال الله في عمره، توطَّدت العلاقة بعد أن عدنا مع الدكتور أحمد خالد بشكل وثيق، صداقةً في الجامعة وفي المنزل وأسرية بشكل ينقطع لها نظير، ولم أكن أعرف الدكتور أحمد خالد البدلي بتلك القوة وبتلك الشهامة وبذلك الحب إلا بعد أن أصبحنا نعمل معاً في جامعة واحدة وفي كلية واحدة. |
لظروف أو أخرى انتقلتُ إلى قسم التاريخ من قسم اللغة العربية لا هروباً ولكن بحثاً عن طريق جديد أبحث فيه عن الآثار بشكل جيد، فكان قسم التاريخ هو المكان المناسب، أما قسم اللغة العربية فإنهم لا يحتاجون إلي لأنني أدرس أشياء لا يستفيدون منها، وكانت لي بالفرج كما يقولون، بدأت أُدرِّس النصوص التاريخية في قسم التاريخ، ثم طُلب إليَّ أن أدرِّس مادة النصوص التاريخية للسنة الثالثة، وخاصةً نصوصاً تاريخيةً من العصر العباسي مختارةً من الطبري عن رسائل متبادلة بين أبي جعفر المنصور ومحمد النفس الزكيَّة. |
وكان في هذه الرسائل كثير من التعابير وكثير من الرموز التي لم أستطع في ذلك الوقت أن أتفهم مدى دلالتها، كان الدكتور أحمد خالد العائد من إيران خير من يشرح هذه الدلالات ذات المعاني التي لها صلة بالعلويين وما ينثرونه في رسائلهم المتبادلة مع أبي جعفر المنصور والدولة العباسية، فقلت لرئيس القسم: حقيقة أنا لا أستطيع أن أدرِّس هذه المادة، ولكن هناك من أقترحه وهو زميلي الدكتور أحمد خالد البدلي، فطلب إليه ذلك فجاء ودرَّس هذه المادة النصوص التاريخية من الدولة العباسية بكفاءة وجدارة، واستفدت أنا أيضاً من تدريسه لهذه المادة وبدأ يشرح لي هذه المضامين وهذه المقاصد وما له صلة بالتشيع والعلوية. |
الدكتور أحمد خالد أشعر أنه ذو ميول تاريخية وليس له ميول في اللغة العربية والأدب العربي، وأنا أقول هذا ولي كثير من الدلائل، كل أعماله التي كتبها لها دلالات تاريخية وحضارية، لم يكتب شيئاً في الأدب العربي قط - كتب ترجمة الدولة القاجارية، وكتب عن نظام المُلْك شاه، وكتب ترجمة الناصر خسرو وهي رحلة تاريخية. وحتى ما كتبه عن الأدب الفارسي واللغة الفارسية في جريدة الجزيرة كان عن الحضارة الفارسية والعلاقة بين الحضارتين العربية والفارسية. |
الدكتور البدلي مؤرخ ثاقب النظر يؤرخ للأحداث وأعتقد أن عنده الآن ما لا يقل عن عشرة مجلدات إن لم يكن أكثر في مذكراته، ذهب معنا في رحلات كثيرة في الآثار، أمضى معي حوالي خمسة وعشرين يوماً في رحلة من الرياض عبر القصيم إلى حائل إلى تيماء إلى العُلا إلى المدينة، وكان يكتب يوماً بيوم، كان يكتب كل الأحداث وما يجد علينا من مشاكل - كل الظروف يكتبهـا بشكل موسَّع، حتى أسماء الناس الذين نقابلهم، ولذلك هو يرصد الأحداث ويؤرخ لأول مرة. لديه تاريخ كثير عن الحركة العلمية، لديه تاريخ كثير عن شخصياتنا، ولذلك نحن نخاف منه، راصد جيد بشكل منقطع النظير. |
الدكتور البدلي أيضاً صحبني لأكثر من مرة إلى قرية الفاو، وشارك في الرحلات الأولى، وكان يستمتع بما نخرجه من مكنونات الأرض، لذلك الدكتور البدلي أشعر أنه في اليوم الذي يُخرج مذكراته أو يخرج بعضاً منها مما تسمح الظروف بإخراجه، سوف نكتشف جزءاً كبيراً من تاريخنا، كتبه هذا المؤرخ الذي استطاع أن يتفوق على المؤرخين في رَصْد الأحداث وفي كتابتها. لو سألتني هل كتبتَ شيئاً عن هذه الرحلات؟ أقول لك لا، لكنني سوف اكتب في يوم ما، لكنه هو كتب، ورصد هذه الأحداث، ولذلك كلنا نأمل أن ينشر ما لديه، الدكتور أحمد خالد ينشر مذكراته وينشر الكتب، صحيح أن ما ترجمه من كتب أو من بحوث عن الفارسية لها ظروف سياسية، قد لا تساعد على نشرها، لكنني أعتقد أن كثيراً من الأشياء يمكن أن تظهر إلى النور بطريقة تتناسب مع ظروف الوضع الحاضر، بدليل أنه نشر كثيراً مما ترجمه عن الدولة القاجارية، ولديه فَسْح بنشر هذا الكتاب، وكتابه استمتعت به. |
حقيقة كنا نسكن في عمارة واحدة، وكان يترجم ونقرأ هذه الترجمات، ولكنني كنت أشعر بضيق شديد لما أجده من قسوة لدى الفرس. كان يأتي الملك الفارسي ويدخل المدينة ويقطع الرؤوس جميعها، ويضعها في أكوام ثم يأتي المنشدون وينشدون - أو يقلع العيون ويعمل بها صُبَراً من العيون، ثم يفرح بهذا العمل، الحقيقة عمل سيئ، ولعل هذه النظرات التي كنت أقولها له جعلت أحمد خالد يحجم عن نشر هذه الصور السيئة عن قوم درس بينهم وعاش حياةً جميلةً لا أشك أنها جميلة بينهم، ولذلك ليس من الكياسة أن يسيء إلى تاريخهم، ولكن التاريخ تاريخ بشره وخيره بكل ما فيه من حسنات وسيئات، أرجو من الدكتور البدلي أن يعيد النظر. |
|
الدكتور البدلي مارس العمل الإداري في الجامعة، ولكنه لم يكن ذلك الرجل الصبور على الإدارة، كنت أدخل عليه فأجده يقرأ، يحب القراءة بشكل منقطع النظير، هو أكثرنا قراءةً وأكثرنا تعليقاً على الكتب، إذا دخلت مكتبه قلَّ أن تجد كتاباً لا تعليق عليه، وليس التعليق العادي، ولكنه التعليق الذي يذهب ليَرى المراجع، ثم يضيف ويضيف ويضيف. عندما يهديك كتاباً يهديك كتاباً في التاريخ، وقل أن يهديك كتاباً في الأدب. |
|
نحن نعتبر الدكتور أحمد خالد البدلي مؤرخا ًوأديباً وعالماً جليلاً ولكنه متواضع وهذا التواضع هو الذي جعله أكاديمياً معروفاً مرموقاً، وأشكر للزملاء كل ما قالوه من معانٍ جيدة، وأشكر أيضاً للشيخ عبد المقصود تكرمه بتكريمنا في كل عام تقريباً، نحن نأتي إلى هنا ونتحدث ونسمع الإطراء، وهذا الإطراء يُحمِّلُنا مسؤوليةً كبيرةً جداً، نشعر بها ونشعر بالفخار أن هذا المواطن المخلص، يقدِّر في كوكبة من الناس ما قاموا به، ويجعلنا نشعر بأننا يجب أن نعود ونعمل الكثير، لنكون على مستوى ما يشعر به الآخرون تجاهنا، وأشكر للزميل الدكتور محمد عبده يماني على إطرائه لنا، ولكنه نسي أيضاً أنه أحد بناة جامعة الملك سعود، وجامعة الملك سعود تشعر بالوفاء له وبدوره في إنشائها وتقويمها. |
شكراً جزيلاً والسلام عليكم ورحمة الله. |
|
|