شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عَلَينا أن نتفَاعَل مَع أحدَاث الحيَاة
قال صاحبي: أحسبك سمعت صديقنا وهو يقول في حديثه بالأمس أنه عود من حزمة، وأنه إنسان حده حد نفسه وأن حسبه من الحياة أن يخرج من بيته إلى تجارته ليعود من تجارته إلى بيته دون أن يشغل نفسه، بشيء من تيارات الحياة في أركان الأرض.
قلت: إنه ضيّق الذهن في صورة لا يقبلها إلاّ إنسان محدود العقل.
إن حياة الإسلام عاشت قبلنا مئات السنين تتجاذب وتتدافع فكرياً وعملياً حتى أنتجت ألوف النظريات، حتى عرف الأوروبي اليوم كيف يتسلح بها وهو يخوض غمار الفكر والإنتاج.
فلو وقف التجاوب يومها والتدافع بين أعلام الفكر وأساطين الفلسفة وكبار علماء المذاهب لما احتل العقل، ولما استطاع أن يمارس أعماله اليوم في نشاط نرى آثاره لامعة في أكثر أقطار العالم المتمدن.
ولو وقفت تلك الأجيال تدعي أن حدّها حد نفسها، وأن الرجل يكفيه أن يكون رجلاً من بيته إلى تجارته، ومن تجارته إلى بيته لتعطلت أعمال العقل ولما استطاعوا أن يتركوا للحياة هذه الأرتال من الأعمال الفكرية والمذهبية وهذه النظريات التي أعدت العقول لما تتمخض اليوم عنه من إنتاج.
إننا لا نبالغ إذا ادّعينا أن جميع أحداث الحياة التي لا تزال تغير أوضاع الأرض وترسم خرائطها في أشكال وصور ينسخ بعضها البعض، وأن جميع ما دال من دول وما قام على أنقاضها من أمم وما طرأ على قارات الأرض من جزر ومد وحروب ومطاحنات لم تكن إلاّ نتائج نظريات عاشت في رؤوس المفكرين قبل أن تأخذ سبيلها إلى العمل وأثراً من آثار ابتكارات اخترعتها عقول لم تكن ضيقة الحدود.
إن خارطة اليابان في لونها الأخير لم يرسمها جنود الحلفاء على كثرة عددهم، وإنما رسمها عقل واحد استطاع أن يستخدم الذرة في "هيروشيما" مدينة اليابان الصناعية.
وإن حضارة أمريكا اليوم التي هيأتها للإشراف على الكرة الأرضية لم تكن في أحد الأيام إلاّ عقولاً واسعة الآفاق حفية الإنتاج استطاعت أن تعدها للمركز العاتي العظيم الذي تزهو به اليوم على الممالك والأمم.
فلو ضاقت أذهان المنتجين عندهم، والتزم كل مفكر عامل في الحياة حده الذاتي لا يطمع إلاّ في العمل المحدود بين تجارته وبيته لما كانت أمريكا اليوم، ولما كان هذا الشأو الذي تملي به على الحياة.
ما أحلى أن نصيخ إلى صوت الحياة، وأن نتفاعل مع أحداثها، وأن نبني في غمارها كما بنى أجداد لنا عرفوا كيف يعايشون أحداثها وأن نفعل مثل ما فعلوا.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :340  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 137 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.