شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ليس للعصَا قيمَة تربويَّة
قال صاحبي: يعجبني في بعض المربين أن طلبتهم يستحون من عصيانهم رغم أنهم كمربين لا يؤمنون بسياسة العصا. ويشتد عجبي أكثر لمربٍ عرفته لا يؤمن بشيء إيمانه بفكرة العصا، ومع هذا فليس بين طلبته من يهابه أو يهاب العصا.
قلت: لا أرى أن الأمر في هذا أمر العصا.. فثمة شيء اسمه شخصية المربي إذا استطاع أن يبنيها لنفسه فقد هيأ لمركزه من الوقار ما لا تهيئه ألف عصا ومنحها من الاحترام ما لا تمنحه أقسى أدوات التربية التقليدية المتعارف عليها.
وليس كذلك شأن العصا.. فرب مربٍ لا تهيئه عصاه لغير الاستخفاف. ربما ألِفها طلبته ففقدوا بتأثير الاستمرار إحساسهم بمرارتها فهم لا يبالون به ولا يأبهون لعصاه.
لا أعني بهذا طبعاً أن أعطي العصا رقماً تحت الصفر في كل الحالات مهما اختلفت الظروف أو تنوّعت الأسباب.. إنما أعني أن اتخاذ العصا كوسيلة معتمدة للتربية أسلوب فاشل في الحياة، فهيبة العصا إذا أعطت أثرها مرة أو أخرى فإنها لا تلبث أن تصبح مألوفة للطالب يفقد فيها مرارتها. وإذا فقد الطالب مرارتها استهان بها واستخف وأصبح لا يعبأ بما يناله منها.
وللعصا بعد هذا ما هو أعمق من هذه المساوئ، فهي مظهر من مظاهر القسوة وليس كالقسوة شيء يثير عناد الطالب ويحفزه للعصيان والمشاكسة ويهيئه لكثير من السيئات التي يأباها الفتى المهذب.
التربية اليوم قوامها شخصية تعرف كيف تحترم نفسها، وتبني لذاتيتها وقاراً له قيمته في نظر من تربيهم. فنحن نناقشهم عند كل سيئة يخالطونها ونفلسف لهم في أناة وهدوء كل خطأ يرتكبونه.
نستطيع أن نخلق لهم إحساساً مميزاً يتفهم الأشياء على حقائقها، ويزن الحقائق بمعاييرها، ونهيئهم ليصيخوا للفكرة ونحن نقنعهم بوجوه الرأي فيها في غير عنف من جانبنا أو عناد من جانبهم.
إذا استطعنا تمريسهم على هذا النوع من الحياة لانت قناتهم للتربية وعرفنا كيف نحسن توجيههم.
ومع هذا فلربما استهوتهم هواية حادة ضاعت معها كل أساليبنا من الحكمة، وعندئذٍ فلا غنى لنا عن العصا في صورة عاقلة متزنة لا تثأر لنا أو تذيقهم بأسنا بقدر ما تشذب طفرتهم وتعالج غلطتهم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :343  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 96 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.