شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المحتفى به اللواء علي زين العابدين ))
ثم أعطيت الكلمة للمحتفى به سعادة اللواء علي زين العابدين، فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
- لست أدري ماذا أقول؟ لقد بالغتم في مديحي بما ليس في، وإنَّ لساني ليعجز وينعقد عن أن يتفوه بكلمة شكر، وخير لي أن أقول: إنني عاجز عن الشكر؛ أما عن شخصي وسيرة حياتي، فأعتقد أنَّ إخواني الَّذين تفضلوا بالثناء علي، وقدموني وقدموا سيرتي الشخصية، أعتقد أن فيما قالوا الكفاية.. وأما المشوار الطويل فيضيق الوقت ولا يتسع وتضيق الصدور إذا سمعتموه.. فهو طويل ومر، ولكن ربما حوت بعض القصائد ذكريات هذه المسيرة، أو هذا المشوار الطويل الَّذي بلغ عشرين عاماً في الجيش، وبين قوسين كلمة جيش، يعني فيما تعنيه الصلابة والصرامة والخشونة والقسوة والغلظة، وما يدور فيه من أحقاد ووشايات، فإنَّ كثيراً من الناس لا يحبون أن يروا أحداً وصل به جده إلى منطقة يحسد عليها، فإنهم يحاولون دس الدسائس وبذر البذور والوشايات، ليحطموا هذا الرمز الَّذي هيأ الله له فرصة النجاح، وليس لي يد فيما فعلت، وإنما هو توفيق من الله سبحانه وتعالى، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
- أحمد الله سبحانه وتعالى على ما وفقني فيه، فإنشاء المدارس أو الكليات، أعتقد أنها قيلت وتفضل بها زميلاي العسكريان العميد إبراهيم شطا، والعقيد عاتق البلادي، وتكلما بما فيه الكفاية؛ أما إذا أردتم التفصيل.. فإنِّي على استعداد، ولكن أرجو أن يفسح لنا مضيفنا الكبير بيته لأيام!!!.
- لذا نعود إلى الشعر، مما سمعتم من كلمات الأخوة، يتبين أن شعري له طابع خاص..أو لون خاص، لأنَّني عسكري والشعراء ليسوا بعسكريين، أو في معظمهم، أو 99.99% ليسوا بعسكريين؛ فاللون العسكري طبع قصائدي التي قلتها أثناء الخدمة العسكرية، وبرغم تركي للخدمة العسكرية ودخولي في أبواب أخرى من الشعر، كالغزل، والاجتماعيات، والرثاء والخ.. من ألوان الشعر، ما زلت أحن إلى العسكرية في أي وقت أسمع فيه حفلاً عسكرياً، أو أشاهد فيه منظراً عسكرياً، أو أسمع موسيقى عسكرية؛ وإني لأذكر أنني في عام 1400هـ - على ما أعتقد في حادثة جهيمان - لم أكن في الجيش. ولكن هزتني الواقعة، وأقحمت نفسي مع القادة العسكريين في فندق شبرا، وأمليت خططاً ووقعتها، وطلبت من الضباط الآخرين - وكانوا كلهم أصغر مني رتبة - أن يوقعوا معي خطة تقضي على المجموعة المتمردة والملتجئة إلى حرم الله..، فرأيت العسكرية تندفع مرةً أخرى وتظهر تحية للجيش الَّذي لم يكن خاض المعركة في أولها؛ كان الدفاع أولاً في يد رجال الشرطة، ثم رجال الحرس الوطني، ولكني أشرت إلى بعض المسؤولين إلى أن يعطي الخبز لخبازه، وفهم الرجل ما أعني، وحاول جهده حتى استطاع إحضار الجيش، وبحضور الجيش تم القضاء على هذه العصبة التي عطلت الصلاة في المسجد الحرام، وعطلت الآذان وامتنع الناس عن الصلاة والطواف في المسجد، وبهذا أعتقد أنه ينطبق عليهم الآية الكريمة: ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها.. فهم منعوا هذا خمسة عشر يوماً وسعوا في خرابها، مما كان من خراب من دخول الدبابات والصواريخ وقنابل الغازات، وإلى آخر ما حدث في القبو..؛ فهناك قصيدة في هذا الموضوع، وقصائد أخرى قبلها عسكرية أثناء الخدمة.
 
- يظن بعض الإخوة من النقاد أنَّ علي زين العابدين في شعره مداح، والواقع أني أمدح الملوك وقد مدحت، لكن مدحي غير مدح الآخرين، كل مداح يلجأ إلى رفع ممدوحه إلى أعلى عليين، ليحصل منه على جائزة أو مركز أو منصب، ولكني كنت أخاطب ممدوحي في موضوعات الإصلاح التي يجب أن يقوموا بها داخل الجيش والبلاد عامة؛ ولا أحب أن أطيل المقدمات حتى لا يطول الوقت، وأقتصر على القراءة لتسمعوا نوع المديح الَّذي كنت أتغنى بـه، لتحكموا عليَّ إن كنت مداحاً - كمـا يقولون - أم كنت مطالباً بالإصلاح، وكنت في منتهى الصراحة والجرأة مع رؤوس كبيرة جداً، وكنت أغتنم الفرص لأسجل أحداث التاريخ التي تقع في تلك الأيام؛ فمن قصائد المديح كانت في عام 1956م أو ما بعدها أيام الاعتداء الثلاثي، فمدحت، ولكنني ضمنت مديحي هذه المعركة الظالمة التي أعتدت فيها ثلاث دول كبيرة على مصر الشقيقة.. فكانت هذه القصيدة تعبيراً عن استياء العرب والمسلمين لهذا الاعتداء الصارخ الآثم، ولا يكفي أن أقول الصارخ الآثم، إنه يستحق أن أصفه بأقذع من هذه الصفات..
 
- والواقع، أنَّ قصائدي طويلة كما تعلمون، والقصير منها في الغزل أو في الاجتماعيات، أو مثل ذلك؛ أما قصائد المديح أو السياسيات على الأصح فطويلة، ولا أدري إذا كانت الصدور متسعة لدرجة أنها تستطيع أن تضحي بوقتها من أجل سماع قصيدة أو اثنتين أو ثلاث، أو ما يشاء المستمعون؟
 
- أولاً هذه أبيات كتبتها عند قدومي إلى دار الشيخ الكريم السيد عبد المقصود، هي أبيات ارتجالية أو شبه ارتجالية وهي:
مقصود شكراً للحفاوة والنَّدى
ومحافل طابت وطاب لها صدى
كرمت فيها ضابطاً متقاعداً
نظم القريض مقارباً ومسددا
لم يدر فيم رفعته وهو الَّذي
لا يستحق من الحفاوة ما بدا
فالشكر لله المهيمن أولاً
فهو الَّذي سواك فياضاً يدَا
ثم الثناء عليك ينتظم الرضا
للفضل والتكريم من شاد شدا
 
- ومن قصائد المديح هذه القصيدة التي.. خاطبت فيها الملك سعود - رحمه الله - فقلت له - وهكذا كنت أخاطبه -:
رُوحِـي فِـدىً لَكَ يـا سُعُـودُ وهبْتُهـا
وعلى عدوِّكَ نقْمَةٌ تَتَهَدَّدُ
تالله ما شِعري لدَيْكَ تَزَلُّفاً
لكنَّني بالحُبِّ جئتُ أُغَرِّدُ
بلسَانِ جَيْشِكَ قد نطَقْتُ وإنَّني
عنْ كلِّ قلْبٍ مخْلِصٍ لَكَ أنْشِدُ
هم فوَّضُوني أن أُبِينَ شَعُورَهُمْ
والشِّعرُ أصْدَقُ في الأدَاء وأجْودُ
(( مجْدُ البلادِ ))
أسعُود هيِّئ للْفَخَارِ بلادَنا
وأتِحْ لها الشَّرَف الَّذِي تَتَقَلَّدُ
وانشرْ بهَا التعْلِيمَ فَهو سبِيلُها
للْمجْد وهُو إلى الفخَارِ المُرشِدُ
شيِّد بها كُبْرى المَصَانِع إنَّهَا
حِصْنٌ على مَتْنِ الخلُودِ مُشيَّدُ
فالاقْتِصادُ مَنَاعةٌ وحَصَانَةٌ
ومِنَ المصَانَعِ قُوَّةٌ وتَسَوُّدُ
مَجْدُ البِلاَدِ صِناعَةٌ وزِرَاعةٌ
هَاتانِ في عُرْفِ الزَّمَان السُّؤدَدُ
فارفَعْ لشعْبِكَ في المَمَالِك عِزَّةً
واللهُ بالنصْرِ المُبِين يُؤيِّدُ
علِّمْهُمُ أنَّ الحيَاة لِمَنْ سَعى
تدْنُو ويَمْلِكهَا القَوِيُّ الأَرْشَدُ
قُدْهُم إلى الأوْجِ الرَّفِيعِ فإنَّهمْ
فُطِرُوا على حبِّ العَلاَءِ وعُوِّدُوا
ليْسُوا أقلَّ من الأنَامِ فَطَانةً
فعقولُهم بذكائهَا تَتَوقَّدُ
وحِجَاكَ نِبْراسُ النُّهُوضِ يقُودُهُم
وعلى يَدَيْك مُناهُمُ تتجسَّدُ
سيسَجِّل التَّاريخُ ذِكْرَك بَانِياً
فلأنْتَ من تَبْني العُلاَ وتُشَيِّدُ
فأهْنَأ بحكْمِكَ فالبلادُ جميعُهَا
تفْديكَ إنكَ في القُلوب الأوْحَدُ
 
وهذه قصيدة تاريخية اسمها أحداث العرب، كانت هناك اتفاقية ما بين السعودية وسوريا ومصر، على توحيد جبهة ضد الأعداء، وكانت تلك الفرصة التي سنح لي بها الزمن لأقول قصيدتي هذه في عام 1376هـ بعد انتهاء العدوان الثلاثي؛ فاجتمع الملك سعود رحمه الله مع الرئيس شكري القوتلي رئيس سوريا، وتأخر الرئيس عبد الناصر واعتذر عن الحضور لسبب كان في مصر، فخاطبت الزعيمين بقولي:
جِهادُكُمُ للشَّرْقِ بعْثٌ ويقْظَةٌ
ولِلْعُرْبِ والإسْلامِ مجْدٌ مُخَلَّدُ
ولِلْوحْدةِ الكُبرى دُعامةُ صَرْحِهَا
وللدَّهْر والتَّاريِخ لحْنٌ مرَدَّدُ
"سعودٌ" لهـا روح "وشكـري" (1) فؤادهـا
"وناصر" يُمنَاهَا الحُسامُ المُجَرَّدُ
منارَاتُها دِينٌ حنيفٌ وأمَّةٌ
نَمَاها "مُعدٌّ" وازْدهاها مُحَمَّدُ
مسَاميحُ في سِلْمٍ مغَاوِير في وغىً
مصَابِيحُ في الظَّلْمَاءِ بالحقِّ تُوقَدُ
تَداعى لهم كِسْرى وأذْعنَ قيْصَرٌ
وطأْطأ جبَّارٌ لهُم مُتَمَرِّدُ
فما خادعوا قَوْماً ولا مزَّقُوهُمُ
ولا كانَ منهمْ ظالمٌ يتَوعَّدُ
كشأنِ الألى بالأمسِ جُنَّ جُنُونُهُمْ
أغاروا علينا في "القناةِ" وأفْسَدُوا
أغَارُوا عليْنَا ظالمِينَ تَجَبُّراً
كأنَّهُمُ منْ كل قلْبٍ تجرَّدُوا
فلم يرْحَمُوا شيخاً تقوَّسَ ظهْرُه
وطفلاً رضيعاً بات في المهدِ يَرقُدْ
وحتىَّ بيوتَ الله صَبُّوا جَحِيمَهم
عليْهَا وفيهَا الراكِعُ المتَعَبِّدُ
فتَبّاً لقوم بالسَّلام تَشَدَّقوا
وهمْ نفْسُهم حَرْبٌ عَلـى الكـَوْنِ أنكَـدُ
فهلْ منطِقُ الإِنصَـافِ أنْ يُضـربَ الَّذي
يُدَافع عن أوطانِه.. ويُهَدَّدُ
وأن يتركَ البَاغي الظلومَ بِجُرْمِه
ويُثنَى عَلى إجْرامِهِ ويُزَوَّدُ
فتعْساً لقومٍ ما يَفِيقُ ضَميرُهُم
ومن كلِّ معْنىً للشَّهَامَةِ جُرِّدُوا
لقد ثارتِ الدنيَا عليْهم ودمْدَمَتْ
وضجَّ لسَانُ الخَافِقيْنَ يُنَدِّدُ
ولكنَّ رُوحَ الغَدْرِ سوْأى ذميمةٌ
وإن دنىءَ الطَّبْع أكمهُ أرمَدُ
وقَادتْهُمُ الأطمَاعُ وهي وضِيعةٌ
وسَاقتْهُمُ للموْتِ رعناءَ تَحْرِدُ
وثَارتْ كراماتُ النُّفوسِ وجرَّدتْ
قُواهَا وإن الحق سيْفٌ مجَرَّدُ
غدَت مصْرُ كالبُركَـانِ تقـذف باللَّظَـى
تُكَبْكِبُهم في الحَافِراتِ وتصْمُدُ
تصدَّى لهُم بالموت كلُّ مُجَاهِدٍ
غيُورٍ عَلى مجْدِ الكِنَانة ينْهَدُ
وصَبُّوا على هَامِ المُغِيرِين نِقْمةً
تحدَّثَ عنهَا العَالَمُونَ وأشهَدُوا
فكلُّ فتاةٍ بِالكنانَةِ نِقْمةٌ
وكلُّ صبيٍّ صَارِمٌ ومُهَنَّدُ
وكلُّ فتى قد بَاتَ ليْثاً غَضَنْفراً
وكلُّ عَجُوزٍ شعلةٌ تَتَوقَّدُ
وحتَّى صِغار القـومِ مَاجَـتْ صدورُهـم
بأحْقادِهَا والثأر يُرغي ويُزْبِدُ
فيَا روْعةَ الإيمانِ تَغْشى نُفُوسَهم
وكُلُّهمُ رَوحٌ وقلبٌ موحِّدُ
صُمودٌ لـه الدُّنْيَا تَلفَّتُ والوَرى
يُصَفَّقُ إعجاباً لـه ويُمَجِّدُ
بِحسبِكِ يا مصرُ الحبيبةُ أَننا
جُنودُك نفْديك الحياةَ ونَرفُدُ
فَفِي كُلِّ قُطْرٍ للعرُوبةِ ثورةٌ
وَفِي كل قلْبٍ يعْربيٍّ توقُّدُ
لقدْ جَيّشوا للذَّودِ عنكَ جيُوشَهم
كتائبَ أسْدٍ بالفَنَاءِ تُهَدِّدُ
وقد قطَّعُوا شِرْيـان (2) خَصْمـِكَ بالقُـوى
وما رَاعهم منه الوَعِيدُ المُهَدِّدُ
ولما عراهُ الوهنُ في مصْرَ واكتوى
بمُرِّ كفاحٍ عارمٍ يتَجَدَّدُ
تلوَّن كالأفعى يدسُّ سُمُومَه
لشعبٍ عريقٍ بالكرَامةِ يسْعَدُ
ومذهبُنَا الإسْلاَمُ ديناً ودَولةً
ومن ذا سِوَى الرحمن هَادٍ ومُرشِدُ
عفَاءاً وسُحقاً للأباطيلِ إنَّهَا
أكاذيبُهم لوْنٌ من المكر أَرْبَدُ
أمِنْ أجل أن ثُرْنَا نحرِّرُ أرضَنَا
نطهِّر عنها الغَاصِبينَ ونطرُدُ
أمِنْ أجلِ هذا يرفَعُ البغْيُ سَوْطَهُ
ويضْربُ أحرارَ النُّفوسِ ويجْلدُ
فواللَّهِ ثم اللَّهِ ما فُلَّ عزْمُنَا
ولا انْطَفأتْ للعُرْب نارٌ تَوقَّدُ
ستحْرقُ في أرضِ الجَزائِر غاصِباً
خؤُوناً بغيضَ القَلْبِ بالحقْدِ يكْمُدُ
وتَغـدو بـلاد العُرْبِ للعُـرْبِ وحْدهـم
فإنَّ قُرابَ السَّيْفِ بالسيْفِ يُحْمَدُ
سنبْعثهَا في الشرْقِ والغرْب وحْدةً
لها في كِتابِ الخُلْدِ ذكْر مُمُجَّدُ
وَنرفَعُها في الشرقِ والغَرْبِ دوْلةً
مُوَحَّدةً أطرافُها لا تُهَدَّدُ
ودستُورها القرآن يُرسَمُ أسُّها
على الدِّين والتقوى مـدى الدَّهـر تَخْلُـدُ
وَتغدُو لهَا في مسمع الكونِ رنَّةٌ
وَيُضحي لهَا فوقَ السِّماكَيْن مقْعَدُ
فلِلَّه هذا المجْدُ أنتم بُنَاتُه
وأنتم لـه الطودُ المنيعُ المشَيَّدُ
أعدْتُم إلى التَّاريخ عِزَّةَ يعْربٍ
وأسْمَعْتُمُ الدنيَا نِداهَا يُردَّدُ
بنَيْتُم لنا مجْداً وعِزاً ورفْعةً
وفخراً وأمْجَاداً لها الدَّهْرُ يَسْجُدُ
فعشْتُم برغم الغَرْبِ قُوَّادَ أمَّةٍ
محرَّرَةٍ فوقَ الوَرَى تَتَسَوَّدُ
عُروشُكمُ فوق القُلوب نُشيدُها
وَطاعتكُم فرضٌ علينَا مُؤكَّدُ
فسِيرُوا على اسم الله صفاً موحداً
ويكلؤكُم عوْنٌ من الله أيِّدُ
الرياض في 5/6/1376 هـ
 
* * *
وَهَبَّت أمةُ الإسْلامِ طُرّاً
تُؤيِّد يَقْظَةَ المتُربِّصِينا
ودمْدَمتِ المَدافعُ والسَّرايا
وحُمَّ الخطْبُ جبَّاراً مُبيناً
تَطايرَتِ القَنابلُ والشَّظَايا
وجَلْجَلَ في السَّماءِ الطَّائِرونا
وعامَتْ في الرِّمال مُجَنْزَراتٌ
تُكَفِّنُ في التّراب الغَاصِبينا
وتَنْطَلِقُ الصَّواريخُ انْطِلاقاً
على "الفَانْتُومِّ" تُسكِنُها الحُزُونا
فَفي الجُولان تَنْدفِعُ المَنَايا
أخُ الفَيْحاءِ أطْلقَها فُنُونا
ومن بَغْداد قد وَثَبَتْ أسودٌ
كَوَاسرُ لا تَخافَ الدَّارِعينا
وجُندُ المَغْربِ الأقْصى تَبَارَوا
لِقَطْفِ رُؤُوس منَ بذروا المُجُونا
ومن أرْضِ الجَزَائِرِ هبَّ جَيْشٌ
طويلُ الْباعِ قَدْ عَشِقَ المَنُونَا
وسار الأرْدُني إلى قِتَالٍ
يُنَهنِه صَوْلةَ المُتَغَطْرِسِينَا
ومنْ قَلْبِ الجَزيرةِ شعَّ دَعْمٌ
يَهزُّ فَرائِصَ المُتَألِّبِينَا
 
- وهذه قصيدة أخرى تاريخية - أيضاً - وهي بمناسبة حرب 1973، ألقيتها أمام الملك فيصل - رحمه الله - في عام 1973م في عيد الأضحى، فقلت:
مَلَلْنا رُؤْيَةَ الأوْغادِ عَاثُوا
بأرْضِ الطُّهْرِ تَدْنِيساً مُشِينا
فَلا والله لَنْ نَرْضَى هَوَاناً
وحَسْبُ العُرْبِ ما صَبَرُوا سنينا
وثَارَ الصَّابِرون وأيُّ حِصْنٍ؟
يَردُّ الأكْرَمِين الغَاصِبِينا
وزَمْجَرتِ الأشاوسُ من مُعَدِّ
ومِنْ غَسَّانَ ثَارَ المَاجِدُونا
فكانت جَبْهَةً صَمَدَتْ صُمُوداً
أثارَ حَفِيظَةَ المُتَحالِفينَا
وفي غَرْب القَناةِ لَنا فَخَارٌ
أزالَ خُرافةَ المُتَشَدِّقِينَا
فَمِنْ أرضِ الكِنانةِ سالَ سَيْلٌ
مِنَ الأبْطالِ يَقْتَلِعُ الحُصُونَا
فقد عَبَروا القَناةَ بِكلِّ بأسٍ
أطارَ صوابَ جَيْشِ المُعْجَبِينَا
فَما بَرْلِيفُ (3) إلاَّ كَوْمُ عِهْنٍ
كَبيْتِ العَنْكبوتِ هوى مَهِينَا
وذابتْ كِذْبةٌ غشيَتْ أمِرْكا
وأُورُبَّا وكنَّا الصَّادِقِينَا
عَبَرْنا والعُبُور لنا انْتِصارٌ
وَفي الجُولانِ كُنَّا المُفْلحِينَا
وتَمَّ النَّصْر نَصْرُ اللَّه حقاً
ألاَ بالله نَصْرُ المُؤمنينَا
بِرَبِّكَ من يكونُ لنا مُذلٌّ؟!
إذا كانَ الإلهُ لَنَا مُعِينَا
وأمْعَنَ بعضُهُمْ جَهْلاً وقَالوا
من العَرَبِ ابْتِزازٌ يَحْتَوِينَا
وقالَ العَاقِلونَ قَدْ اعْتَرفْنَا
بِحَقِّ العُرْبِ، إنَّا تَائِبُونَا
وطَأطأتِ الرُّؤوس لَنَا جَميعاً
بِفَضْلِ الله كنَّا القَاهِرينَا
فَهَلْ عَرَفُوا بأنَّ الحقَّ يَعلُو
وأنَّ الله مُخْزي الكافِرِينَا؟
ومَدَّ الجِسْرُ يَدْفُقُ بالمَنَايَا
لِدَحْر العُرْبِ كانُوا هَادِفِينَا
وأُفْرغَتِ المخَازِنُ مِنْ أَمْركا
لِتَدْعَمَ سَطْوَةَ المُتَجَبِّرينَا
ولَولاَ دَعْمُ أمْريكا لعُدْنَا
إلى الوَطنَ السَّليِبِ مُحَرِّرينَا
فهَلْ وَهَنَتْ قُوَانا بَعْدُ هذا؟
وأيمُ الله لمْ نَخْفِضْ جَبِينَا
رأيْنا فَيْصَلَ العَرَبِ المُجَلَّى
يُصَادِمُ قُوَّة المُتَهَوِّدِينَا
يَضُمُّ صُفوفَ إخْوَتِهِ جَمِيعاً
ويُعلنُ لنْ نَهونَ ولَنْ نَلِينا
سلاحٌ ماحِقٌ يَبْني ويَفْنى
سِلاحُ النَّفْطِ يَغْزُو العَالَمِينَا
سألتكِ يا (أمِرْكةُ) عن أحاجٍ
يَحارُ بِفَهْمها المُتَنَبِّؤونَا
عَلامَ المَالَ يَنْدفِعُ انْدِفَاعاً
إلى اسْرائِيلَ وَكْرِ المُجْرمِينَا؟
وفِيمَ سِلاحُك البَاغي يُوالي
جُنودَ البَغْيِ شَرَّ المُفْسِدينَا؟
أتخشيْنَ العُروبَةَ وَهْي تَسْمو
تُعيدُ مَفَاخِرَ المُتقدِّمينَا؟
أجِيبي يا (أمِرْكةُ) عَنْ سُؤالٍ
لأيّ دْويْلةٍ تَتَحَيَّزِينَا؟
أفِيقي يا (أمِرْكةُ) منْ ضَلالٍ
سَيُورِدُكِ الجَحِيمَ فَتَهْلكِينَا
لَقَدْ وَضُحُ الطَّريقُ لَنا فَرُحْنَا
نحُطِّم خُطَّة المُتَسلِّطِينا
لَنا التَّاريخُ يَشْهَدُ مِنْ قَدِيمٍ
بأنَّا النَّابِغُونَ النَّابِهْونا
وأنَّا النَّاشِرون العِلْمَ نُوراً
وأنا المُرشدونَ المصْلِحُونا
وأنّا مَنْ نَشَرْنا العَدْل شَرعاً
وشَيَّدنَا الحَضَارةَ حاذِقِينَا
لقَدْ ذَهَبَ التَّخاذُلُ وانْتَفَضْنَا
ألَمْ يَئِنِ الأوانُ لِتفْهَمينَا؟
مَليكي قَدْ رَفَعْتَ الصَّوتَ دَوَّى
يَصُمُّ مَسَامِعَ المُتَغَافِلينَا
ثَلاثٌ لنْ تَحيدَ العُمْرَ عنْها
ولَنْ نَرْضى سِوَاها أنْ يَكُونَا
جَلاءٌ كَامِلٌ لا غَبْنَ فِيهِ
وحَقٌّ مُطْلَقٌ للنَّازِحِينَا
وَفي القُدْس الشَّرِيفِ لنَا حُقُوقٌ
حِمايَتُهَا لنا دُنْيَا وَدِينَا (4)
وإلاَّ فَالوَغَى أمداً طويلاً
ولا نَفْطٌ يَمُدُّ الدَّاعِمِينَا
فديتك قَائِداً فَطِنَاً حَكِيماً
سَدِيدَ الرَّأْيِ سَبَّاقاً أمِينَا
فكم مِنَنا أحَطْتَ بِها شُعُوباً
لوَجْهِ الله تَدْعُمُها مُعِينَا
وكَمْ رأياً رأيتَ فكان أمضى
وأنفذَ من سلاح الراصدينَا
وكمْ سعياً سَعَيْتَ ولَسْتَ تَبْغِي
سِوى صفِّ يَضُمُّ المُسْلِمِينَا
ولم تَرمُ الزَّعامةَ قَطُّ يَوْماً
كما زَعَمَ الغُلاةُ المُغْرِضُونَا
ألا لله سَعْيُك لا تُبَاهِي
بِهِ أَحَداً تُنَافِسُهُ قَرِينَا
مليكي ما نَظَمْتُ الشِّعر لَغْواً
ولا نَغَماً يَهزُّ السَّامِعِينَا
ولكنَّ الشَّعُورَ أبى احْتِباساً
فزمجَرَ هَادراً يَدْوِي مُبِينَا
يُتَرْجِمُ عَنْ شعُور العُرْب جَمْعاً
ويُعْرِبُ عَنْ أمَاني المُؤْمِنينَا
يَميناً سَوْف نَبْعثُها ضَرُوساً
ولَنْ نَرْضَى بِذُلِّ القَاعِدِينَا
فَمَا "قِبْيَا ونحَّالينَ" (5) تُنْسَى
أنَنْسى الثَّأرَ والحِقْدَ الدَّفِينَا
أنَنسى الْقُدْسَ والجُولانَ نهْبَاً
مُشاعاً للرِّعَاعِ السَّافِلِينَا
فَلسْنَا مِنْ بَنِي عَدْنَانَ إنْ لَمْ
نَرُدّ الثَّأرَ أضعافاً مِئِينَا
ونَفْتِكْ في رِقَابِ القَوْمِ حَتَّى
تَصِيحَ سيُوفنا قَدكُمْ (6) رَوِينَا
ونَسْمَعَ من جَحافِلِهم عَويلاً
ألا يا عُرْبُ كُفُّوا وارْحمُونَا
هُنَالِكَ نَستَجِيبُ لهُمْ وإنَّا
كِرامٌ لا نُخيِّبُ مُرتَجينَا
منى 11/12/1393هـ
* * *
- أعتقد تكفي هذه النماذج من المديح - أو الحقيقة: الوطنيات - في قصيدة عن معركة الحرم، دخل الجيش معركة الحرم وحرر الحرم والحرم حرم.. ولم يعلق أي إنسان لا من الكُتَّاب، ولا من الشعراء، ولا من المواطنين بكلمة تحية لمن كان له الفضل بعد الله - سبحانه وتعالى - وبصفتي العسكري الَّذي تجري في دمائه الروح العسكرية، ثرت على هذا الجمود، وكتبت هذه القصيدة بعنوان "سلمت يداه" قلت:
حَيِّ الحُماةَ الواثبينَ وحَيِّ أبطالَ النِّزالْ
الرابضين على خطوط النار تشتعلْ اشتعالْ
القابضين على الزِّناد التائقين إلى النِّضالْ
الواهبين نُفوسَهمْ للذَّوْدِ عن عِرْضٍ ومالْ
الصائمِين عن النعيمِ عن الرّفاهِ عن الظِّلالْ
الهانئين بعيشهم فوق الربا وعلى التِّلالْ
بذْلُ النفوس دماءَها بذلٌ يعزُّ عن المِثالْ
لله للبلد الحرامِ لقوْمِهمْ دمُهُمْ يُسَالْ
أكْرمْ بخير القابضين على الذوابِل والنضالْ
الواثقين بربهم ثقة التقاةِ من النوالْ
إن النفوسَ إذا اتَّقتْ.. خضعت لها قِننُ الجبالْ
* * *
يا جيشُ.. حلَّ بمَكةٍ خَطْبٌ فحُقَّ لـه الجهادْ
يا جيشُ.. هذا البيتُ عاثَ بقُدْسِهِ شَرُّ العِبادْ
زَعَموا الهُدى زعموا التُّقى، كذبُوا وخاب لهم مُرادْ
أمِنَ الهُدى قَتْلُ البَريء وذَبْحُ مُعْتكفٍ وهاد؟
أطْلِقْ حبيبَ الشعب - إنَّك للحِمَى فَيْضُ الزِّنادْ
أطْلِقْ فديناك القلوبَ فأنتَ في الجُلَّى عِمادْ
أطلِقْ وجَلْجِلْ بالقذائف والقنابل والعَتادْ
وامْحَقْ فُلولَ المارقين الحائدين عن الرِّشادْ
البيتُ يجأَرُ والحطيمُ وزمزمُ والرُّكْنُ مادْ
والطائفون اللائذون اسْتُهْدِفُوا من كلِّ عادْ
صَعِقَ الركوعُ الساجدون وخَرَّ أوَابٌ مُنادْ
أقوى (7) الرُّواقُ فلا دعاء ولا صلاةَ ولا اجتهادْ
أين الصفوفُ الخاشعات وأين آياتٌ تُعادْ
بئس الَّذي شَقَّ الصفوف وعاث في الحَرَم الفسادْ
الموتُ للباغي الزَّنيم ورَهْطِ أبْرهةٍ وعادْ
أطلقْ عليه النارَ يا حامي المحارم والبلادْ
أطلقْ فإنَّا خَلْفَ ظَهْرِك أمَّةٌ وقفتْ سِنادُ
الشعبُ لولا الجيش بات مهدَّداً نهْبَ الأعادْ
يا جيشُ إنك منْعَةٌ عصماءٌ يرْهَبُها اللِّدادْ
* * *
حَيِّي الَّذين تدافعوا للموت حين بَغى الطغامْ (8)
حي الَّذين تسابقوا للموت في البلد الحَرامْ
من ذا تصدّى للدفاع عن الحطيم عن المقامْ
من طهّر البيت العتيقَ ورَدَّ غائلةَ اللِّئامْ
أرأيت كيف تسلَّطوا حُمَماً فأحْرقَتِ السوامْ
لم يعبؤوا بالنار تَعْصفُ بالشُّجاعِ وبالهُمامْ
أرأيتَهم في القَبْوِ كيف تسلَّلُوا رَغْمَ القَتَامْ
ببنادقٍ رشَّاشةٍ بالنار تضْطرمُ اضْطرامُ
بمدافعٍ هدَّارةٍ بالوَيْل بالموتِ الزُّؤامْ
للحسنَيَيْنِ تسابقُوا للنَّصْر أو موْتِ الكِرامْ
فتكوا بجمعِ المجرمين.. بكل من خفر الذِّمامُ
فإذا الطَّواغيتُ انحَنَتْ. واسْتَسْلمَتْ جثثٌ وهام (9)
الله أكبر جلْجَلَتْ.. غلَبَ الضِّياءُ على الظلامْ
سقط الشهيد وقد شَدَا في الله قد عَذبَ الحِمام
وَغَدَا الجريحُ مردِّداً.. جُرْحِي أعَزُّ من الوسامْ
يا زُمْرَةَ الإرْجَافِ كيف رأيتُمُ عُقْبَى اجتِرامْ
من رام كيداً بالحِمى.. فالحارسون لـه قيامْ
الخزْيُ في الدنيا لكم وجهنَّم يوم الزّحامْ
بُؤْتم بكلِّ مَذلَّةٍ.. وغدَتْ رؤوسُكُمُ حُطام
من خاصم الدِّين القويمَ.. غَوى وأفْحَمه الخصامْ
* * *
حيّ الأسود الضَّاريات وحَيّ أجْنَادَ الصّراعْ
فوق الجبال الشامخات تراهُمُ مثْلَ القِلاعْ
بين السهولِ اللاهباتِ توازعوا شأن السِّباعْ
من كلِّ مفتول الذّراعِ مدَرّبٍ حَذِقٍ صَناعْ
كل يضم سلاحه للصَّدر يُرضِعُهُ رَضاعْ
الموتُ غايتُهُ فما يرْجو النَّوَالَ أو المتاعْ
شرفُ الحياة مُرادُهُ ما عاش أو شرفُ النزاعْ
في الخَنْدق المحفور في الأرض المليئة بالأفاعْ
تحت السماء بريحها الهوجاءِ تَقْتلعْ التّلاعْ
تحت انْدلاعِ الشمسِ باللّهب المرَوِّع بالشُعَاعْ
تحت الثلوج القارصاتِ تثُجُّ بالحُمَّى النّخاعْ
تحت الرَّدى بصُنوفه يَحْيى المجَنَّدُ لا يُراعْ
عَصْفُ الرِّياحِ بسَمْعِهِ.. لَحْنٌ يطيبُ لـه السَّماعْ
شَظَفُ الحياةِ وبؤسُها.. عيشٌ يلذُّ به الشجاعْ
لله دَرُّ الجيش حين يشُدُّه للحَرْب داعْ
وَهَبُوا نُفُوسَهُمُ فِدىً.. للموت تندفعُ اندِفاعْ
كلُّ القلوب لهم فدىً.. كلُّ الهَوى لهُمُ مُشاعْ
التضحياتُ مبادئٌ.. هي في عروقِهمُ طِباعْ
والطَّبْعُ ليسَ تَطبُّعاً. جَلَّ الأصيلُ عن الخِداعْ
خيُر الرجال جهابذٌ. تَفْدِي ولا ترجو انْتِفاعْ
* * *
الله أكبَرْ في الصّفوف تتابعتْ خطواتُها
الله أكبَرُ في المُشاة تلاحقَتْ هَجَماتُهَا
اللهُ أكبَرُ في الدُّروعِ وقد عَلَتْ ضجَّاتُهَا
اللهُ أكبَرُ في المدَافِعِ جَلْجَلَتْ طَلَقَاتُهَا
اللهُ أكبَرُ في الحِرابِ تَغَلْغَلَتْ طَعناتُهَا
اللهُ أكبَرُ في الدِّماءِ تدفَّقتْ قَطَراتُهَا
الأيِّم الثَّكْلى تنُوحُ تصاعدَتْ زَفراتُهَا
والطفْلةُ الغَرْثى (10) اليتيمةُ حَشْرجَتْ أنَّاتُهَا
ذهبَ الأبُ الحاني الرحيمُ فكيف بعدُ حياتُها
والمشفقاتُ من القلوبِ تفطَّرَت شَغَفاتُها
شُلَّتْ يدُ الباغي الأثيمِ ومُزِّقَتْ عَضَلاتُهَا
وَيْحَ القلوبِ القاسياتِ تَجَمَّدَتْ رَحَماتُهَا
شاهتْ وجُوهُ المجرمين ولُطِّخَتْ قَسَماتُهَا
الكعبةُ الزَّهْراءُ ناحَتْ من أسىً لَبِناتُهَا
ضجَّتْ قواعدُها أسىً وتصاعدتْ دَعَواتُهَا
اللهُ أكبَرُ في المشاعر دُلِّسَتْ حُرْماتُهَا
اللهُ أكبَرُ أين غابَ دُعاتُها وحُماتُهَا؟
إنَّ السماءَ تهلَّلَتْ.. وتنزَّلَتْ آياتُها
فالجيشُ أقْبَلَ غاضباً فيه الشهامةُ ذاتُها
* * *
حيِّ الكُماةَ الذائدين عن الحِمَى حَيِّ الحُماهْ
حيِّ الرجولةَ والشجاعةَ والبَسالةَ والأناهْ
حَيِّ الشهامةَ والكَرامة زَيَّنَتْ تلك الجباهْ
حيِّ الفِداءَ بأنْفسٍ مَنَحَ الفِداءُ لها الحياهْ
حيِّ الَّذينَ اسْتَبسلُوا في الَّروعِ حين طغى البُغاهْ
مَنْ ذا الَّذي دَكَّ الحُصونَ وشَقَّ أكبادَ القُساهْ؟
مَنْ ذا الَّذي بسلاحه بَهَرَ الكَذُوبَ من الدُّعاه؟
مَنْ ذلك الرِّئبال يزأرُ في المدائن والفَلاهْ؟
مَنْ ذلك الصِّنديد تقذف بالقنابل ساعداهْ؟
مَنْ ذلك المغوار تلمَعُ بالشجاعةِ مُقْلتاهْ؟
أريتَهُ مُتَوثِّباً كاللَّيْثِ مُفْتَرَّ الشّفاهْ؟
قُمْ للَّذي لولاهُ ما أمِنَ الغَنِيُّ على غِناهْ
قُمْ لِلَّذي لولاه ما رجع الشريد إلى حماهْ
قُمْ لِلَّذي لولاه ما رجع الطَّوافُ ولا الصَّلاهْ
بالله لاذَ فؤادُه والله أيَّدَ مِن قُواهْ
قُمْ حَيِّهِ واضْفُرْ لـه غاراً يليقُ بمُسْتَوَاهْ
قبِّلهْ فوقَ جبينهِ واهتِف لـه سلمتْ يداهْ
رَدِّدْ هتافك للمَدى.. سَلِمَت يداه ومَنْكِباهْ
* * *
جدة 6/2/1400هـ
 
ونستعرض شيئاً من شعر الغزل الَّذي قيل في أيام الشباب.. قصيدة شقراء:
شقراء
شَقْرَاءُ يا ألَقَ الصباحِ ويَا ضياءَ الكَوكَبِ
با بَسمَةَ الفجْرِ المنِيرِ عَلى مُروج السَّبْسَبِ
يا طلْعَةَ الأملِ الحَبيبِ عَلَى فؤادٍ مُتْعَبِ
عَيْنَاك إشراقُ المُنى سَطَعاً بقَلْب الغيهَبِ
شَفتاك إكسيرُ الحيَاةِ لمدْنِفِ متَعذِّبِ
نَهْداكِ أعذَبُ مَنْهليْنِ لظامئٍ متَلَهِّب
أحسَسْتُ حينَ تمرَّدا بتبلُّدِي وتهَيُّبي
أَهُمَا لَدَيكِ الحَارسَانِ تَوثَّبَا لِتَرقُّبي
أو مَا اكتفَيْتِ بمقْلتيكِ تَريشُ قَلْبَ المعجَبِ
* * *
شقراء إني شاعرٌ عشِقَ الجمَال فغرَّدا
وجْهٌ أعارَتْه الرياضُ ورُودَها فتورَّدَا
الليلُ كحَّلَ مُقْلتَيكِ وقَبَّل الفَجْرُ اليَدا
والأقْحوانُ غَدَا بثغْرِكِ كالعُقُودِ مُنَضَّدا
والأحْمرُ العُنَّابُ حَامَ على الشَّفاهِ وأخْلدا
والبدْرُ أقسمَ أن يثُوبَ إلى حِماكِ ويَسْجِدَا
والغنَ تيَّمهُ قوامُكِ فاسْتَحى وَتَأَوَّدَا
والحارسَانِ الصَّارخَانِ.. توثَّبا وتَرصَّدَا
فغَدَوْتُ كالمخْمُورِ أسْكرَهُ الجمَالُ فَعَرْبَدَا
القاهرة 1380هـ
وهذه قصيدة رقصة:
لِعَزْفِ البيانو رقصْنا معاً
كَطَيْرينِ طَارَا بِلاَ أجْنحَهْ
وَفُسْتانكِ الحُلوُ لاَ يرعوي
يُرفْرفُ بالعِطْر كالمِرْوَحَهْ
كَأنكِ في الحَفْلِ عُصْفورةٌ
تغرِّدُ وَلْهَانةً مُفْرحَه
* * *
ورفَّتْ عَلى الصَّدرِ أجدُولةٌ
كَلَوْنِ الظَّلامِ تُشيعُ الهُدوءْ
شَمَمْتُ شَذَاهَا وقَبَّلْتُهَا
وَأغْفَيْتُ أنْعمُ كالمسْتَفِيءْ
وطوَّقْتُ خَصْرَكِ في رِقَّةٍ
وَتَمْتَمْتُ في السرِّ طابَ اللُّجُوءْ
* * *
هُنالِكَ راشَ الهَوى مهْجَتي
غرَاماً تملَّكَ أعمَاقِيهْ
وأحسَسْتُ بِالشَّوْقِ يَجتَاحُِني
عِنِاقاً يهَدْهِدُ إحسَاسِيه
وقَرَّبتُ ثغريَ في لَهْفَةً
تَنِمُّ عن الرغبَة الطَّاغيهْ
* * *
وَأحسَسْتِ أنتِ بدوَّامتي
فأبْدعْتِ في الرقصَة النَّاجِحَهْ
وَحَمْلَقْتِ عَيْنيكِ في نَشْوةٍ
تَنِمُّ عن المتعَة السَّانحة
فأشعَلْتِ فيَّ جحِيمَ الهَوى
فأطْلَقْتُهَا زفْرَةً لافحَهْ
* * *
وداريْتُ شوْقي ونَهْنَهْتُهُ
وغالبْتُ حُبِّي وهَدْهَدْتُهُ
وجَاهدْتُ نَفْسيَ أن تَرعوي
وَصبَّرتُ قَلْبي وهَدأَتُهُ
فَلَجَّ الغَرَامُ بِنيرَانِه
فلُذْتُ بثَغْرِكِ أطْفأْتهُ
* * *
هَدأْتُ هُدُوءاً ولكنَّه
هدوءٌ يُمهِّدُ للعَاصِفَهْ
وَرُحْتُ أفَكِّرُ في مُقْبِلٍ
نَفِيءُ لأغصَانِه الوَارِفَهْ
فهَلْ لَكِ يا هِندُ أن نَلتقي
لِنُطفِىءَ أشواقَنَا الهَاتِفَهْ
* * *
القاهرة سنة 1379هـ
 
وأهداني الشاعر الكبير الأستاذ أحمد قنديل - رحمه الله - جميع دواوينه دفعة واحدة، فشكرت هذا العطاء أو هذه الهدية بقصيدة طويلة قلت فيها:
"قِنْدِيلُ" أَشرِقْ كَوْكَباً وَضَّاَءَ
وَامْلأْ عُقُولَ المعْتمين ضِيَاءَ
رَدِّدْ لَنا النَّغَمَ الَّذِي عَوَّدْتَنَا
وَاصْدَح بِشِعْرِكَ بُلْبُلاً غِنَّاءَ
هَذا قَرِيضُكَ فِي القُلُوبِ كَأنَّهُ
رَجْعُ المعَازِفِ.. رِقَّةً وأَدَاءَ
صَدِئتْ قُلُوبُ النَّاسِ فَهِيَ كَئِيبَةٌ
وَرَأَيتُ شِعْرَكَ لِلصُّدُوِّ جلاَءَ
وَالحُزْنُ أَمْعَنَ في النُّفُوسِ رَتَابَةً
فَاجْعَل قَرِيضَكَ بَلْسَماً وَشِفَاءَ
إِنّي رَأَيتُكَ شَاعِراً.. بَلْ آسِياً
تَشْفِي النُّفُوسَ وَتُبْرِئُ الأَدْوَاءَ
وَتَرُدُّ عِلاَّتِ القُلُوبِ شَفِيَّةً
وَتُحِيلُ أَغْوَارَ النُّفُوسِ سَمَاءَ
شِعْرٌ رَأَيْتُ السِّحْرَ في طَيَّاتِهِ
جَذَبَ النَّدَى وَاسْتَمْطَرَ الأَنْوَاءَ
شِعْرٌ لَـهُ الأَسْمَاعُ تُهْطِعُ وَالنُّهَى
تزكُو وَتَنْتَفِضُ الريَاضُ بَهَاءَ
هَلْ سِحْرُ هَارُوتٍ وَمارُوتٍ بِهِ
أَمْ أنَّهُ الإعْجَازُ عَزَّ لِوَاءَ؟!
تَتَصَوَّرُ "اللَّوحَاتُ" (11) في جَنَبَاتِهِ
فَناً يَفيِضُ عُذُوبَةً ورُوَاءَ
وتَتِيـهُ "بالأصْدَافِ" (14) جيـدُ "عَرُوسِـهِ" (14)
زَهْواً فَيَرقُصُ بِالجَمَالِ زُهَاءَ
أَبْصَرْتُ "شَمْعَتَهُ" (14) تدُلُّ "بِنَارِهَا" (14)
فَأَضَاءَتِ الأَجْبَالَ وَالبَطْحَاءَ
سَكَبَـتْ "عَرُوسَ البَحْرِ" (14) فـَوْقَ رِمَالِـهِ
"خَمْساً مِنَ الدَّمْعَاتِ" (14) كُنَّ رُواءَ
فجثا لَدَيْهَا "قَاطِعٌ لِطَرِيقِهِ" (14)
وَأَنَابَ يَجْأَرُ تَوْبَةً وَبُكَاءَ
وَتبسَّمَ "الرَّاعِي" (14) لِرَوْعَةِ مَا رَأَى
فَأَعَارَهُ "أَوْرَاقَهُ الصَّفْرَاءَ" (14)
وَتَطَامَنَ "الجَبَلُ" (14) المُدِلُّ بِهَامِهِ
خَجَلاً.. وَلاَمَسَ هَامُهُ الصَّحْرَاءَ
وَرَوَى "أَبُو عَرَّام" (14) قِصَّةَ شَاعِرٍ
لَثَمَ السِّمَاكَ.. وَغَازَلَ الْجَوْزَاءَ
أَفْضَى "لمَكَّة قِبْلَتِي" (14) خَلَجَاتِهِ
أَوَّابَةً أَوَّاهَةً وَطْفَاءَ
* * *
قِنْدِيلُ" مَا هَذِي الرَّوَائِعُ والرُّؤى
أسَكَبْتَ فِيهَا مُهْجَةً وَدِمَاءَ؟!
أَنَظمْتَ رُوحَكَ في القَصِيدِ فَرَفْرَفَتْ
وَترقرقتْ بِشَغافِها.. أَنْدَاءَ؟!.
الشِّعْرُ تَعبِيرُ القُلُوبِ وَرَجْعُهَا
يُحْيِي الموَاتَ، وَيُسْعِدُ الأَحْيَاءَ
لَوْلاَهُ مَا وَضَعَ المُلَحِّنُ لَحْنَهُ
كَلاَّ وَلاَ سَمِعَ الأَنَامُ غِنَاءَ
الشِّعْرُ فِي هَذِي الحَيَاةِ رَبِيعُهَا
لَوْلاهُ مَا رَأَتِ الْحَيَاةُ هَنَاءَ
الشِّعْرُ أَزْهَارٌ يَضُوعُ عَبِيرُهَا
فَيُعَطِّرُ الآفَاقَ وَالأَجْوَاءَ
الشِّعْرُ رِيُّ الظَّامِئِينَ وَبَلْسَمٌ
لِلمُوجَعِينَ فَكَمْ شَفَى أَدْوَاءَ
الشِّعْرُ مُنْتَجَعُ النُّفُوسِ وَمَرْتَعٌ
تَغْشَاهُ تَنْشدُ فِي رُبَاهُ صَفَاءَ
مَنْ رَامَ لِلنَّفْسِ الحَزِينَةِ بُرْءَهَا
فَلْيَقْصُدِ الأَشْعَارَ وَالشُّعَرَاءَ!!
* * *
"قِنْدِيلُ" شَنِّفْ بِالقَصِيدِ مَسَامِعي
إِنِّي أُجِيدُ لشِعْركَ الإِصْغَاءَ!
شِعْرٌ أَرَقُّ مِنَ النَّسِيم إذَا سَرَى
وَأَشَفُّ مِنّ مَاءِ الغَدِيرِ نَقَاءَ!
فَكَأَنَّهُ البِلَّوْرُ.. أَوْ هُوَ لُؤْلُؤٌ
بَهَرَ العُقُولَ وَحَيَّرَ الفُصَحَاءَ
تُصْغي إِلَيْهِ الجَانِحَاتُ خَوَافِقاً
فِي ظِلِّهِ تَتَنَفَّسُ الصَّعْدَاءَ
أَجَمَعْتَهُ مِنْ كُلِّ بَحْرٍ دُرَّةً؟
وَمِنَ الرِّيَاضِ الزَّهْرَ وَالأشْذَاءَ؟!
أَجَمَعْتَهُ وَنَظَمْتَهُ وَبَدَعْتَهُ
بِدَعاً.. فَكَانَتْ لِلنُّهَى إِنْمَاءَ؟
آمَنْتُ بِالسِّحْرُ الحَلاَلِ تَصُوُغُهُ
حكَماً.. فتورِدُ حَوْضَكَ الحُكَمَاءَ!
لـوْ عَاشَ "مِهْيَارٌ" (12) لِعَهْدِكَ مـَا ارْتَضَـى
إلاَّكَ يُلْهِمُهُ القَرِيضَ غِنَاءَ!
وَ"البُحْتُرِيُّ" (13) عَلَى جَزَالَةِ لَفْظِهِ
تَرَكَ الزُّهُوَّ وَجَانِبَ الخُيَلاَءَ!
الأَقْدَمُونَ جَمَعْتَهُمْ بِبَلاَغَةٍ
وَالمحْدثُونَ بَهَرْتََهُمْ إِشْدَاءَ!
* * *
ابْدَعْتَ في الفُصْحَى.. فَكُنتَ مُجَلِّياً
صَقَلَ العُقُولَ وَهَذَّبَ الآرَاءَ
وَبِشِعْرِكَ الشَّعْبِيّ كُنْتَ مُجَدِّداً
أَحْدَثْتَ فِيهِ مَغَانِياً وَبِنَاءَ
وَلَمسْتَ بالنقْدِ النَّزِيهِ نَقَائِصاً
قَدْ كُنْتَ فِيهَا نَاقِداً بَنَّاءَ
للهِ دَرُّكَ شَاعِراً أَوْ نَاقِداً
أَوْ مُصْلِحاً أَوْ عَالماً مِعْطَاءَ
خَبَـتِ العُقُـولُ وَنُـورُ عَقْلِكَ مـَا خَبـا
عَقْلٌ إِذَا احْتَكَمَ الظَّلاَمُ أَضَاءَ
أَيْقِظْ رِفَاقَ الشِّعْرِ أَشْعِلْ نُورَهُمْ
وَأَهِبْ بِهِمْ أَنْ يَكْشِفُوا الظَّلْمَاءَ
إنَّ القُلُوبَ لِشِعْرِهِمْ تَوَّاقَةٌ
حَسْبُ القُلُوبِ كَآبَةً وبُكَاءَ
جَثَمَتْ عَلَـى كُـلِّ الصُّدُورِ فَلَـمْ يَعُـدْ
إلاَّ الأَسَى يُصْلِي الشُّعُورَ صِلاَءَ
الحُزْنُ وَالآلامُ عَجَّ أَوَارُهَا
وَأَمَضَّتِ الأَضْلاَعَ والأَحْشَاءَ
وَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنُ الكَرِيمِ تَأَلُّماً
فَبَكَى وَأَبْكَى المشْفِقِينَ رَثَاءَ
النُّبْلُ وَالخُلُقُ الكَرِيمُ تَيَتَّمَا
وَذَوُوا المُرُوءَةَ أَصْبَحُوا غُرَبَاءَ
زَمَنٌ أَضَاعَ المَكْرُمَاتِ وَأَهْلَهَا
وَاغْتَالَ أَهْلَ الفَضْل وَالنُّبَلاَء
وَانْحَطَّ بِالمُثُلِ الرَّفِيعَةِ لِلثَّرَى
وَأَحَالَهَا مِزَقاً تَنِزُّ دِمَاءَ
الصَّادِقُ الشَّهْمُ العِزِيزُ تَمَزَّقَتْ
أَوْصَالُهُ وَتَنَاثَرَتْ أَشْلاَءَ
أَخَذَ النِّفَاقُ إلَى القُلُوبِ سَبِيلَهُ
فَإذَا الضِّمَائِرُ أَصْبَحَتْ عَمْيَاءَ
إِنَّ البَصَائِرَ إِنْ تَغَطَّشَ نُورُهَا
رَأَتِ الشُّعَاعَ وَجُنَّةً دَكْنَاءَ
فَإذا بِهَا تَئِدُ النَّبَاهَةَ وَالْحِِجَى
وَتُمَجِّدُ الأغْرَارَ وَالبُلَهَاءَ
لاَ فَضْلَ إِلاَّ لِلبَلِيدِ فُؤَادُهُ
وَلمَنْ تَدَثَّرَ بِالنِّفَاقِ رِدَاءَ
وَالعَبْقَرِيُّ الألْمَعِيُّ مَكَانُهُ
فَبْرٌ تَضُمُّ لحودُهُ النُّبَهَاءَ!
* * *
"قِنْدِيـلُ" مَـنْ يُحْيِـي المشَاعـِرَ وَالحِجَى
إلاَّ الَّذِينَ تَمَيَّزُوا شُعَرَاءَ
مَنْ يُوقِظُ الإِحْسَاسَ بَعْدَ خُمُودِهِ
إِلاَّ الأُلَى رَفَعُوا القَرِيضَ لِوَاءَ
الشِّعرُ إحْسَاسُ الكَرِيم بِمَا يَرَى
فَيُصَوِّرُ السَّرَّاءَ وَالضَّرَّاءَ
الشِّعْرُ نَفْثةُ شَاعرٍ كَرعَ الْجَوَى
فَأَشَاعَهَا مَسْجُورَةً حَمْرَاءَ
الشِّعْرُ أنَّهُ يَائِسٍ مُتَأَلِّمٍ
طَعِمَ الأَسَى وَتَجَرَّعَ الْبُرَحَاءَ
الشِّعْرُ آهَاتُ الحَزِينِ يَبُثُّهَا
وَيَصُوغُهَا لِلرَّاحِمِينَ بُكَاءَ
الشِّعْرُ فَلْسَفَةٌ وَحِكْمَةُ عَالِمٍ
تُذْكِي العُقُولَ وَتَخْلُقُ الْحُكَمَاءَ
الشِّعْرُ جَامِعَةٌ تَضُمُّ فُرُوعُها
العِلْمَ وَالأَخْلاَقَ وَالإِنْمَاءَ
وَالفَلْسَفَاتِ قَديمَهَا وَحَدِيثَهَا
والْفَنَّ وَالتَّطْويرَ وَالإنْشَاءَ
وَجوامِعَ الكَلِمِ الحَكِيمِ فَصَاحَةً
وَحَصَافَةً وَبَلاَغَةً وَذَكَاءَ
أَرَأَيْتَ مثْلَ الشِّعْرِ فِي آفَاقِهِ
وَسِعَ النُّهَى وَاسْتَوْعَبَ النُّبَغَاءَ
الشِّعْرُ فِرْدَوْسٌ زَهَتْ جَنَّاتُهُ
جَمعَ النَّعِيمَ وَأَنْبَتَ النَّعْمَاءَ
الشِّعْر زَقْزقَةُ القُلُوبِ إذا هَفَتْ
وَأَحَبَّتِ الدَّعْجَاءَ وَالْهَيْفَاءَ
الشِّعْرُ تَغْرِيدُ البَلاَبِلِ فِي الرُّبا
لَحْنٌ يَهُزُّ الصَّخْرَةَ الصَّمَّاءَ
الشِّعْرُ أَرْغُونٌ تَلَوَّنَ لَحْنُه
فَانْسَابَ بُرْءاً لِلشَّجَى وَشِفاءَ
الشِّعْرُ يَنْبُوعٌ تَدَفَّقَ بالْحِجَى
يَتَعَهَّدُ الأَعْمَاقَ وَالآرَاءَ
الشِّعْرُ بُرْكانٌ يَثُورُ إذَا طَغَى
ظُلْمٌ وَدَاسَ بِخُفِّهِ الضُّعَفَاءَ
الشِّعْرُ مَعْرَكَةٌ إِذَا احْتَدَمَ الْوَغَى
تُصْمِي العدَاةَ وَتَلْطُمُ الطَّغْوَاءَ
الشِّعْرُ تَارِيخُ الشُّعُوبِ وَسِفْرُهَا
يَتَلَمَّسُ الأَمْجَادَ وَالأَخْطَاءَ
كَمْ سَجَّلَ الأَحْدَاثَ.. فَهيَ مَفَاخِرٌ
لِلغَابِرِينَ.. وَقَدْ تُرَى إخْزَاءَ!!
وَالشَّاعِرُونَ هُمْ الأَسَاتِذَةُ الأُولى
حَمَلُوا الرِّسَالَةَ وَانْبَروْا نُصُحَاءَ
هُمْ أَلْسُنٌ لِلصَّامِتِينَ وَأعْيُنٌ
لِلغَافِلِيَنَ تَوَثَّبُوا رُقَبَاءَ
هُمْ لِلشُّعُوبِ أُسَاتُهَا وَحُمَاتُهَا
وَجُنُودُهَا إِنْ رَامَتِ العَلْيَاءَ
نُعْمَى الإِلَـهِ عَلَى العِبَادِ قُلُوبُهُمْ
الرَّاحِماتُ.. فَمَا عَرَفْنَ جَفَاءَ
يَبْكُونَ إنْ بَكَتِ العُيُونُ تَراحُماً
وَإِذَا تُسَرُّ رَأَيْتَهُمْ سُعَدَاءَ
مَنْ يَقْدِرُالشُّعَراءَ غَيْرُ مُثَقَّفٍ
حَذق البَيَانَ وَصَاحَبَ الشُّعَراءَ
نَفَذَتْ بَصِيرَتُهُ إِلَى أَعْمَاقِهِمْ
فَتَلَمَّسَ الإِحْسَاسَ طَابَ فِنَاءَ
وَرَأى الحَنَانَ مُجَسَّداً بِقُلُوبِهِمْ
وَرَأى العَوَاطِفَ جَنَّةً فَيْحَاءَ
فَمَضَى يُتَرْجِمُ مَا رَآهُ مُرَدِّداً
أَنَا لَمْ أَجِدْ أَلاَّ هُمُ رُحَمَاءَ
يَشْقَوْنَ فِي الدُّنْيَا لِيَسْعَدَ غَيْرُهُمْ
أَرَأَيْتَ مَنْ رَضِيَ الحَيَاةَ شَقَاءَ؟!
"قِنْدِيلُ" هذِي نَفْثَةٌ جَيَّاشَةٌ
أَطْلَقْتُهَا مِن خَافِقِي حَرَّاءَ
أَبْلِغْ رِفَاقَ الشِّعْرِ كُنْهَ رِسالَتِي
فَلَعَلَّهَا تُغْرِيهُمُ اغرَاءَ
وَلَعَلَّ تَمْجِيدي لَهُمْ يَهْتَاجُهُمْ
وَيُحِيلُ غَفْوَتَهُمْ جَدىً وَعَطَاءَ
ذَكِّرْهُمُ أنَّ العَطَاءَ سَجِيَّةٌ
لِلشَّاعِرِينَ فَهَلْ غَدَوْا بُخَلاَءَ؟
مَا لِلكِرَامِ الشَّاعِرينَ تَثَاءَبُوا
وَتَعَاهَدُوا أَنْ يُصْبِحُوا قُرَّاءَ؟!
إِنْ لَمْ يَجُودُوا بِالقَرِيضِ مَلاَحِماً
أَضْحَتْ قُلُوبُ المعْتَفِينَ خِوَاءَ
أَوْرِدْهُمُ حَوْضََ "الفَقِيّ" لَعَلَّهُمْ
يَجِدُونَ فِيهِ الخِصْبَ وَالإِرْوَاءَ
إِنَّ "الفَقِيَّ" لَجَدْوَلٌ مُتَرَقْرِقٌ
بَلْ زَاخِرٌ غَمَرَ النُّفُوسَ رِضَاءَ
بَحْرٌ يَفِيضُ جَوَاهِراً وَلآلِئاً
رَكَعَتْ ذُكَاءُ لِنُورهَا اسْتِخْذَاءَ
مَنْ عَلَّمَ الأَطْيَارَحُلْوَ غِنَائِهَا
إلاَّ "الفَقِيُّ" وسَاجَلَ الوَرْقَاءَ؟
مَنْ رَقْرَقَ الأَشْعَارَ فَهيَ رَوَائِعٌ
سَطَعَتْ تَعُمُّ الخَافِقِينَ ضِيَاءَ
فَلْيَقْتَبِسْ مَنْ شَاءَ مِنْهُ فَإِنَّهُ
مُتَدَفِّقٌ بَهَرَ السَّحَابَ سَخَاءَ
مَاذَا لَوْ اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَأرْهَفُوا
أَسْمَاعَهُمْ.. لَتَعَلَّمُوا الإشْدَاءَ
أَطْرَبْتَ أَنْتَ نُفُوسَنَا وَقُلُوبَنَا
وَبَكَى الفَقِيُّ.. فَرَقَّقَ الغُلَظَاءَ
الرَّافِدَانِ الزَّاخِرَانِ تَدَفَّقَا
"قِنْدِيلُ" أَغْدَقَ وَ"الفَقِيُّ" أَفَاءَ
لِلَّهِ دَرَّكُمَا مَنَابِعُ حِكْمَةٍ
تَهَبُ النُّبوغَ وَتُشْبِعُ النُّبَغَاءَ!!
* * *
"قِنْدِيلُ" إِنِّي قَدْ رَفَعْتُ عَقِيرَتي
بِعَقِيدَتي أَسْتَنهِضُ الشُّعَرَاءَ
لَوْلاَهُمُ غَدَتِ الحَيَاةُ كَئِيبَةً
مَمْجُوجَةً مَمْقُوتَةً شَوْهَاءَ
إنَّ الحَيَاةَ قَصِيدَةٌ أَنْغَامُهَا
أَشْعَارُهُمْ.. فَلْيُسْعِدُوا الأَحْيَاءَ
وَلْيَنْثُروا أَقْلاَمَهُمْ فَيَّاضَةً
بِنِتَاجِهِمْ ولْيُخْصِبُوا الجَدْبَاءَ
* * *
"قِنْدِيلُ" إِنِّي شَاعِرٌ سَئِمَ البُكَا
وَمَشَى إِليْكَ مُسَاجِلاً غَنَّاءَ
فَلَعَلَِّنِي بِمَشَاعِرِي وَعَوَاطِفِي
قَدَّرْتُ فِيكَ الشَّاعِرَ الْمِعْطَاءَ!!
* * *
جدة - السبت ربيع الثاني 1399هـ
 
- ومن ألوان الشعر الأخرى الوجدانيات.. ومنها شعر العائلة، فكلما صارت مناسبة في العائلة طُلِبَ مني أن أسجلها شعراً، فأقول الشعر في العروسين، ثم أنصح العروسين بما أستطيع حسب تجاربي؛ فهنا في زواج إحدى بناتي أخاطبها قائلاً:
أَبُنَيَّتِي إِنَّ الحَيَاةَ غَريبَةٌ
أطْوارُها في وَصْلِهَا وَخِصَامِهَا
هِيَ قُوَّةٌ قَهَّارَةٌ جَبَّارَةٌ
السَّعْدُ وَالإِشْقَاءُ مِنْ خُدَّامِهَا
فَإِذَا ابتَسَمْتِ بِوجْهِهَا أَلفَيْتِهَا
رَوْضاً تَفِيضُ ندىً عَلَى آرَامِهَا
وَإِذَا عَبَسْتِ تَجَهَّمَتْ وَتَمرَّدَتْ
وَرَمَتكِ مِنْ أقْوَاسِهَا بِسِهَامِهَا
هِيَ لاَ تُطِيقُ تَجهُّماً وَتَبُّرماً
مَنْ يَجْتَويهَا يَكْتَوِي بِسِمَامِهَا
هِيَ إِنْ نَظَرْتِ لَهَا بِعَيْنِ تَفَاؤُلٍ
أَبْصَرْتِهَا مُخْضَرَّةً بِخُزَامِهَا
وَإذَا نَظَرْتِ لَهَا بِعَيْنِ تَشَائُمٍ
أَبْصَرْتَِِها مُغْبَرَّةً بِقَتَامِهَا
فَإِذَا عَرَفْتِ طِبَاعَها فَتَبَسَّمِي
تنجِيَن مِنْ إعْنَاتِهَا وَصُرامِهَا
* * *
أَبُنَيَّتي هَلْ تَسْمَعِينَ نَصِيحَتِي؟
كُونِي لِزَوجِكِ جَنَّةً بِسَلامِهَا
كُونِي لَهُ السَّكَنَ الَّذي يَأْوِي لَهُ
فَيقِيهِ منْ فِتَنِ الحَيَاةِ وَذَامِهَا
لاَ تُثقِلِيهِ بِمَا يَنُوءُ بِحَمْلِهِ
فَالنَّفْسُ تَنفُرُ مِنْ أَذَى ظَلاّمِهَا
وَالنَّفْسُ تهطعُ لِلحَنَانِ وَتَنثَنِي
لِلعَطْفِ وَالإحْسَانِ رغْمَ عُرامِهَا
فَتَرفَّقِي يا فَلْذَتِي بِمَشَاعِرٍ
جَيَّاشَةٍ بِجَنَاْنِهَا وَغَرَامِهَا
وَتَحَسَّسِي مِنْ نَفْسِهِ مَا تَشْتَهِي
هِبَةُ الحَبِيبَ تُزِيلُ كُلَّ شَقامِهَا
وَجْهٌ يَفيضُ بَشَاشةً وَتَودُّداً
أَحْلَى لَدَيْهِ مِنَ المُنَى وَمَرامِهَا
* * *
نَجْـوى سَتُصْبـحُ فِـي الغَدَاةِ "لِمُصْطَفَى"
يَا مُصْطفَى احْرِصْ عَلَى إِكْرَامِهَا
هِيَ فَلْذَتي هِيَ مُهْجَتي هِيَ مُنْيَتي
أَدَّبْتُهَا، أَعْدَدْتُهَا لأمَامِهَا
(يَا مُصْطَفاهَا) هَلْ عَرفْتَ هَدِيَّتِي
حَقِّقْ لَهَا الآمَالَ مِنْ أَحْلاَمِهَا
هَبْهَا فُؤَادَكَ مُخْلِصاً بِودَادِهِ
وَارْفِقْ بِمَنْ وَلَّتْكَ أَمْرَ زِمَامِهَا
إِنِّي وَهَبْتُكَ دُرَّةً مَكْنُونَةً
فَاحْفَظْ بِحَقِّ اللهِ عَهْدَ ذِمَامِهَا
يَا ابْنَ (الملائِكَةِ) الَّذيِنَ عَرَفْتُهُمْ
بِالنُّبْلِ وَالأخْلاَقِ مِنْ أَعْلاَمِهَا
نَجْوَى مَلاكِي أَزْمَعَتْ وَتَهَيَّأَتْ
لِتَنَالَ بَيْنَكُمْ رَفِيعَ مِقَامِهَا
* * *
وَلَدَيَّ إِنِّي نَاصِحٌ بِنَصِيحَةٍ
فَتَمسَّكَا بِخِطَامِهَا وَسنامِهَا
إِنَّ الحَيَاةَ مَلِيئَةٌ بِشُرورِهَا
فَحَذَارِ مِنْ أوْغَادِهَا وَطَغامِهَا
وَحَذَارِ مِنْ كَيْدٍ يُحَاكُ وَفِتْنةٍ
وَلَعَ الحَسُودُ ببَعْثِهَا وَقِيَامِهَا
لُوذَا إِلَى الرَّحمنِ مِنْ فِتَنٍ طَغَتْ
وَتأجَّجَتْ بِجَحِيمِهِا وَضرَامِهَا
وَتَعوَّذَا بِاللهِ مِنْ صُنَّاعِهَا
إِبْلِيسُ يَدْفَعهُم ْإِلَى إِضرامِهَا
أُوصِيكُمَا بِالدِّينِ والتَّقْوَى فَمنْ
نَشَدَ الهِدَايةَ عَاشَ في إِنْعَامِهَا
نَهْجُ السَّعَادَة أُلْفَةٌ وَتَسَامُحٌ
وَمَحَبَّةٌ فَيَّاضَة بِسَلاَمِهَا
إِنِّي لأَدعُو اللهََ أَنْ يُولِيكُمَا
ذُرِّيَّةً تُرضِيكُمَا بِوِئَامِهَا
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1022  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 149 من 171
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج