| سارٍ.. يُفَتِّشُ بَعْضُهُ عن كُلِّهِ |
| ويَلُمُّ ما تُوحي نبوءةُ لَيْلِهِ |
| مُتَبَتِّلاً للنَّفْسِ منطلقاً بِها |
| يجلو صبابةَ عاشقٍ مُتَأَلِّهِ |
| لاحَتْ لهُ نارٌ فقال لنَفْسِهِ |
| ما قالَهُ (موسى الكليمُ) لأَهْلِهِ |
| ومشىَ إلى النارِ/الحقيقةِ حافياً |
| لتَشُبَّ نارُ الانتظارِ بنَعْلِهِ |
| ثمَّ انثنَى جِهَةَ النبوءةِ قابساً |
| سرَّ الألوهةِ في فتيلةِ عَقْلِهِ |
| ورأى الجمالَ قصيدةَ اللَّه التي |
| من أَجْلِهَا بَدَأَتْ متاهةُ رُسْلِهِ |
| فمضَى على طُرُقِ المتاهةِ.. لا ترى |
| غيرَ القوافي يضطربنَ برَحْلِهِ |
| ساهٍ كما يسهو الخليلُ إذا صَحَتْ |
| إشراقةُ الذكرَى وحَنَّ لِخِلّهِ |
| * * * |
| من قلبِ محفظةِ النخيلِ تَوَهَّجَتْ |
| عيناهُ: عنوانُ (العراقِ) ونَخْلِهِ |
| وكسا مصائرَهُ السَّوادُ كأنَّما |
| تلك المصائرُ حفنةٌ من كُحْلِهِ |
| غَزَلَ الرحيلَ وخاطَ للبَرِّ الخُطَى |
| فسَرَتْ خُطَاهُ وما غَدَرْنَ بِغَزْلِهِ |
| في غربةٍ هُوَ والحصانُ.. فطالما |
| شَعَرَ الحصانُ بغربةٍ في تَلّهِ |
| صَحَتِ الرِّمالُ على انقلابٍ أسمرٍ |
| تتَحَدَّثُ الفصحَى حماحمُ خَيْلِهِ |
| لَمَحَتْ بهِ الصحراءُ هيئةَ فارسٍ |
| عَبَرَ الجحيمَ وجاءَها من هَوْلِهِ |
| ينقادُ في ظِلِّ الملوكِ.. وحينما |
| دَنَتِ الحقيقةُ قادَهُمْ في ظِلّهِ |
| جَمَحَتْ قصائدُهُ.. وكلُّ قصيدةٍ |
| تستنفرُ التاريخَ من إِسْطَبْلِهِ |
| في هيبةِ الإعصارِ.. سَلَّ على المدَى |
| سيفَ الهبوبِ وشَقَّ مِعْدَةَ رَمْلِهِ |
| ما انفكَّ يقتحمُ الزمانَ وكلَّما |
| مَدَّ الخُطَى رَكَلَ السنينَ بِرِجْلِهِ |
| شبحٌ بشريانِ الخلودِ مسافرٌ |
| أبداً يُقَصِّرُ من مسافةِ جَهْلِهِ |
| هُوَ كالمدارِ حكايةٌ لا تنتهي |
| والفصلُ فيها لا يعودُ لأَصْلِهِ |
| * * * |
| كَمَنَ الرُّمَاةُ لهُ وراءَ نبالِهِمْ |
| كلٌّ يُعَلِّقُ تُهْمَتَيْنِ بِنَبْلِهِ |
| كَمَنُوا لهُ في القوسِ.. قوسِ ظلامِهِمْ.. |
| فافترَّ عن سهمٍ يضيءُ بنَصْلِهِ |
| ما مَدَّ حبلَ رُؤَاهُ في أُفُقِ الرُّؤَى |
| إلاَّ وأَلْفُ طريدةٍ في حَبْلِهِ |
| ضَرَبَ الترابَ براحةِ اللغةِ التي |
| كَشَفَتْ على الرُّؤْيَا ملامحَ فَأْلِهِ |
| فرَأَى من الأقدارِ كلَّ صنوفِها |
| وأشاحَ عن قَدَرٍ ينمُّ بقَتْلِهِ |
| أَيَخونُهُ الشِّعرُ الحبيبُ.. ومن رأَى |
| عَسَلاً تَوَرَّطَ في خيانةِ نَحْلِهِ؟! |
| * * * |
| غربالُهُ نَخَلَ الحروفَ فلم يَدَعْ |
| حرفاً يُكَلِّفُهُ النَّشازُ بِحَمْلِهِ |
| نشوانُ ما ارْتَجَفَتْ يداهُ برِيشَةِ |
| إلا كما ارتجفَ الصباحُ بِطَلِّهِ |
| يَتَأَبَّطُ الرُّؤيَا بمنتصف الأسَى |
| بين اعتزالِ الفيلسوفِ وعَزْلِهِ |
| ما غاصَ في الملكوتِ إلاّ عائداً |
| للذَّاتِ ينقشُ شكلَها في شَكْلِهِ |
| * * * |
| هَمَسَتْ لهُ الدنيا بصوتِ حبيبةٍ: |
| كُتِبَ الهوَى فَرْضاً عليكَ فَصَلِّهِ |
| فاختارَ ماءَ وضوئِهِ من جدولٍ |
| تَقِفُ الحياةُ على شواطئِ غُسْلِهِ |
| فإذا عروسٌ ذَيَّلَتْ فستانَهَا |
| بالمغرياتِ وغازَلَتْهُ بذَيْلِهِ |
| فدَنَا ومال على العروسِ برغبةٍ |
| لم ترْضَ من ذات الرداءِ بفَضْلِهِ |
| خطَفَ الحياةَ بكلِّ زينتِها التي |
| تزهو، وأكملَها بزينةِ قَوْلِهِ |
| * * * |
| ضيفٌ على العصر المُخَضَّبِ بالرَّدَى |
| منذ الحروب تناسَلَتْ في نَسْلِهِ |
| ثَقُلَتْ عباءتُهُ عليهِ كأنَّها |
| حَمَلَتْ من التاريخِ كاملَ ثِقْلِهِ |
| مال الغريبُ على عصاهُ فأَوْرَقَتْ |
| فيها الصبابةُ لاحتضانةِ مَيْلِهِ |
| ومضَى يُحَصِّنُ عصرَهُ بشمائلٍ |
| أضفَى عليها الشِّعرُ شيمةَ نُبْلِهِ |
| في تربةِ الكلماتِ عَمَّقَ حَرْثَهُ |
| فتَنَزَّهَتْ كلُّ العصورِ بحَقْلِهِ |
| هو ذاك يسكنُ في الزُّهورِ فلم يزلْ |
| ما بين زنبقِهِ يتيهُ، وفُلِّهِ |
| كونٌ تَأَلَّقَ في ملامحِ كائنٍ |
| وتَهَتَّكَتْ فيهِ عناصرُ وَحْلِهِ |
| * * * |
| يا حارقَ الكلماتِ في تعويذةٍ |
| نَشَرَتْ بَخُورَ حروفِها مِنْ حَوْلِهِ |
| في الشِّعرِ يحتفلُ الوجودُ بقِصَّةِ الـ |
| تكوينِ.. فادخلْ بي مَجَرَّةَ حَفْلِهِ |
| فـ (ـأنا) كـ (ـأنت).. تعبتُ من عَبَثِيَّتي |
| في كَشْفِ مفتاح الوجودِ وقُفْلِهِ |
| ورجعتُ أحصدُ عُشْبَ خيبتِكَ الذي |
| ما انفكَّ يُغري المبدعين بأَكْلِهِ |
| إنَّ الجنونَ وقد رآكَ أَباً لهُ |
| ما زال يمنحُني هُوِيَّةَ نَجْلِهِ |
| بئسَ الرجولةُ إِذْ تهادنُ وَعْيَهَا |
| وتضيقُ بالنَّزَقِ الشَّقِيِّ وطِفْلِهِ!! |
| فأنا المشرَّدُ في متاهةِ فجوةٍ |
| بين انفعالِ دمي وقِلَّةِ فِعْلِهِ |
| حيران يلدغُني التَّوَجُّسَ كلَّما |
| في خاطري دَبَّتْ قوافلُ نَمْلِهِ |
| نغمي امتدادُ صدَى جنينٍ ساقطٍ |
| عن عرشِهِ السِّرِّيِّ ساعةَ فَصْلِهِ |
| ما انفكَّ يفتنُني السؤالُ فقادَني |
| كـ (ـالسَّامريِّ) إلى عبادةِ (عِجْلِـ) ـهِ: |
| أيُّ الهواجسِ في الغيوبِ نَصبَتْهُ |
| فظَفِرْتَ من جَبَلِ الغيوبِ بوَعْلِهِ؟! |
| أيُّ الهواجسِ في الغيوبِ حَقْنْتَهُ |
| فوَقَاكَ من جَرَبِ الزمانِ وسُلِّهِ؟! |
| أيُّ الهواجسِ -منذُ ألفِ فجيعةٍ- |
| ما زال باسمِكَ ممعناً في شُغْلِهِ؟! |
| ماضِ إلى أقصَى الجَمالُ ومنتهَى |
| لُغَةٍ يغازلُها الجمالُ بوَصْلِهِ |
| يَثِبُ السؤالُ على ندائِكَ كلَّما |
| بَرَكَ السؤالُ على مرابضِ حَلِّهِ |
| ويَعِيشُكَ المعنَى خصوبةَ موسمٍ |
| ما بينَ ترْحَالِ الخيالِ وحِلِّهِ |
| والرملُ يبحثُ عن هُوِيَّتِهِ التي |
| قَضَمَتْ ملامحَها براثنُ مَحْلِهِ |
| فجَمَعْتَ حَوْلَكَ أُمَّةً من أَحْرُفِ |
| أَرْكَبْتَهَا في الحِبْرِ صهوةَ سَيْلِهِ |
| ومضيتَ تجتاحُ الخريطةَ حالماً |
| أنْ يستعيدَ الرملُ لَمَّةَ شَمْلِهِ |
| فإذا اسْتَباحَتْكَ الفلاةُ بِجَمْرِها |
| آوَيْتَ للمعنَى تُنِيخُ بِظِلِّهِ |
| خَفَّفْ عليكَ الحُلْمَ ثِقْلَ قصيدةٍ.. |
| كم كان حُلُمُكَ مُفْرِطاً في ثِقْلِهِ |
| عَجِزَتْ خيولُ (الرُّومِ) عنك فلم تَطَأْ |
| مأواكَ في جبلِ البيانِ وسَهْلِهِ |
| وغَزَاكَ من كفِّ (ابنِ عَمِّكَ) خنجرٌ |
| سكرانُ ما طُعِنَ الوفاءُ بِمثْلِهِ |
| هِيَ (رِدَّةٌ) أخرَى أفاقَ سرابُها |
| فإذا (مسَيْلَمَةٌ) يَهِمُّ بِنَهْلِهِ |
| وإذا الدَّوِيُّ يصكُّ أسماعَ المدَى |
| من كلِّ (مُرْتَدٍّ) يَدُقُّ بطَبْلِهِ |
| قَتَلُوكَ كي تَلِدَ الحكايةُ نفسَها |
| وصدَى الهديرِ يعيدُ قِصَّةَ فَحْلِهِ! |