شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((المنهل)) تنعى ((فقيد الأدب)) (1)
وفاة أبي عبد المقصود:
لبى الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود نداء ربه في ليلة الجمعة الموافقة 13 ربيع الثاني سنة 1360 وهو بالطائف وقد كان لنعيه رنة حزن وأسى عميقين في قلوب أصدقائه وعارفي فضله، وقد اشترك كثير من أصدقاء الفقيد في تشييع جنازته ومواراته التراب، واستمطار شآبيب الرحمة والرضوان عليه، فنسأل الله أن يتغمده بعميم رضوانه وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان وأن يبارك في حياة ابنه البكر الصغير (عبد المقصود) وفي شقيقيه الأصغرين وأن يعوض المولى به ما فقدناه في والده الراحل من مميزات العمل والنشاط الجمّ والهمة الشماء.
حياة الفقيد:
سجل رحمه الله حيوات زملائه الأدباء في وحي الصحراء ولم يتعرض لتاريخ ولادته وأكبر الظن أنه قضى في أوائل العقد الرابع من حياته. وقد أخبرني أنه انتظم في مبادئ دراسته بمدرسة الفلاح وخرج منها قبل أن يتخرج في سنتها الأخيرة واشتغل بالأعمال الحسابية ثم اشتغل كاتباً في إدارة أم القرى ومحاسباً وأمين صندوق فوكيلاً لمديرها فمديراً لها فمديراً لمطبعة الحكومة، وظل يشغل إدارة المطبعة زهاء خمس سنوات كان فيها مثال النشاط المتواصل وقد أدخل فيها تحسينات جمة، وأدخل إلى الطباعة في هذه البلاد، ألواناً من التجديد والتنظيم يشاهدها العموم ويثنون عليه من جرائها ثناء عاطراً.
وفي أوائل هذه المدة التي اشتغل فيها بوظيفة مدير المطبعة ابتدأت الأمراض الداخلية تنتابه فترة بعد فترة وشهراً بعد أشهر ولم تفد فيها علاجات الأطباء النطس لا في الداخل ولا في الخارج، وكانت هذه الأمراض نتيجة المجهودات الفكرية والعملية العنيفة التي يبذلها في دائرة أعماله الإدارية وأعماله الاجتماعية والأدبية. وقد حدثني بذلك وأقرّه لي مراراً ومع ذلك فلم تعقه أعراضها الخطيرة من متابعة أعماله جمعاء.
اشتغل الأستاذ محمد سعيد بالحياة الأدبية زهاء عشر سنوات خلت. فقد كان أول بحث نشره بعنوان (أنا والأخلاق) في 3 ذي القعدة سنة 1350 بجريدة أم القرى. وأول ما ظهر من مباحثه برهن على الروح الاجتماعية الإصلاحية التي يحملها بين جوانحه، وكانت مقالاته الرنانة التي كان يوقعها بإمضاء (الغربال) في جريدة أم القرى أول أثر ظهر له. وكان لها دويها في الأوساط المختلفة. وكان الطابع الديني الاجتماعي هو الطابع الذي تتسم به كتاباته. وكانت ميوله متجهة بادئ بدء إلى الكتابة الاجتماعية ثم بحكم صلته الأدبية الوثقى بسعادة الأستاذ المحقق رشدي بك الصالح ملحس إبان عهد إدارته لأم القرى انصرف إلى البحوث التاريخية فزاولها بحماس ونشاط لا يعرفان الكلل حتى أوفى فيها على قمة رفيعة، وكان البحث الذي افتتح به كتاب (وحي الصحراء) من أمتع بحوثه وأنفعها على وضوحه وسهولة عباراته.
ويمتاز أدبه بالصراحة فأسلوبه من الأسلوب الواضح وكتاباته تنم عن عواطفه بصفة جلية، فمن أراد دراسته فليدرس آثاره الأدبية ففيها فيض عواطفه ونموذج نفسيته ومجموعة خصاله وشخصيته.
واشتغل الأستاذ رحمه الله بالصحافة ردحاً من الزمن فكان مدير ومحرر جريدة أم القرى قبل بضع سنوات، وشارك مشاركة طيبة في تنمية الحركة الأدبية في البلاد، وكان خطيباً مرتجلاً، وفي نبراته ومقاطع صوته المتهدج يحس السامع حركة القوة الخطابية الرنانة التي تنبجس منه، ولقد خطب في المحفل العلمي بمدرسة العلوم الشرعية، أولها كان منذ نحو ثلاث سنوات وسجلت خطابه في مجلة المنهل فكان خطاباً ارتجالياً رائعاً جديراً بالتسجيل وكانت له جولات خطابية في جمعية الإسعاف الوطني وغير جمعية الإسعاف.
وكانت له جولات طيبة في عالم السياسة دلّت على سمو فكره فكان ينشر هذه المباحث قبلاً بتوقيع (عربي) وكتاباته الاجتماعية كذلك جيدة منشورة في مختلف الصحف.
وكان حركة دائمة في إقامة الحفلات في المجتمعات، وعلى سواعده وتفكيره وجهوده كانت تقوم حفلات منى الرابعة.
وأهم آثاره الأدبية كتاب (وحي الصحراء) أخرجه بمساعدة صديقه الأستاذ عبد الله بلخير جامعاً فيه شتات الأدب الحجازي الحديث.
والمنهل بصفة خاصة يذكر الفقيد وعبرات الأسى تنهل بين سطوره فقد كان من أهم المشجعين له في وقت كان فيه أحوج ما يكون إلى التشجيع فساعد على طبعه في مطبعة الحكومة طبعاً متقناً شهوراً عديدة تنسم فيها المنهل الهواء الطلق الصافي وسار في طريقه من يومئذٍ إلى التحسن وقد سجلت له هذا التعضيد النبيل في كتاب شكر رقيق كنت بعثته إليه منذ نحو عامين وقابله بالتقدير في خطاب رفيق وردني منه يومذاك. وللفقيد آثار أدبية وتاريخية واجتماعية شتى لا يزال بعضها رهن التسويد وبعضها رهن التبييض فحبذا لو عني بتنظيمها وتبويبها وطبعها والإفادة منها.
ولا تكاد ترى حركة علمية أو اجتماعية إلا وتجد اسم الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود من بين القائمين بها، وهذا النشاط الموفور كان مضرب الأمثال، وكان في كل أعماله مثال الحزم النادر واليقظة الدائمة والسعي المتواصل لإنجاح الخطط التي توحي بها إليه آماله الفيحاء في الحياة الناهضة.
كتبنا هذه الكلمة تسجيلاً لمآثر الفقيد، عالمين أن وفاته تعتبر بحق خسارة على النهضة الأدبية والاجتماعية في هذه البلاد بالنظر لما كان الفقيد يغذيها به من بواعث ووسائل وأعمال وآمال.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :349  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 134 من 153
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.