شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
رجال في تاريخنا:
محمد سعيد عبد المقصود خوجه
بين الصحافة والأدب (1)
بقلم: عبد الله بن إبراهيم رجب
شهدت الحركة الأدبية، في بلادنا، إبان مرحلة التأسيس والنشأة، جهوداً كبيرة ومخلصة في نفس الوقت. ومن هنا تحقق الحلم الذي كان يراود الكثيرين ممن وقفوا وراء تلك الجهود، وأصبح للأدب مكانة بارزة في المجتمع بخاصة، وفي الحياة بعامة.
والحق أن هذا المطلب لم يكن سهلاً ولا ميسوراً، لكنها -بالطبع- عزمات الرجال العاملين هي التي فتحت الطريق، بعد تمهيدها، أمام الأجيال التي تأتي بعد ذلك.
وقامت الحكومة بدورها كاملاً غير منقوص في هذا السبيل: حيث رعت الأدب، واحتضنت الأدباء، وشجعتهم للاضطلاع برسالتهم التوجيهية؛ وفق قواعد قعدتها لذلك؛ وكان الهدف التنظيم لا أكثر.
ولقد برز عديد من الروّاد في تلك المرحلة؛ بعضهم ظل مذكوراً، وبعضهم الآخر ظل منسياً حتى من أفراد جيلهم، وبين هؤلاء وهؤلاء فريق ثالث ظل بين وبين.
وأقدم -اليوم- واحداً من بين ذلكم الرعيل، ضرب بسهم وافر في الأدب الذي دخله من باب الصحافة؛ كغيره من أدباء ذلك الزمان؛ ممن جمعوا بين الريادتين؛ الأدب والصحافة.
إنه الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود خوجه، وهو -كما قال عنه صاحب الأعلام: ((أديب حجازي، من الكتّاب؛ من أهل مكة)).
وقد عمل في بلاط صاحبة الجلالة مسؤولاً عن جريدة ((أم القرى)) حيث أعطاها حبه وحماسه للأدب، وفتح صفحاتها أمام الأدباء الذين وجدوا في شخصه نصيراً لهم، وتمكنوا من نشر أدبهم شعراً ونثراً، وتبارت الأقلام في ميدان ((أم القرى)) (2) الفسيح، وازدهر الأدب أيما ازدهار، ودبت فيه الحركة وروح الحياة.
وعلى مر الأيام لوحظ على الجريدة التخفف شيئاً فشيئاً من الصبغة الرسمية عند توليه مهمة الإشراف على التحرير ((ذلك لأن صفحاتها قد حفلت بالمقالات الأدبية والتاريخية والاجتماعية التي كان يكتبها محرروها وبعض الأدباء البارزين؛ مثل: محمد حسن كتبي، وأحمد السباعي)) (3) .
ويعجبني قول بعض من أرّخ لمحمد سعيد عبد المقصود أنه: ((شارك مشاركة طيبة في تنمية الحركة الأدبية في البلاد)) (4) .
وهذا حق: فالرجل كان ذا همة عالية، وكان ذا آمال عريضة من الحياة؛ مع نشاط دائم في دنيا الأدب والفكر، وفي الحياة، وما تحفل به من أعمال أخرى كلها ولا شك ستعود على البلاد، وعلى المجتمع بكل الخير.
وفي كل مجال عمل به ((خوجه)) ترك آثاراً تدل عليه، وذكرى عطرة، ومن بين آثاره المكتوبة الخالدة تلك البحوث الرصينة الجادة التي كان ينشرها في كل من جريدتي ((أم القرى)) و ((صوت الحجاز)) أذكر بحثه عن المياه في مكة، وبحثه الآخر عن تاريخ الحجون وتحديد مكانها، وبحثه الثالث المتعلق بموضوع السيول في مكة.
وأخيراً لا آخراً، هناك بحثه القيّم الممتع ((الأدب الحجازي والتاريخ)) الذي تصدر كتاب ((وحي الصحراء)) الذي تعاون مع صديقه الشيخ عبد الله عمر بلخير في تأليفه، وصدر سنة 1355هـ، وكان حديث الأوساط الثقافية، والأدبية، وما زال حتى اليوم، وكانت ((تهامة)) قد أعادت إصداره سنة 1403هـ؛ خدمة منها في إطلاع طلاب وطالبات الدراسات العليا الجامعية عليه، وإتاحة الفرصة أمام الباحثين للرجوع إليه؛ كلما دعت الضرورة.
وتلك المقدمة لا بد من الوقوف عليها؛ لأنها تعطي فكرة جيدة عن حركة الأدب والعلم، في ذلك الوقت؛ ومن أجل ذلك أقتطف منها ما يلي:
((الأدب ميزان ثقافة الأمة، ودليل حياتها؛ وهو فن الحرية والجمال، يزدهر إذا تعهدته الفطر القويمة بوسائل الإنعاش، وأدب كل أمة صورة دقيقة لحياتها، ومقياس لتقدمها ورقيها، وكما أن الحياة تتقلب في أدوار مختلفة، وتحيط بها ملابسات متباينة، وتسير طبقاً لسنن الكون في النمو والارتقاء، والذبول والاضمحلال؛ فكذلك الأدب يزدهر بازدهار الحياة، ويذبل بذبولها.
مرت على هذا الوطن العزيز أدوار مختلفة، كان يسير في كل دور منها طبق ما يحيط به من نزعات، وما يكتنفه من ملابسات، متأثراً بالمبادئ المتنوعة التي كانت تتجدد بتجدد التقلبات السياسية وأحداثها التي اعتورته، والتي كانت أشبه بكوكب دوار لا استقرار له؛ ولا نهاية لدورانه.
فتلك الحياة المزعومة، هي بلا شك حياة نفعية محضة؛ لا ميزان فيها لغير الأهواء، وهي خليقة بأن تنشئ العثرات في سبيل التفكير الحر، والكفاءات الأدبية؛ فلا بدع إذا أخذ جمال هذا الوطن العزيز في الذبول ينتقل من سيئ إلى أسوأ؛ وحتى أقفر من كل شيء، ولولا ما له من مكانة دينية لغدا بلقعاً، وانقلب قاعاً صفصفاً.
بقي كذلك حتى أدار الزمن دورته، وتنفست الحياة من جديد؛ فنهض ليستعيد مجده الداثر وعزه المسلوب، لكنه كان أشبه بالثمل يتخبط يمنة ويسرة، ويخطئ طريقه في تلك الظلمة المطبقة حوله؛ وهو أحوج ما يكون إلى أيدٍ مخلصة تدفعه إلى طريق النجاة والرشاد، لكنه -ويا للأسف- لم يلق تلك النجدة التي ينشدها في أبنائه القلائل)).
بقي أن أشير إلى أن محمد سعيد عبد المقصود ولد سنة 1324هـ، وتوفي سنة 1360هـ عليه رحمة الله.
وقبل أيام من الآن مرت بنا ذكرى وفاته الأولى بعد الخمسين، وها هو ذا أدبه يعيش بيننا يذكرنا به وبريادته التي يشكك فيها البعض (بكل أسف).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :263  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 113 من 153
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.