(الحلقة السادسة) |
وفي حج عام 1350هـ وفد على الحكومة العربية السعودية وفد من نجران ومعهم ذلك العهد
(1)
، وفي عام 1279هـ وفد على الإمام فيصل بن تركي وفد من أهل نجران وقعد معهم وحرر لهم بتاريخ 12/8/1289هـ عهداً مضمونه: أنَّ لهم ما لأهل نجد وعليهم ما على أهل نجد
(2)
، وبقي أمر نجران بيد شيوخهم إلى أن تمّ الأمر لجلالة الملك فضم إليه نجران في عام 1338هـ. يقول الريحاني في كتابه ((تاريخ نجد الحديث)): ((نجران لبني يام الذين كانوا في الماضي خارجين على كل سلطة مشروعة فما دانوا لأحد غير شيوخهم ولكنهم منذ ثلاث سنوات دخلوا في الرعوية السعودية فصاروا يدفعون الزكاة طائعين))
(3)
. |
هذا شيء من التاريخ عن نجران أتينا به ونزيد المسألة إيضاحاً فنقول: في عام 1346هـ جرى الاتفاق بين اليمن والحكومة على أن الحدود الشرقية تكون على هذا الشكل: من نجران وشمال تابع لجلالة الملك، ومن نجران وجنوب تابع لليمن، وقد اعترف سيادة الإمام يحيى بذلك التحديد في كثير من برقياته (التي منها الوثيقة رقم 11 والبرقية الثانية من الوثيقة رقم 50)، ومنذ ذلك التاريخ أصبح أمر الحدود مفصولاً ثم عقبه الاختلاف الواقع في الحدود الجنوبية على جبل العرو في عام 1350هـ وانتهى أمره بما تقدم، وعقبه معاهدة 5 شعبان، وبكل هذا أصبح العرف الدولي يعتبر أن مسائل الحدود أمر مفروغ منه، لأن الاتفاق لا يكون إلاَّ بعد تسوية المسائل المختلف عليها، ولو كان هناك اختلاف على حدود نجران لتوقف من أجله الاتفاق. والذي نظن أن لهذا السبب أراد مَنْ في اليمن التخلص من معاهدة شعبان. |
هذه حقائق تاريخية ودقائق رسمية سردناها ليعرف العالم كيف يسعى من في اليمن للشقاق فيطالبون بغير حق ليوقظوا الفتنة، وليقضوا على الحشاشة الباقية من أبناء العرب. |
والآن يجدر بنا ونحن في مثل هذا الموقف أن نكشف اللثام عن بعض الحوادث التي تتعلق بنجران ليطلع العرب على أفعال مَنْ في اليمن وليعلموا كيف كان احتلال نجران، وكيف أنهم يسعون لإيذاء العرب في بلاد العرب. |
يعلم العرب وغيرهم ما كان بين بريطانيا ومَنْ في اليمن، وأنه بقي الأمر بينهما على أشدّه، وأن المفاوضات استمرت بين الطرفين أربعة عشر عاماً، وأن بريطانيا قد راودت مَنْ في اليمن مراراً على ترك النواحي التسع، والتخلي عنها، فلم يفعلوا. يعلم العرب ذلك، وقد شكرنا وشكر العرب لمن في اليمن ذلك لأن من حافظ على شبر من بلاد العرب فقد حافظ على العرب، بعد هذا لم نشعر إلاَّ وقد دخل اليمن مع بريطانيا في مفاوضاته الأخيرة، وتم الاتفاق على تنازل مَنْ في اليمن عن النواحي التسع لبريطانيا، وفي الوقت الذي كان اليمن يتفاوض مع بريطانيا كان جند سيادة الإمام يحيى يتقدم لاحتلال نجران. علمت الحكومة بذلك فكانت واقعة بين أمرين: إمَّا أن تصادم جنود اليمن وتصدها عن نجران، وإمَّا أن تقف مكتوفة الأيدي، وكلاهما مصيبة، إذا هي قاومت جنود سيادة الإمام، وأرجعتها، فُسِّر ذلك على غير وجهه، وإذا بقيت ساكتة ضاعت ممالكها من يديها. فضلت أهون الضررين فلم تحرك ساكناً، وبقيت جنود الإمام تعيث في نجران الفساد، وأهل نجران يصرخون ويولولون كأن سيادة الإمام يحيى استحسن تسليم النواحي التسع لبريطانيا ليستعيض بدلها من ممالك الحكومة العربية السعودية. |
الله يعلم أننا نسرد هذه الحقائق والألم يقطع قلوبنا والحزن يمزق أفئدتنا لأنها حقائق مخجلة ومفضحة، ولكن لا مناص من إظهارها، لأن الحقيقة ستظهر قرب الأمر أو بعد، فهذه القضية نحيلها إلى الأمة العربية لتنظر فيها ولترى كيف مَنْ في اليمن يسعون لكيد العرب في بلادهم وحصنهم الحصين، وندع لهم القول الفصل في ذلك. |
5- قضية تنومة: |
طالب مندوبو اليمن بمن قتل من اليمانيين عام 1341هـ في تنومة، وهذه الحادثة تعرف بحادثة العصبة أيضاً، وحقيقتها كما يلي بدون زيادة أو نقصان. |
في عام 1341هـ انتقض بنوشِهْر -بدسيسة من الملك حسين- على الملك عبد العزيز فأرسل إليهم قوة من الأخوان واشتبكت معهم بقتال. وفي أواخر شوال 1341هـ اتصل بعلم الأمير عبد العزيز بن إبراهيم قدوم العصبة، فأرسل من يستطلع خبرها، ولما علم بأنهم حجاج وأنه لا طريق لهم يسيرون فيه إلاّ طريق الخط الحربي الممتد على طول بلاد بني شهر خاف عليهم فنصحهم وحذرهم من التقدم، ولكن العصبة رفضت وأصرّت على السير وقتال من يقاتلها، وسارت في طريق الخط الحربي، وفي اثنين ذي القعدة علم بهم الأخوان فأشاروا عليهم بالعودة فأبوا وصمموا على منازلة من ينازلهم، فحدث عند الأخوان شك في أمرهم فأنذروهم عن التقدم فلم يلتفتوا، وساروا، فعند ذلك نازلتهم قوة الأخوان فقتل من قتل وهرب من هرب. علم جلالة الملك بالحادث فتأثر وأعاد كافة ما تركته العصبة لليمن. فسلَّم إليهم بموجب وثيقة. هذه هي حقيقة الحادثة بدون أي تغيير أو تبديل، فمطالبة مَنْ في اليمن بهذه القضية وتصلبهم فيها لا يقرهم عليه قانون في العالم من عدة وجوه: |
1- أنَّ من في اليمن كانوا يعرفون بالحرب الواقعة، وأنه لا طريق لهم غير الخط الحربي. |
2- أنَّ الأمير عبد العزيز والأخوان قد نهوهم وحذروهم من التقدم، فأبوا وهذا مما يدعو للريبة والشك في مثل ذاك الموقف. |
3- أن تقدم العصبة لم يكن بطلب سابق من سيادة الإمام لما تقضي بذلك خطة الحرب لدى عموم الدول. |
4- أن علم الحقوق يقضي بأن كل من يرى نفسه في ساحة القتال يعتبر عدداً يجب قتاله ولا حق لحكومته ولا لورثته بالمطالبة فيما يحدث عليه. |
5- أنَّ جلالة الملك تأثر لهذه الحادثة أشد التأثير فأرسل كتاب اعتذار لسيادة الإمام يحيى، وأرسل جميع أمتعة العصبة، فَقَبل مَنْ في اليمن ذلك، وقبول العذر واستلام الموجودات أكبر دليل على رضاهم وقبولهم وانتهاء الموضوع. |
كل هذه الأدلة تدل على أن لا حق لمن في اليمن بمطالبة قتلى تنومة، ولكن مَنْ لي بمن يفهم مَنْ في اليمن ذلك؟ |
إن الحقيقة التي لا غبار عليها أنه ليس المقصود من إثارة حادثة العصبة المطالبة بحقها؛ لا، وإنما ليكون منها سبباً لإثارة الشحناء والبغضاء لإيقاظ الفتن، هذه هي الحقيقة، بعد الفحص والدرس، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. |
هذه هي المطاليب التي ألقى قنابلها مَنْ في اليمن في مؤتمر صنعاء ليكون نصيبه الفشل، أتينا بها، وعلّقنا عليها بما يرضاه العدل والإنصاف، ثم نعود فنسائل مَنْ في اليمن: إن هذه المطاليب التي على أساسها عقد المؤتمر.. أين هي من الحق والعدل؟. ((لقد جئناهم بالحق ولكن أكثرهم للحق كارهون)). |
مكة: متألم
|
|