من المكتبة السعودية
(1)
|
يسعد مجلة
((
الفيصل
))
أن تفتح هذه النافذة الجديدة إلى جانب النوافذ الأخرى، للإسهام في تسليط الأضواء على الحركة الفكرية والأدبية والعلمية في المملكة العربية السعودية من خلال إصدارات الكتب العديدة في مختلف فروع المعارف الإنسانية.. وذلك لإيمانها بفاعلية هذا الاهتمام الهادف إلى مد جسور جديدة بين الحركة الأدبية والعلمية في المملكة، والقرّاء في الوطن العربي الكبير.
|
وقد استقطبت المجلة لتحقيق هذا الهدف أقلام النقاد والباحثين والدارسين في مختلف أقطار الوطن العربي.
|
ولكي نحقق ما نطمح إليه فإن الكتّاب والأدباء والمؤسسات الثقافية السعودية مدعوة للتعاون معنا بتزويدنا بنسخ من الإصدارات القديم منها والجديد.. والله الموفق.
|
- الكتاب: وحي الصحراء. |
- المؤلفان: محمد سعيد عبد المقصود وعبد الله عمر بلخير. |
- الناشر: تهامة -جدة- ط (2) 1403هـ/1983م (490). |
إن طباعة كتاب (وحي الصحراء) مرة ثانية -بعد نصف قرن على طباعته الأولى- يعتبر عملاً جديراً بالإشادة والتفاخر به، ولا سيما أن النسخة الأولى أصبحت ((في عداد المخطوطات النادرة)). |
لقد جمع عبد المقصود وبلخير منذ خمسين عاماً -في كتابهم وحي الصحراء- أدباً لأبرز أعلام الفكر والشعر والنثر لمنطقة الحجاز، وعددهم تسعة عشر أديباً. وكان الكتاب فعلاً -كما جاء في صدر الغلاف- صفحة من الأدب العصري في الحجاز.. وعملاً رائداً في المختارات الأدبية، راحت كثير من الأقلام تنحو -من بعده- منحاه. وإن كتاب وحي الصحراء ليثير العديد من القضايا الأدبية. ويمكننا أن نقف عند أبرزها: |
- أولاً: روح الحماس -نجد روح الحماس والصدق والاندفاع لدى روّاد النهضات الفكرية والأدبية. وإننا نتلمس الكثير من دوافع الروّاد عند كل من عبد المقصود وبلخير وهما يدأبان لإبراز كوكبة من أدباء بلادهم، وتقديمهم إلى القارئ العربي، ولا سيما أننا قد ((تجمعنا مواسم الحج في كل عام بلفيف مثقف من شباب العرب، فنجدهم يجهلون عن أدب هذا القطر الشيء الكثير)). وإنها لظاهرة قديمة -غفلة الأدباء العرب عن الأدب السعودي- تستحق الدراسة. |
- ثانياً: عملية المختارات الأدبية -إن اصطفاء أو اختيار الأفضل من بين النصوص الأدبية لمجموعة من أدباء المنطقة لهو عمل دقيق وحساس، ويتطلب ذوقاً وثقافة وحساً نقدياً، ويقترب من الجودة والكمال، كلما ساهم عدد كبير من النقّاد في عملية الاختيار.. لذلك فقد طلب الجامعان ((انتخاب لجنة تتولى درس مواد الكتاب، فانتخب نفر شريف الغاية، سامي الغرض، نبيل المقصد، استمر يوالي جلساته وبذل كل ما في وسعه حتى تم اختيار ما يجده القارئ بين يديه)). ولكن رغم أن غالبية أعلام وحي الصحراء قد سطعوا في دنيا الأدب كالشهب، لحسن الاختيار، إلاّ أن ثمة آخرين من الذين سطعوا لم نعثر على ذكرهم بين الذين أدرجوا في هذا الكتاب أمثال العطار والعواد وغيرهما. |
- ثالثاً: الإلمام بفنون الأدب -الكثير من أولئك الأعلام الذين تضمنهم الكتاب يجمعون فنون الأدب كافة. فهم ينظمون الشعر التقليدي تارة، والنثر الفني تارة أخرى.. فنجد إثر قصائدهم الشعرية، المقالة الأدبية، والذاتية، والنقدية، والمخاطرة الفنية.. كما نجد البعض الآخر ممن استقل بالشعر أو النثر. |
- رابعاً: الأسلوب -كان معظمهم قد تمكّن من إتقان نظمه الشعري بصياغة تقليدية، لكنها لا تخلو من صبغتها الذاتية والشخصية. وتتفاوت الملكة الشعرية من واحد إلى آخر. كما أن النثر يبدو عند أغلبيتهم أنه تأثر بأدب الدول العربية المجاورة، وبخاصة بالأدب المهجري. وجبران بالذات الذي تشبعوا بروحه، يقول مثلاً عزيز ضياء من خاطرته (فاجعة): ((أيها الليل! يا مستودع أنات قلبي الكسير، وآهات صدري الكليم! أيها الليل! يا شريك سعادتي الذاهبة، وشاهد أفراحي الفانية. أيها الليل! يا ينبوع العزاء، ويا رسول الرحمة إلى البؤساء!)). |
- خامساً: تعدد الأغراض الشعرية -توزعت الكثير من الموضوعات الشعرية قصائدهم، فنجدهم ينظمون في شؤونهم الخاصة ومناسباتهم العربية، ويتفاخرون بمنطقة الحجاز، وعلى رأسهم الغزاوي وبلخير. فقد كانا مثلاً يعرفان كيف يختاران المناسبة الشعرية التي تترجم المشاعر الوطنية والعربية. فإذا كانت مناسبة الحلف العربي الذي تم بين المملكة العربية السعودية وشقيقتها اليمن عام 1353هـ، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها.. فلا بد من أن نسمع صوت الفرحة التاريخية منطلقاً من حنجرة الغزاوي: |
حمدنا السرى عقبى امتشاق البواتر |
وكدنا العدى بالصلح رغم العواثر |
وأصبح ما بين العروبة مسفراً |
من الحب والقربى ونور البصائر |
|
على أن الشاعر عبد الله بلخير كان في شعره يترجم المشاعر القومية أكثر من أي شاعر آخر. يقول: |
يا وحدة العرب التي نسعى لها |
حتى نشيدها على الأعماد |
|
كما أننا نسمع -من خلال وحي الصحراء- شعراً ينفث فيه الشعراء الحجازيون زفراتهم الوجدانية، ويفصحون فيه عن تجاربهم الذاتية حكماً تصطبغ بالمرارة والتشاؤم أحياناً.. فهذا مثلاً حسين سرحان في (زفرة أسى) يقول: |
ضغط الأسى قلباً كسيراً ما له |
بكفاح أحداث الزمان يدان |
وإخال أني لا أحس بنبضه |
في الصدر لولا شدة الخفقان |
والحول حول اللَّه لا حول امرئ |
عصفت عليه زوابع الأحزان |
من كل ناحية تعاوده يد |
إخفاق آمال وهدم كيان |
|
وكذلك نسمع على ألسنة الشعراء الحجازيين، وعبر وحي الصحراء، صوتاً آخر حزيناً متجاوباً مع البؤس الاجتماعي، بكل صوره ومظاهره وأحواله.. فهذا الشاعر أحمد العربي في قصيدته (أيها العيد) يقول فيها: |
أيها الموسرون رفقاً وعطفاً |
وحناناً بالبائس المحزون |
ربما بات جاركم طاوياً جو |
عاً وبتم تشكون بشم البطون |
ربما ظل طيلة العيد يستخـ |
ـفي من الصحب قابعاً كالسجين |
يتوارى من سوء منظره المز |
ري ومن حاله الكريه المهين |
ليت شعري متى يكون لنا عيد |
حقيق برمزه المكنون |
فيشيع الهناء في كل نفس |
ويؤاسي فؤاد كل حزين |
|
وإن كتاب وحي الصحراء، ليجد فيه الدارس والقارئ الكثير من الظواهر الأدبية والفنية والظواهر الأخرى، ما دام يصور فيه شعراؤه الشباب مرحلة مرَّ عليها أكثر من نصف قرن. |
|